رغم أن العالم الذي نعيش فيه اليوم يعتز كثيرًا بقيم التطور والحداثة والتنوير وما وصل إليه من نهضة تقنية وتكنولوجية، وما أنجزه من ثقافة العولمة التي يفترض أنها أعلت من قيم المجتمع الواحد الذي يعيش في قرية عالمية صغيرة مترابطة الأفكار والأحلام والتطلعات.. إلا أنه، أو بعضًا منه، لم يستطع أن يتخلى عن الكثير من خطاباته التاريخية ومن بينها خطاب الكراهية والعنصرية. إن هذه الخطابات كانت في الماضي وصمة عار كبرى في جبين الإنسانية فكيف بها اليوم في مجتمعاتنا الحديثة، إنها تعادل ردة حضارية ونكوصًا يكشف حجم التراجع والانهيار الذي تعيشه بعض المجتمعات.

إن استنكار سلطنة عمان أمام الأمم المتحدة لخطاب الكراهية الذي تمثّل في حرق وتدنيس نسخة من المصحف الشريف يتعدى كونه بيانًا سياسيًا إلى بيان حضاري يذكّر هذا العالم الذي تتداعى فيه بعض مجتمعاته بالقيم الحضارية الأصيلة وكذلك بالقيم الإنسانية، ويجسّد الحاجة الملحة للتصدي لخطاب الكراهية، ليس فقط ضد المسلمين ولكن ضد جميع الديانات والمذاهب والعرقيات، فخطاب الكراهية قوة سامة تفسد نسيج المجتمعات وتغذّي الانقسام وتحرّض على العنف، وعلينا جميعًا أن نكافحه بكل حزم.

وخطاب الكراهية، في جوهره، اعتداء على جوهر كرامة الإنسان. إنه يمزّق الخيوط الهشة التي تربط المجتمعات ببعضها، تاركًا وراءه أثرًا لا ينقطع من الكره والحقد الذي يتجاوز حدود الأفراد ليتحول إلى حقد حضاري يبدد الكثير من فرض التقدم الإنساني. فحرق الكتب المقدسة، بما في ذلك القرآن الكريم، وتمزيقها، ليس فقط إهانة لأتباع ذلك الدين، بل هو أيضًا هجوم على مبادئ التعددية والتفاهم المتبادل التي تشكّل حجر الزاوية لمجتمع عالمي متناغم.. حرية التعبير حق أساسي يؤمن به الجميع، لكن لا ينبغي السماح بأن تكون هذه الحرية بمثابة مسوّغ لنشر الكراهية والتحريض على العنف. يجب أن يدعم الأفراد والمجتمعات والحكومات على حد سواء التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية واحترام الأديان والمعتقدات، واستخدام حرية المرء في حرق المصحف الشريف أو أي كتاب مقدس آخر وازدراء معتقدات الآخرين ليس ممارسة للحرية بل إساءة لها. وعلى المجتمع الدولي أن يقف متحدًا لمحاسبة المسؤولين عن خطاب الكراهية إن كان هذا المجتمع جادًا في المبادئ التي يتحدث عنها. يجب اتخاذ تدابير قانونية ضد أولئك الذين يلجأون إلى خطاب الكراهية، وتعزيز ثقافة يتم فيها التعبير عن الأفكار بطريقة مسؤولة ومع احترام معتقدات الآخرين. هذه ليست دعوة للرقابة ولكنها دعوة للتواصل المسؤول الذي يعزز الوحدة والتفاهم بدلًا من الانقسام والعداء.

وإذا كان التعليم يقوم بدور محوري في حياتنا وفي بناء عقولنا وتشكيل مسارات مستقبلنا، فإن عليه، وعلى القائمين عليه في مختلف دول العالم، تعزيز قيم التسامح واحترام جميع الثقافات.. أما استمرار حرق الكتب المقدسة وازدراء الأديان وتكريس خطاب الكراهية فإنه سيقود العالم إلى مواجهات صعبة يعلو فيها شأن الإرهاب والتطرف والعنف، ولا يوجد عاقل يريد للعالم أن يدخل في هذا المسار الذي لا يبشّر إلا بالهلاك والدمار. والعالم الذي يتطلع إلى السلام والوئام لا يريد الدخول إلى هذا النفق المظلم؛ ولذلك علينا جميعًا أن نقف ضد أي خطاب كراهية مهما بدا بسيطًا أو اعتقدنا أنه مظهر من مظاهر الحرية الشخصية.