في عالمنا اليوم، لا أحد يتحدث إلا عن الأزمات، ومن الواضح جدا أنها ليست مجرد أزمات اقتصادية وصحية وبيئية فقط.. بل، أيضا وهذا هو الأخطر أزمة أخلاق، وهي التي يفضل البعض تجاوزها، أو السكوت عنها، تؤثر تأثيرا عميقا في كل جوانب حياتنا. ويبدو أن الرخاء المادي الذي تعيشه الكثير من بقاع العالم أنساها القيم الإنسانية التي لا يمكن أن تستقيم الحياة دونها مهما اعتقد البعض أن العصر الحديث تجاوز فكرة الروحانيات والقيم والأخلاق.

يشهد العالم وفق الكثير من الدلائل أن القيم الأخلاقية والفطرة الإنسانية تتآكل فيه لصالح العنف والفساد والخداع وجشع الشركات وإساءة استخدام السلطة والتنمر عبر الإنترنت وخطاب الكراهية الذي ينتشر بين الناس انتشارا واسعا، وهي جميعها تهدم القيم الإنسانية الحقة.

ولكن لماذا يحدث هذا؟ لقد قادنا التقدم التكنولوجي، والعولمة، والأيديولوجيات الجديدة والسعي الحثيث وراء الماديات على حساب القيم الإنسانية إلى هذا المسار الخطر.. إننا نمعن في التقدم على حساب إنسانيتنا ومثلنا وقيمنا الإسلامية، أو حتى قيم الديانات الأخرى التي تتوافق مع قيم الحق والعدل والمساواة.

في ديننا الحنيف لا يمكن فصل الأخلاق عن حقيقة الإيمان، وجاء في الأثر «لا دين لمن لا أخلاق له»، وفي الحقيقة فإن كل الديانات السماوية أعلت من شأن الأخلاق ومن شأن القيم الإنسانية وهي مشترك إنساني بين جميع البشر.

ولا يعني ذلك أن حل الأزمة الأخلاقية والقيمية التي تعيشها البشرية يكمن في تجاهل التقدم العلمي والتكنولوجي أو التراخي في النمو الاقتصادي، بل في مواءمتهما مع أخلاق الإنسان وقيمه.

إن رعاية القيم والاهتمام بها في أي بلد من البلدان هو دور أصيل من أدوار البناء الحضاري، وهو دور أساسي للحكومات في العالم كما هو دور للأفراد والأسر والمؤسسات التعليمية والدينية، ولكل مؤسسة أو فرد دوره الذي يكمل دور الآخر.

لذلك لا بدّ أن ننظر في سلطنة عمان - كما في جميع دول العالم- إلى إمكانية عودة تدريس الفلسفة الأخلاقية جنبا إلى جنب مع تدريس المناهج التقنية والعلمية، لكن في المقابل لا بد أن يتبنى العالم أجمع فكرة تكريس القيم الأخلاقية: قيم التسامح والبر والتعاطف وقيم الفطرة الإنسانية التي تتعالى فوق انزياحات الشذوذ.

ويمكن لأي شخص في هذا العالم أن يمارس دوره الحقيقي في نشر القيم والخلاق، أولا بممارستها وتطبيقها منهجا في حياته، وثانيا بالحديث عنها، فإننا في أمس الحاجة لإحياء القيم بالحديث عنها بعد أن تكون جزءا من شخصياتنا وهذا من شأنه أن يحولها إلى ثقافة جمعية مع الوقت.

لكن ما سبق لا يقلل من النهضة الأخلاقية التي وصلنا إليها، وكرسها فينا الآباء والأجداد ولكن هذه القيم كما أشرنا سابقا تتآكل في العالم أجمع أمام سطوة التحولات التي تحدث في العالم. والخوف على هذه القيم وهذه الأخلاق يجعل الصوت يعلو كثيرا لحمايتها من التآكل ومن الاندثار.