رغم أن الثورة المعلوماتية استطاعت أن تجعل بعضا من مسارات الحياة الإنسانية أسهل بكثير مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن إلا أنها في الوقت نفسه خلقت الكثير من التحديات الجديدة التي يمكن اعتبار خطرها أكبر بكثير من حساب الفوائد. أحد أخطر التحديات التي أفرزتها الثورة المعلوماتية تحدي تربية الأبناء!

لم تعد الأسرة والمؤسسات التعليمية أو حتى المحيط الحقيقي الذي ينشأ فيه الأطفال هو الذي يقوم بدور التربية والتنشئة، بل دخل على خط التربية شركاء آخرين لديهم قدرة تأثيرية بحكم الأدوات أكثر مما لدى الآباء والأسرة والمدرسة.

ومن بين أولئك الشركاء تبدو وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر خطورة وتأثيرا.. ولأنها أداة من أدوات العصر الذي ينشأ فيه الأطفال أصبحوا مأخوذين بها ومتناغمين معها ومع ما تحمله من خطابات، سيئها أكثر بكثير من جيدها. ظهر ذلك في مرحلة تراجع فيها، أيضا، دور الأسرة التي اعتقدت، ربما، أن المدرسة قادرة على إحداث التغيير والتأثير في أبنائها وهذا دورها وحدها كما تعتقد البعض، أو أنها رأت أن الأمر قد خرج عن سيطرتها في ظل أن المجتمعات كلها تعيش نفس المشهد الجديد وبكل تجلياته وسيئاته التي لم يعد أحد يشير لها بوصفها سيئات.

إن هذا التصور أقرب إلى الاستسلام والرمي بالأجيال الجديدة في وحل لا قعر له أبدا، وخطر لا مثيل له، بدت بعض نتائجه في الظهور وخلق الكثير من التحديات التي لم تكن مجتمعاتنا، على أقل تقدير تعرفها. ولذلك بدأت الكثير من القيم الأصيلة التي صنعتها الأجيال في التآكل، والاندثار والنظر لها بوصفها من الماضي الذي لا يمكن أن يتواكب، أو هو معطل لحركة التصور التكنولوجي.. وليت هذه الأجيال استطاعت تطوير قيم جديدة يمكن أن تتوافق مع المرحلة كما يقولون، ولكن، مع الأسف، انحدرت إلى قيم مستوردة من مجتمعات أخرى لا تنتمي للهوية الإسلامية ولقيمها النبيلة.

التحدي الآخر يكمن في المعايير المجتمعية المتغيرة. في كثير من الأحيان، تبتعد الأجيال الشابة عن العادات والقيم التقليدية، وتعتنق قيما أخرى تعتقد أنها أكثر عالمية. في حين أن هذا أمر قد يكون إيجابيا في بعض السياقات، إلا أنه يخلق تنافرًا بين الأجيال داخل المجتمع الواحد ويفقد المجتمعات قيمها المتراكمة عبر الزمن وتغيب خلال ذلك الهوية الإسلامية.

إن المجتمعات العربية، بما فيها المجتمع العمانية بحاجة ماسة إلى بناء برامج علمية تساعد الأسر على معرفة الطرق العلمية الصحيحة للتعامل مع تربية الأبناء وفقا للقيم الإسلامية الصحيحة وبناء وعي حقيقي في الأبناء بالمخاطر التي تحيط بهم والمنبثقة من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من القنوات الأخرى التي تبدو شريكا في التربية في هذه المرحلة الصعبة من مراحل التغيرات التي يشهدها العالم.

إن الأمر تجاوز كل الحدود الممكن تصورها ليس في مجتمعاتنا الإسلامية بل حتى في المجتمعات الغربية التي بدأت تصرخ من خطر التأثيرات القوية على تنشئة أبنائهم وفق فكرة الامتداد الحضاري والتراكم المعرفي والقيمي.

أعان الله الأسر على مرحلة التحدي الكبيرة التي يعيشونها مع أبنائهم في ظل متغيرات تملك قوة التغيير الفظيعة.. والمدمرة أحيانا.