إن كان المسلسل الكوميدي المصري «اللعبة» طوال أجزائه الأربعة، لم يفعل شيئا سوى أنّه جعلنا بصفتنا عائلة نجلس معا في غرفة المعيشة، ممتلئين بالبهجة والضحك فذلك يكفي، أمام انحسار المسلسلات الكوميدية التي تصمد دون أن تغرق في «إفيهات» التنمر أو الإيحاءات المبتذلة أو تمرر «نكاتها» القائمة على الإسفاف والتهريج، إذ لا أذكر أننا منذ سنوات جمعتنا فرحة مشابهة، إذا ما استثنينا مسلسل «الكبير أوي» في أجزائه الأولى تحديدا.
تقوم فكرة العمل على التنافس بين صديقين هما: «وسيم» و«مازو» منذ مقاعد المدرسة وحتى عقب أن يتزوجا وينجبا. لكن وبشكل مُبهم تتدخل «اللعبة» كطرف ثالث بينهما، لتصبح مُحركا دراميا أساسيا ومحرضا لتنامي التحديات، فيتغذى الحس التنافسي بينهما بصورة لا تفتر. ولا نكتشف هوية «اللعبة» الغامضة إلا في الحلقة الأخيرة من كل جزء.
يشكل كل من «وسيم» و«مازو» فريقا يلعب معه ضد الآخر، من العائلة أو من بيئة العمل، فتعمل هذه العلاقات على تشبيك وتنامي السيناريو وتعقد الأحداث ورفع سقف الكوميديا.
تبدو الشخصيات أشبه ما تكون بشخصيات كرتونية، «وسيم» ببدلاته الملونة وسمنته ومشاعره المُفرطة تجاه زوجته، و«مازو» الذي يبدو على نقيضه تماما متجاوزا لكل أخلاقيات اللعب في سبيل الفوز، وبقية أعضاء الفريقين: الزوجتان واللص والبواب وصاحب الحنجرة النشاز والجدّة وزوجها، حيث يتمتع الجميع بقدر من السذاجة والطمع والتناقضات.
يتبدى لنا بساطة الفكرة وعبثيتها -إن صح القول- فلا منطق تحتكم إليه القصّة، فالأمر أشبه بالكاريكاتير القائم على حس المبالغة، إذ يحصل الفائزون على «الملايين» لكن حياتهم لا تتغير قيد أنملة، نجدهم يعودون في اليوم التالي لأعمالهم الطبيعية، فهم لا يغتنون ولا يتحولون إلى أثرياء، على الرغم من أنهم يقتسمون المال أمامنا. وكأن المال هو المال المزيف الذي نحصل عليه من لعبة «المونوبولي»! كما أن الفوز لا يأتي في غالب الأحيان نتيجة حتمية لتفوق ما، وإنما لصدف قدرية وخذلان بائن من بقية أعضاء الفريق الآخر! لم يتوقع كُثر أن يحظى المسلسل بالنجاح الكبير الذي حققه، ناهيك عن امتداد هذا النجاح لأربعة أجزاء متتالية، هذا لو أخذنا بالاعتبار أيضا أن أبطال العمل: «شيكو» و«هشام ماجد» من الأسماء الجديدة نسبيا أمام الأسماء المُكرسة في الكوميديا المصرية، وليس وحدهما من صنع ذلك، فهما لم يخطفا الضوء من أيدي الآخرين. لقد ظهرت كل شخصية من الشخصيات بخصالها وطباعها و«إفيهاتها»، تلك التي تخلق صراعاتها مع الشخصيات الرئيسية.
كل هذا لم يكن ليمنع وقوع بعض الحلقات في الرتابة التي أثارت الملل في بعض الأحيان، كما لم يمنع وجود أفكار مستعارة ومستهلكة، إلا أن النص سرعان ما كان ينهض ويتقوى، لاسيما أن التأليف تم بواسطة ورشة كتابة تحت إشراف فادي أبو السعود، وقصة وسيناريو وحوار محمد صلاح خطاب، ومن جهة أخرى كان دخول ضيوف الشرف على بعض الحلقات وسيلة لكسر تقوقع النص على نفسه.
المفارقة أنه بالرغم من عرضه خارج موسم رمضان، وعبر منصة إلكترونية تتطلب اشتراكا ماديا، فإنه تصدر «جوجل ترندز»، وقد صرح مخرج العمل عندما سئل عن أسباب النجاح قائلا: «عمل كوميدي مبهج يخرج الناس من حالة البؤس، ويخفف عنهم ثقل الأحداث اليومية».
لا يصمد لهاث اللعب أمام حواجز الواقع، ولذا فالشخصيات تخترق الواقع بصورة «كاريكاتورية» مفرطة لجعل المشاهد متحمسا، وكأنه إزاء مباراة يشهد كل تمريراتها، الفرق أننا هنا لا ننتظر فائزا، فلا نشعر بالغضب لأن أحدهما خسر أو فاز، فحتى شخصية «مازو» المتحايلة للوصول إلى أهدافها، نشعر أننا نحبه ونتعاطف معه ونأمل له الفوز كما هو الحال مع «وسيم» تماما.
لا يمكننا أن نغفل أيضا أن مشاركة الأطفال والمراهقين والشباب وكبار السن ضمن أحداث المسلسل، جعل شريحة المشاهدة تتمدد لتجمع العائلة، وهو أمر بات عسيرا في زمن الملهيات الخاطفة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
تقوم فكرة العمل على التنافس بين صديقين هما: «وسيم» و«مازو» منذ مقاعد المدرسة وحتى عقب أن يتزوجا وينجبا. لكن وبشكل مُبهم تتدخل «اللعبة» كطرف ثالث بينهما، لتصبح مُحركا دراميا أساسيا ومحرضا لتنامي التحديات، فيتغذى الحس التنافسي بينهما بصورة لا تفتر. ولا نكتشف هوية «اللعبة» الغامضة إلا في الحلقة الأخيرة من كل جزء.
يشكل كل من «وسيم» و«مازو» فريقا يلعب معه ضد الآخر، من العائلة أو من بيئة العمل، فتعمل هذه العلاقات على تشبيك وتنامي السيناريو وتعقد الأحداث ورفع سقف الكوميديا.
تبدو الشخصيات أشبه ما تكون بشخصيات كرتونية، «وسيم» ببدلاته الملونة وسمنته ومشاعره المُفرطة تجاه زوجته، و«مازو» الذي يبدو على نقيضه تماما متجاوزا لكل أخلاقيات اللعب في سبيل الفوز، وبقية أعضاء الفريقين: الزوجتان واللص والبواب وصاحب الحنجرة النشاز والجدّة وزوجها، حيث يتمتع الجميع بقدر من السذاجة والطمع والتناقضات.
يتبدى لنا بساطة الفكرة وعبثيتها -إن صح القول- فلا منطق تحتكم إليه القصّة، فالأمر أشبه بالكاريكاتير القائم على حس المبالغة، إذ يحصل الفائزون على «الملايين» لكن حياتهم لا تتغير قيد أنملة، نجدهم يعودون في اليوم التالي لأعمالهم الطبيعية، فهم لا يغتنون ولا يتحولون إلى أثرياء، على الرغم من أنهم يقتسمون المال أمامنا. وكأن المال هو المال المزيف الذي نحصل عليه من لعبة «المونوبولي»! كما أن الفوز لا يأتي في غالب الأحيان نتيجة حتمية لتفوق ما، وإنما لصدف قدرية وخذلان بائن من بقية أعضاء الفريق الآخر! لم يتوقع كُثر أن يحظى المسلسل بالنجاح الكبير الذي حققه، ناهيك عن امتداد هذا النجاح لأربعة أجزاء متتالية، هذا لو أخذنا بالاعتبار أيضا أن أبطال العمل: «شيكو» و«هشام ماجد» من الأسماء الجديدة نسبيا أمام الأسماء المُكرسة في الكوميديا المصرية، وليس وحدهما من صنع ذلك، فهما لم يخطفا الضوء من أيدي الآخرين. لقد ظهرت كل شخصية من الشخصيات بخصالها وطباعها و«إفيهاتها»، تلك التي تخلق صراعاتها مع الشخصيات الرئيسية.
كل هذا لم يكن ليمنع وقوع بعض الحلقات في الرتابة التي أثارت الملل في بعض الأحيان، كما لم يمنع وجود أفكار مستعارة ومستهلكة، إلا أن النص سرعان ما كان ينهض ويتقوى، لاسيما أن التأليف تم بواسطة ورشة كتابة تحت إشراف فادي أبو السعود، وقصة وسيناريو وحوار محمد صلاح خطاب، ومن جهة أخرى كان دخول ضيوف الشرف على بعض الحلقات وسيلة لكسر تقوقع النص على نفسه.
المفارقة أنه بالرغم من عرضه خارج موسم رمضان، وعبر منصة إلكترونية تتطلب اشتراكا ماديا، فإنه تصدر «جوجل ترندز»، وقد صرح مخرج العمل عندما سئل عن أسباب النجاح قائلا: «عمل كوميدي مبهج يخرج الناس من حالة البؤس، ويخفف عنهم ثقل الأحداث اليومية».
لا يصمد لهاث اللعب أمام حواجز الواقع، ولذا فالشخصيات تخترق الواقع بصورة «كاريكاتورية» مفرطة لجعل المشاهد متحمسا، وكأنه إزاء مباراة يشهد كل تمريراتها، الفرق أننا هنا لا ننتظر فائزا، فلا نشعر بالغضب لأن أحدهما خسر أو فاز، فحتى شخصية «مازو» المتحايلة للوصول إلى أهدافها، نشعر أننا نحبه ونتعاطف معه ونأمل له الفوز كما هو الحال مع «وسيم» تماما.
لا يمكننا أن نغفل أيضا أن مشاركة الأطفال والمراهقين والشباب وكبار السن ضمن أحداث المسلسل، جعل شريحة المشاهدة تتمدد لتجمع العائلة، وهو أمر بات عسيرا في زمن الملهيات الخاطفة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى