نحتاج في حياتنا إلى الكثير من التفاؤل حتى نستطيع السير بأمان نحو المستقبل. والأصل أن يكون التفاؤل هو الشعور الأكثر حضورًا في حياتنا، لكن ما يحصل الآن أن الشعور بالتشاؤم هو الأكثر حضورًا، إلى درجة تشعرك بأن أغلب الناس وصلوا إلى مرحلة اليأس.. واليأس لا يمكن أن يستقيم مع الحياة، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة كما تقول العرب.

يشبه التفاؤل منارة الأمل التي تضيء الطريق إلى الأمام، حتى عندما تخلق تحديات الحياة الحتمية ضبابًا من عدم اليقين يبدو أنه لا يمكن اختراقه، التفاؤل ليس مجرد تصرفات تبعث على الشعور بالرضا. إنها قوة تغير الحياة وتؤثر في رفاهنا العاطفي، وصحتنا العقلية، ونهجنا العام في الحياة. وفي ظل هيمنة بعض الخطابات المتشائمة بشكل متزايد، غالبًا ما يتم التقليل من القيمة الجوهرية للتفاؤل والتغلب عليها.

التفاؤل، في أنقى صوره، هو توجه معرفي وعاطفي يعزز التفسير الإيجابي وتوقع الأحداث المستقبلية، إنه بمثابة العمود الفقري للمرونة. من الناحية النفسية، يميل المتفائلون إلى التعامل مع التوتر بفاعلية، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صحة عقلية جيدة. حيث أكدت العديد من الدراسات الفوائد الصحية للتفاؤل، مما يشير إلى انخفاض مستويات الكورتيزول «هرمون التوتر» وتحسين المناعة، مما يؤدي غالبًا إلى إطالة العمر.

لا أحد يجادل في أهمية التفاؤل رغم ذلك فإن المجتمعات العالمية تغمرها اليوم الخطابات المتشائمة، والتي يغذيها في المقام الأول وابل مستمر من الأخبار المحزنة، وغرف صدى وسائل التواصل الاجتماعي، ووجهات نظر فلسفية معينة تعزز وجهات النظر العدمية. غالبًا ما تزرع هذه الخطابات الشعور بالعجز والخوف والإحباط. وبمرور الوقت، يمكن أن يقوّض هذا بشدة قدرة المرء على الحفاظ على نظرة إيجابية، ما يقلل من القوة الكامنة في التفاؤل.

وقد ربطت أنماط التفكير المتشائم بمستويات أعلى من التوتر والقلق والاكتئاب. وإذا ما توقعنا الأسوأ فيمكن أن نتصور المواقف التي تهددنا وتهدد مجتمعاتنا، وتفتح سؤال: ماذا علينا أن نفعل تجاه كل هذا الكم من التشاؤم والإحباط الذي يعيشه الناس في كل مكان؟

يمكن أن تؤدي الخطابات المتشائمة أيضًا إلى تآكل النسيج الاجتماعي، مما يعزز عدم الثقة والسخرية في العلاقات بين الأشخاص وينشر ثقافة الخوف وعدم اليقين، مما يعوق تماسك المجتمع والعمل التعاوني؛ لذا، فإن المجتمع الذي تهيمن عليه الأخبار المتشائمة من المرجح أن يواجه معوقات كبيرة للتقدم والرفاهية الجماعية.

إن الاعتراف بخطر الخطابات المتشائمة لا يعني أننا يجب أن نقمع حقائق مصاعب الحياة أو آلام العالم. بدلًا من ذلك، إنها دعوة لوجهات نظر متوازنة، حيث نعترف بواقع عالمنا مع الحفاظ على الأمل والتفاؤل بالمستقبل، ومن الضروري الانخراط في أشكال مختلفة من وسائل التواصل بعناية، وإدراك ما تحمله من تحيز وتضليل وتزوير، والبحث بوعي عن المصادر التي تسلّط الضوء أيضًا على الخير في العالم. إن تنمية التفاؤل مسؤولية شخصية أيضًا، إذ يمكن أن تساعد الأنشطة مثل التأكيد الإيجابي والتأمل الذهني في تنميته.

يوفر لنا التفاؤل درعًا وأداة لا تقدر بثمن للتنقل في تعقيدات وتحديات الحياة، على الرغم من المد المتصاعد للخطابات المتشائمة، من الضروري أن نتذكر مرونة الروح البشرية التي يغذيها الأمل والمثابرة والإيجابية، ويجب أن نعمل بنشاط لتعزيز التفاؤل داخل أنفسنا ومجتمعاتنا، وتنمية عقلية تتبنى الاحتمالات، وتشجع التقدم، وتعتز بالإمكانات الفطرية للإنسانية.