*ما الشمس؟ من أي شيء تتكون؟ أي تاريخ يجمعنا؟ أي علاقة تربطنا؟*

في شهر يونيو الملتهب، وتحديدا في أحد مقاهي مسقط المحميّة بأجهزة التبريد المركزية، أجلس أمام كوب قهوتي الساخنة الذي يشبه ثقبا أسود تمتص جاذبيته شتات أفكاري وتركزها شيئا فشيئا على سبب وجودي هنا، كانت الواجهة الزجاجية تجود باذخة بكل ما يدور خلفها، فخلفها يقف مشهد نشط جدا، والمركبات المتحركة بقوة الوقود الحجري تصنع علاقة مبهجة مع المباني وإشارات المرور الثابتة.

رغم القهوة وجدتني أستسلم لبعض الأخيلة العابثة، فبدت المركبات أشبه بخراتيت بريّة اندلقت قسريا في مسارات ثابتة، وكأن أسيجة خفيّة أحاطت بها فمنعتها من الانزلاق في أحراش السافانا الملتهبة بحثا عن المياه، كانت نظارتي الشمسية تساعدني على تحمل أشعة الشمس الحادة والغوص أكثر في المشهد، أعرف أنني أبحث عن فكرة أكتب عنها، فقد وعدت رئيس التحرير بمقال علمي، ولم أبدأ به بعد.

فكرت في طاقة الحركة الضائعة بفعل مكابح السيارات وهي تخفض سرعتها أمام إشارات المرور، وفي بقايا الكائنات البحرية التي تتفجر في أحشاء المركبات دافعة إياها إلى اجتياح الطرقات، تذكرت محاضرات الديناميكا الحرارية والمسائل التي تدور حول البطاطا، موقنا لو أن هذه الكتب الجامعية ألفها عماني لأتى بأمثلة أكثر إبداعا من هذه الثمرة النشوية، تخيلت أحد هذه المركبات وهي تحمل كيس بطاطا، وأنه بافتراض أن الكيس معرض لأشعة الشمس الحارقة مباشرة، فكم يلزم من الوقت لتصبح جاهزة للأكل! لا بد أن هذه الإجازة هي ما يجعل مزاجي مستسلما لأخيلته الكرتونية رغم هذا الصهيد الخارجي.

انتبهت إلى أن المشهد برمته يدور حول الحر والحرارة؛ الحديث الافتتاحي لأي محادثة عمانية في هذا الفصل الطويل من العام، ومشاعر التبرم والاستياء اتجاه هذه الكرة المشعة التي تعجز نظارتي الشمسية عن الاقتراب منها (لماذا سميت نظارة شمسية إذن!)، الشمس التي لا يبدو أن أحدا في هذه المنطقة الجغرافية يبادلها الإعجاب والاهتمام، لماذا إذن لا تكون الشمس موضوع الحديث، فهناك علاقات أخرى عجيبة ومعقدة تربطنا بها بعيدا عن الحر الذي يختبر بضراوة آليات الاستتباب الحراري في أجسامنا.

ما الشمس؟ من أي شيء تتكون؟ أي تاريخ يجمعنا؟ أي علاقة تربطنا؟ وكيف تتدخل في حركات جسدك وسكناته حتى عندما تكون في الجانب الآخر من الكرة الأرضية؟ وما الذي يربطها بعصبونات دماغك النشطة التي تقرأ هذا المقال الآن؟

لكن لنتفق في البدء - وحتى لا تتوجس من الاستعارات البلاغية التي أسوقها هنا - أن هذا ليس مقالا علميا أكاديميا (scientific writing) من النوع الذي يستخدم لغة حذرة عارية من الرطانة البلاغية وينبني على حسابات أو بيانات ميدانية محددة وينتهي إلى خلاصة غير مستقرة تنتظر مراجعات الأقران وتأكيداتهم، فهذه المقالات ليس هذا مكانها، إن هذا المقال علمي (science writing) بمعنى أنه يتكئ على مصادر موثوقة عن العلم، ويهدف إلى إيصال مفاهيم علمية مستقرة إلى الفضاء العمومي بلغة عادية، وبأرقام وقياسات تقريبية تلامس خبراتنا اليومية، إنه مساحة نتشارك فيها حب العلم الطبيعي، وأقدم ما الذي يقوله العلم عن علاقتنا بالشمس، ويصلح أن يكون مسلمات يومية نتبادلها بيننا بديلا عن تلك الحقائق الدارجة التي لا تستند إلى آخر تحديث للمعارف البشرية.

المسرح: هندسة الأبعاد

لنعد الآن إلى المكان الذي أتمترس فيه محتميا من الصهيد، ولنبني المسرح الخارجي بطريقة مختلفة، سنحذف المباني والمركبات والمقهى، سنحذف كل شيء عدا ثلاثة: الشمس والأرض والفضاء، سنبقي أيضا على سيارتي ذات الدفع الرباعي في الجوار، إذ قد نحتاجها للقيام برحلة قصيرة.

ومع بقاء هذه القطع الثلاثة فقط ستختفي الضوضاء البصرية لنتمكن من الاختلاء بالشمس قليلا ورؤية الأبعاد بيننا، تشير المراجع العلمية إلى أن الشمس تبعد عنا حوالي ١٥٠ مليون كيلومتر، لكن ما الذي تعنيه هذه المسافة؟ حتى يبدو الأمر مرتبطا بشيء ملموس سأدعوك لمرافقتي في السيارة باتجاه الشمس، سألتزم كعادتي بالسرعة المحددة للطريق السريع -١٢٠ كم في الساعة- طلبا للسلامة وتحسبا لأي رادارات يمكن أن تزرعها الكائنات الفضائية في طريقنا.

وحتى نقارن الأبعاد بين الأرض والشمس ستكون نقطة الانطلاق من مركز الأرض إلى سطحها، إنها مسافة قصيرة جدا، إذ لن نحتاج لأكثر من يومين لقطعها، ثم بعد أربعة أشهر من مغادرة السطح بهذه السرعة الثابتة سنتمكن من مشاهدة سطح القمر عن كثب، لكن قضاء أربعة أشهر ويومين من مركز الأرض إلى القمر لا يعتبر شيئا مهما أمام ١٤٣ سنة تلزمنا للوصول إلى الشمس، هذا إن لم يقتلنا الملل من الجلوس في صندوق مغلق يتحرك بسرعة ثابتة طوال هذه المدة، وبوصولنا إلى سطح الشمس يمكننا الانغماس في هذه الكرة الغازية مستفيدين من كثافتها المنخفضة، وسيكلفنا الوصول إلى المركز حوالي ٨ أشهر.

إن المسافة هائلة بين الأرض والشمس كما أن الأرض صغيرة جدا أمامها، صغيرة لدرجة أنك تحتاج إلى مليون و٣٠٠ ألف أرض لتملأ الحجم الذي تشغله الشمس من الفراغ، ولو قلصنا الكون بحيث يصبح قطر الشمس بطول سيارتنا لصارت الأرض بطول كرة جولف. وبالنسبة لمراقب ينظر إلينا من خارج النظام الشمسي، ستبدو الكواكب مثل الغبار أو الحصى الملتف حول هذا النجم الأصفر الذي يدور حول نفسه بسرعة مهولة، فما يعرف بالنظام الشمسي هو في الحقيقة هذه الشمس التي تمثل ٩٩.٨ ٪ من كتلة النظام بأكمله فيما تمثل نسبة ٠.٢٪ كل ما يدور حول الشمس من كواكب وكويكبات وأقمار ونيازك ومذنبات.

القصة: التاريخ المشترك

قبل زمن سحيق جدا، كنا نحن والشمس عبارة عن غيمة ضخمة من الغازات والغبار الكوني، تتكون في معظمها من الهيدروجين والهيليوم لكن بها أيضا عناصر أكثر تعقيدا أنتجتها مصاهر النجوم النووية، كنا باختصار غيمة خلفتها انفجارات نجمية قديمة.

ويصادف أن انفجارا نجميا قريبا حدث قبل حوالي أربعة مليارات سنة ونصف عمل على تحفيز هذه الغيمة لتبدأ بالتفلطح مشكلة قرصا يدور حول نفسه، فتتهاوى عناصره باتجاه المركز مدفوعة بقوة جاذبيته الذاتية، وبازدياد ثقل المركز يزداد تسطح القرص ويرتفع الضغط أكثر فأكثر للحد الذي تبدأ فيه ذرات الهيدروجين بالانحشار في بعضها البعض فتنصهر وتتحول إلى ذرات هيليوم مطلقة كميات هائلة من الحرارة ومعلنة ولادة الشمس.

وفي الأثناء كانت بعض الجزيئات المحظوظة تصطدم بجزئيات أخرى فتلتصق سويا، وبازدياد الاصطدامات يكبر حجمها فتتحول إلى حصيات صغيرة، والحصيّة التي تصمد تصبح بذرة كوكب تكدّس المواد التي تجدها في طريقها حتى أصبحت كوكبا دوّارا ذا شروق وغروب، وبهذه الطريقة نشأت الأرض، أرضنا نحن.

وإذن فقد كنا والشمس كيانا واحدا، كنا الذرات نفسها، غير أنّا أكبر حظا، فذراتنا تلاحمت عبر الأزمنة بطريقة مختلفة لتصنع هذه الأجساد الحالمة المفكرة المفعمة بالدهشات، وكان هذا الانفصال بداية العلاقة العميقة بيننا والشمس.

العلاقة: مخبوزات شمسية

تميل الأشياء في الأرض للسكون ما لم يحركها محرك، فالسيارة تكون ثابتة حتى أضغط على مداس الوقود، والكرة حتى أركلها بقدمي، والقائمة تطول ولا حاجة بنا لتعديد المألوف المعروف، فلا شيء حولنا إلا ويحتاج جهدا أو طاقة لتحريكه.

بالنسبة للسيارة والكرة، من الواضح أن الحركة تبدأ من قدمي، أما السيارة فمهمتي تتلخص في إطلاق إشارة إلى النظام الميكانيكي في المركبة، ولذلك فالجهد المطلوب أقل مقارنة بركلة الكرة التي أسددها نحو المرمى الفارغ من أي حارس يمكن أن يقتل متعتي في تسديد الهدف، لنتأمل المثالين ونفكر كيف تحدث الحركة فيزيائيا؟ ما الذي يجعل شيئا ينطلق من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)؟

أما الكرة فإن الأمر يحدث بسبب الاصطدام المفاجئ لقدمي بالكرة الساكنة التي لا تلبث أن تنطلق مسعورة باتجاه المرمى، فيما تتوقف قدمي عن الحركة وتصبح ساكنة، لقد تخلت عن طاقتها الحركية ومنحتها للكرة، الكرة التي بدورها نقلت هذه الطاقة إلى شباك المرمى فترنحت مهتزة، وإذن فقد أرسلت طاقتي الشخصية مع الكرة لتهز الشباك، لكن من أين أتيت أنا بالطاقة، الإجابة بسيطة: من وجبة الغداء الدسمة التي تناولتها هذه الظهيرة، فالغذاء يمنح أجسامنا الطاقة لتحريك الأشياء، لكن كيف يفعل الغذاء ذلك؟ أو لنقل كيف يتحول الغذاء الذي نأكله إلى طاقة حركة؟

إن وجبة الغداء التي منحتني الطاقة لركل الكرة تعتبر تمثيلا أمينا لقانون فيزيائي شهير يعرف باسم قانون حفظ الطاقة، بحسب هذا القانون فإن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، وإنما تتحول من شكل إلى آخر، وتنتمي الحركة للشكل الميكانيكي من الطاقة، فكل ما يتحرك حولك يحوي طاقة ميكانيكية، وقد انتقلت الطاقة الميكانيكية من قدمي إلى الكرة إلى الشباك ثم إلى الهواء على هيئة صوت أو حرارة، ويوجد في العالم أشكال مختلفة من الطاقة مثل الطاقة الكهربائية والكيميائية والإشعاعية والحرارية والميكانيكية، وعندما تفرك كفيك الجافتين بسرعة تتحول الطاقة الميكانيكية إلى حرارية، أما عندما تسخن الماء لدرجة الغليان فإن جزيئاته تكتسب طاقة ميكانيكية فتغادر الوعاء، وباستخدام هذا المبدأ البسيط صنع الإنسان القطارات البخارية التي تنقل أطنان البضائع، وقس على ذلك بقية أشكال الطاقة.

