إن عجزنا عن إقناع العالم بقيمتنا ومن ثمّ الحكم علينا بالنظر إلى الناجحين بمرارة وإلى أنفسنا بخزي -بحسب آلان دو بُوتون في كتابه «قلق السعي إلى المكانة»، ت: محمد عبدالنبي- لا يمكن تداركه إلا بأنظمة تتوخى الجدية، فمكانة الفرد في المجتمع لا ينبغي أن تتحدد لأسباب تتعلق بدمائه النبيلة التي يحملها ولا بالظروف التي نشأ فيها، وإنّما بحسب الأعمال التي يمكن أن يُنجزها ليصبح مرئيا لا متواريا.

وربما لهذا السبب انبثقت منظومة قياس الأداء الفردي والإجادة المؤسسية والتي تعد أحد الممكنات الرئيسة لرؤية عُمان 2040، ففي السابق كنا نشكو من لا عدالة أن يكافأ الجميع، فيتساوى المجتهد والمتخاذل، الدؤوب المنتظم والخامل المتواكل، ولذا من حيث المبدأ، فلا جدال حول أهمية المنظومة في تحفيز العمل وبث روح الابتكار وشحذ الهمم.

إلا أننا وبعد مضي عامين تقريبا على تفعيلها، علينا أن نعترف بعجزها عن استقراء الخصائص الفردية لطبيعة كل مهنة، الأمر الذي يجعل الجميع في سلة واحدة، فكيف نقيس الوظائف التي يحتمل نسيجها الابتكار والتجويد جوار الوظائف التي يفتقد نسيجها العام لذلك؟

ماذا أيضا عن «الإنجاز» الذي ينبغي أن يحققه الموظف، والذي يشترط أن يكون فارقا وإضافة على واجباته الوظيفية؟ كيف يصبح الأمر عادلا وثمّة وظائف تقوم في أساسها على تنفيذ الأوامر بحذافيرها دون زيادة أو نقصان؟

فخُرافة أن يكون أحدنا «فوق التوقع» وهو ينفذُ صميم أعماله اليومية، جعلتنا أمام لغز كبير، فهل ينبغي على أحدنا أن يُحدث معجزة أو يتلاعب بالمفردات وهو يصنعُ خبز أهدافه ويقيمها بنفسه في وقت لاحق؟!

وكما يبدو فالمنظومة حتى اللحظة غير قادرة على توضيح أسباب حصول البعض على تقدير «ضعيف» أو «جيد» أو «امتياز»، الأمر الذي يُعزز تقييمنا السلبي لذواتنا!

وليس الحل في إلغاء المنظومة أو التوقف عن ربطها بالترقيات والعلاوات -كما هو مخطط- وإنّما في معالجة أوجه قصورها إلى أن تترسخ في الوعي العام.

القضية الأخرى التي تشترك مع منظومة «إجادة» في أنّ ظاهرها خير وباطنها مشوب بتشويش مُستتر، هي قضية «الإحلال الوظيفي»، والتي وإن كنا نتوسم أن تحل قضية الباحثين عن عمل أو المسرحين من أعمالهم، إلا أنّه لا يمكن لهذه العملية أن تتم خبط عشواء، فثمّة وظائف ينبغي أن يعد لها العُماني بشكل جيد وأن يدرب على رأس عمله، ريثما يقبضُ مفاتيح مهنته الجديدة.

بالتأكيد لا نريد لقصّة «التعمين» التي جعلت العُمانيين يشغلون السلالم الدنيا من الوظائف أن تندحق أوجاعها مجددا، ولذا فتمكين العُمانيين أمرٌ ينبغي أن يُقرن دوما بالتعليم الجيد والتمرين، لكي لا تنهار بعض الوظائف بحجة ترك «الأجنبي» لها!

من جهة أخرى، تتناقض فكرة رفع الإنتاجية والرغبة في تطوير بيئة العمل مع فكرة الإلزام بأنظمة البصمة وتحديد ساعات العمل بصورة تخلو من المرونة أحيانا، وكأنّنا في «زرائب» بشرية، بينما يمكن للمؤسسات أن تحتكم في محاسبة موظفيها على معيار ما يُنجز الفرد، لا على كم ساعة نجحنا في حبسه في حدود مكتبه!

ولذا ليس علينا أن نتعجب عندما نرى الكثير من الموظفين يهجرون وظائفهم ويقدمون استقالاتهم وهم في عنفوان العطاء، بعد أن تكون الحكومة قد صرفت عليهم وعلى تعليمهم دماء قلبها! فما الأسباب التي تجعل بيئة العمل طاردة؟ وكيف يُمكننا خلق بيئات عمل جاذبة؟

لا توجد حالة مثالية بالتأكيد، لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بحاجة هذه المنظومات التي تحكم العمل إلى ضبط وتعديل، ريثما تغدو أكثر واقعية وأكثر ملاءمة لشرائح متنوعة من القطاعات.

يقول وليم جيمس في كتابه مبادئ السيكولوجيا: «لا يمكن ابتكار عقاب أشد شيطانية من أن ينطلقُ المرءُ ساعيا في المجتمع من دون أن يُلاحظه أحد، فسرعان ما يتصاعد داخلنا نوع من الحنق واليأس العاجز»!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى