من المؤسف حقا أن تدعو الكثير من دول العالم في المؤتمرات الكبرى ومن على منصات المنظمات الدولية لتجريم الإرهاب والكراهية والتطرف وأعمال العنف وتدعو لمحاربته، لكنها في الوقت نفسه تسهم بوعي واضح في نسج خيوط ما تدعو لتجريمه وتكريسه بين الأفراد الذين يعيشون على أرضها وبين دول العالم والجماعات البشرية لأسباب تعود إلى ميراثها من العنصرية والظلم والحقد الحضاري والديني المتراكم عبر التاريخ.

إن صناعة خيوط الإرهاب والعنف لم تكن في يوم من الأيام مصيرا لا مفر منه، أو أنها صناعة متجذرة في طبيعتنا الإنسانية التي خلقها الله لا نستطيع الفكاك منها، بل هي نتيجة ثانوية للظلم وغياب العدالة، وازدراء الأديان، وتجاهل مقدسات الإنسان والأحقاد الحضارية التي لا تخفى على أحد. إن الأمر برمته، أيضا، يبدو أنه انعكاس، مخيف، للمجتمعات التي تخلت عن المبادئ الأساسية للاحترام والمساواة على الأساس الإنساني، وسمحت لأوهام القوة بالتغلب على قدسية الحياة التي نصت عليها كل الشرائع السماوية والقوانين البشرية.

إن التجارب التي مرت بهذا العالم الذي نعيشه تؤكد كل يوم أن الظلم بأشكاله المتعددة كان وقودا فعّالا لصناعة الإرهاب، وعندما يتعرض الأفراد أو المجتمعات للظلم والتمييز والعنصرية يصبحون عرضة للإيديولوجيات التي تدعو إلى العنف وتكرسه بصفته وسيلة للانتقام أو سبيلا للبقاء على قيد الحياة عندما تعز الحياة بالطرق الطبيعية.

كما أن غياب الاحترام المتبادل بين الأديان والعبث بالمقدسات الإنسانية أحد أهم أسباب توليد العنف وصناعته. وهذا العبث الذي تحميه، مع الأسف الشديد، بعض الدول وتعدّه ممارسة للحرية يولّد دائرة من الأحقاد التي تنتشر عبر الأجيال وتعمل على تفكيك كل المشتركات البشرية التي نسجت عبر التاريخ الطويل لوجود الإنسان على هذه الأرض.

ويحضر في هذا السياق الحادثان المؤلمان اللذان شهدهما العالم خلال الأسبوع الماضي، ونتجت عنهما ردود فعل عنيفة تجاوزت حدود التصورات الأولى عند الإقدام عليهما، حيث تمثل الأول في حرق نسخة من القرآن الكريم في السويد بحماية من أجهزة الأمن، والثاني في قتل مراهق جزائري من رجل أمن فرنسي، وهما نموذجان لحوادث كثيرة مشابهة، لا يمكن وصفها بالعابرة، لأنها تكرس الكراهية والعنف ضد الآخر وتزيد من التباعد بين الثقافات والحضارات الإنسانية، رغم الحديث في هذه الدول خصوصا عن المواطنة العالمية.

الحادثان مثالان واضحان على الكيفية التي يصنع بها التطرف والعنف وتدق الأسافين بين المجموعات البشرية المتعددة التي تعيش في الغالب بمكان واحد.

لا يكمن جوهر المشكلة في تصرفات الأفراد أو الجماعات، بل في التوجهات التي تسمح بتنمية مثل هذا العداء الذي لا يلبث أن يتجاوز الحدود ليصبح عداء حضاريا وعداء ثقافيا.

عندما تتغاضى القوانين والسياسات عن هذه الأفعال أو تؤيدها صراحة، أو حتى بطرق غير مباشرة، فإنها تصبح متواطئة في إدامة الكراهية والانقسام بل في وضع بذور قابلة للنمو لصناعة الإرهاب، وهذا له آثار عميقة على النطاق العالمي، ويهدد بزعزعة استقرار المجتمعات وبث الفتنة بين الحضارات الإنسانية.

إن العالم الذي انكوى كثيرا بنيران الإرهاب والعنف في أمَسّ الحاجة اليوم للقضاء على كل مظاهر الكراهية والعنصرية إن كان يبحث عن السلام وعن الاستقرار، وهذا يبدأ بدعم السلام والمحبة والتآلف والعدالة والمساواة والالتزام بقدسية الأديان واحترام المعتقدات الدينية. على أن التسامح وحده لا يكفي، فالعالم بحاجة ليتعلم ويقدر ثراء اختلافاتنا والقيم المشتركة التي توحدنا.

كذلك على هذا العالم أن يقدر قدسية النفس الإنسانية بغض النظر عن لونها وعرقها ودينها، فكل إنسان يحمل في ذاته قيمة متأصلة يجب احترامها وحمايتها، واحترام حياة الإنسان هو أساس أي مجتمع مسالم.

إن الدول، وفي مقدمتها تلك التي توصف بأنها دول متقدمة، تحتاج لعمل دؤوب من أجل تفكيك البنى المتأصلة في ثقافتها والتي تسهم في تولد الكراهية والعنف وهذا يتطلب تحولا جوهريا في المواقف والقوانين والسياسات والتزامًا بدعم كرامة الإنسان بأي ثمن ودعم العدالة ونبذ الظلم.