من الواضح إذن أن الغداء يختزن طاقة كيميائية معينة وتعمل أجسادنا بطريقة ما على تحويلها إلى طاقة ميكانيكية، لكن من أين يأتي الغذاء بطاقته الكيميائية؟ وكيف تتحول الطاقة الكيميائية إلى ميكانيكية أصلا؟

يمكننا أن نفهم ذلك من خلال مثال السيارة، فالسيارات -وعلى نحو يدهشني شخصيا- تشبهنا، فهي تتغذى على حيوانات ونباتات تم طهوها في باطن الأرض لملايين السنين، منتجة طبخة شهيرة تعرف باسم النفط الذي نستخدمه لتحريك الآلات وتوليد الكهرباء، إن هذا يعني أننا والسيارات نتغذى على مصدر حيوي مع فارق في مدة الطهو، بالنسبة لنا ساعة أو اثنتين، أما بالنسبة للسيارة فقد يكون طحلبا بحريا محمّصا لدهور طويلة جدا.

كيف تحوّل السيارة الطاقة الكيميائية إلى طاقة ميكانيكية إذن؟ تعمل الحواقن على نفث الوقود مختلطا بالهواء إلى غرف الاحتراق في محرك المركبة، وبفعل شرارة صغيرة يحدث انفجار مكتوم يؤدي إلى توليد طاقة حرارية تدفع المكابس بقوة إلى الخارج، فتقوم هذه المكابس بتحريك سلسلة متصلة من القطع الميكانيكية وصولا إلى إطارات المركبة التي تحتك بالأرض فتدفع السيارة للأمام، وإذن تنجح المركبات من خلال حرق الوقود في تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة حرارية، وتنجح من خلال تصميم المحرك الخاص في تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية.

لكن الوقود سائل عادي لا يتسم بالحرارة، يمكنك حتى أن تبرده في الثلاجة، أو تجمده في المختبر، هناك شيء ما كامن في الوقود، وحش حبيس ينتظر شرارة تثير غضبه فيحطم الأغلال ويفتح أبواب الجحيم حرفيّا، ما هو يا ترى؟

نحتاج إلى الغوص أعمق داخل الوقود، وتفقد تركيبته الداخلية، إن وقود السيارة يتكون بشكل أساسي من مركّبات كيميائية تعرف بالهيدروكربونات، وكما يوحي الاسم فهذه المركبات تتكون من هيدروجين وكربون، وبينهما طاقة حبيسة يؤدي الاحتراق إلى تحريرها، مولّدة حرارة كافية لتدوير محرك السيارة، فيما يخرج الهيدروجين والكربون منفصلين عن بعضهما عبر أنبوبة العادم.

بالمثل تحوّل أجسادنا الطاقة الكيميائية إلى طاقة حركية، لكن بطريقة مختلفة كليّا، حيث تعمل أجسادنا وفق آليات معقدة على تحرير الطاقة المحتجزة بين الجزيئات في الكربوهيدرات والبروتين والسكر والدهون، واستخدامها في صناعة وقود خاص لخلايا الجسم، وتستخدمه الخلايا في القيام بأنشطتها المعتادة بما في ذلك العضلات التي تحرك القدم لركل الكرة. والسؤال الأساسي بعد هذه المقدمة الطويلة، إذا كان مليارات البشر والحيوانات والحشرات تتحرك وتحرك الأشياء من حولها عبر تحويل الطاقة الكيميائية الموجودة في الأغذية إلى طاقة ميكانيكية، وإذا كانت الطاقة لا تظهر من العدم، فلماذا لم نستهلك جميع الطاقة الموجودة في الأرض؟ من أين تأتي هذه الطاقة الكيميائية المتجددة؟ ومن يحتجزها لنا بين الجزيئات؟

الإجابة هي أن هناك مصانع طاقة حيوية مبثوثة على سطح الأرض، مصانع خضراء وصديقة للبيئة، إنها الأشجار والنباتات الخضراء، الكائن الحي الوحيد الذي يصنع غذاءه بنفسه، أما من أين تأتي الأشجار بالطاقة؟ فالإجابة التي نعرفها جميعا هي: من الشمس.

إن الورقة الخضراء عبارة عن لوح شمسي مصغّر يحوّل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية، إذ تلتقط الورقة فوتونات الضوء الساقطة عليها وتعمل من خلال عمليات طويلة ومعقدة على تحويل الطاقة الإشعاعية إلى طاقة كيميائية، إنها بلغة أبسط تستخدم الضوء في خلط الماء بثاني أكسيد الكربون لتنتهي إلى صناعة سكر الجلوكوز الذي يحبس طاقة الشمس بين جزيئاته في شكل كيميائي.

وبحبس طاقة الشمس في الأشجار تبدأ سلسلة جديدة من تداول الطاقة واستهلاكها، إذ تقوم العاشبات من الحيوانات والحشرات بالتهام النباتات للحصول على طاقة الشمس، واستخدامها في عمليات البناء والصيانة والحركة، وتلتهم اللاحماتُ العاشباتِ فتحصل على حاجتها من طاقة الشمس، وتلتهم الفطريات والبكتيريا بقايا النباتات والحيوانات مستفيدة من طاقة الشمس المخزونة في الأجسام الميتة، ويتسرب بعض هذه الجيف إلى أعماق الأرض فتصهره السنين ليصبح نفطا نقود به المركبات. لكن إذا كانت الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم فمن أين تأتي الشمس بطاقتها؟ إن الشمس مفاعل نووي ضخم جدا، فهي تصهر ٦٠٠ مليون طن من الهيدروجين في كل ثانية في ظاهرة طبيعية تعرف بالانصهار النووي، وفيه تصطدم ذرات الهيدروجين ببعضها البعض بعنف فتنصهر متحولة إلى هيليوم، وخلال ذلك يتحول جزء ضئيل جدا من كتلة الشمس إلى طاقة، وإذن تأتي طاقة الشمس من مادتها.

وبالعودة إلى كرة القدم التي هزت الشباك يمكننا القول إن قطعة من جسد الشمس تحولت إلى طاقة، وقطعت هذه الطاقة مسافة ١٥٠ مليون كيلومتر لتصطدم بورقة عشب في المروج الخضراء لسهل إيتين، فحبستها هذه الورقة بين الجزيئات، ثم التهم عجل سمين هذه الورقة فاندست الطاقة بين أرتال شحمه ولحمه، ثم استقرت في طبق اللحم بالأرز في غدائي السالف الذكر، لتتسلل هذه الطاقة إلى قدمي ثم إلى الكرة ثم إلى شباك المرمى. وهكذا فقد أخفقت الشمس في ضمنا إلى جسدها إبان تشكلها الأول، وقاومت ذراتنا الجاذبية الهائلة فصنعت كواكب دوّارة، وعندما استقر الأمر بدأت الشمس في إرسال قطع من جسدها إلينا، قطع لا تؤثر فعليا على كتلتها الهائلة، ولا تقلص عمرها التقديري الذي بقي منه خمسة مليارات سنة، لكنها -وبكل ما تمنحنا إياه الاستعارات البلاغية من قوة- تغذي حركاتنا وسكناتنا، وننهمك نحن في تداول هذه القطع، عارضين إياها في الواجهات البراقة للمطاعم، والإعلانات المسيلة للعاب، عابرين بها أرجاء الأرض معلبة ومحفوظة في حاويات البضائع. وأخيرا يمكننا بكل ثقة أن نختم هذا المقال مستحضرين فكرة تأثير الفراشة الشهيرة بالقول: إن الطاقة التي حبستها شجرة تفاح في فرنسا يمكن أن تحرك كرة قدم في مسقط.

م.عبدالله المعمري كاتب عماني