كان لي شرف التعرف على سلطنة عمان عن قرب حينما التحقت بالعمل في جامعتها «جامعة السلطان قابوس» منذ عام 1986م ومنذ اللحظة الأولى التي وصلت فيها إلى هذا البلد العربي العريق لم تنقطع صلتي بعُمان، حيث أشعر بمحبة كل أطياف المجتمع العُماني، وقد بادلوني المشاعر والمحبة ذاتها فهو شعب معتز بعروبته، الابتسامة الهادئة التي تميز هذا الشعب الكريم، لم أشعر للحظة واحدة أنني خارج بلدي، الناس جميعا يتحلقون حول مُفجرِ نهضتهم جلالة السلطان قابوس (1970 - 2020م) عليه رحمة الله.

المدهش في هذه التجربة هو الشعور الجمعي لهذا الشعب العربي بالانتماء لبلده من خلال إقبالهم على العمل في محاولة جسورة للحاق بركب الحضارة المعاصرة، وقد أتيح لي أن أتعرف عن قرب على تجربة عُمان في التنمية والتخطيط الدقيق بداية من التعليم، وبرامج العُمران في الطرق والمباني، والاقتصاد، في ظل قواعد تشريعية وفنية دقيقة جعلت من هذا البلد أُنمُوذجًا للتنمية التي كان قوامها الإنسان العُماني، وكان السلطان المرحوم ملهمًا لشعبه، فقد التف الناس من حوله بطريقة مدهشة حينما راح يجوب كل أنحاء سلطنة عمان متابعًا برامج التنمية في كافة المجالات (الصحة - التعليم - الاقتصاد - العمران)، وفي سنوات لم تتجاوز نصف قرن تبوأت عُمان مكانة عظيمة جعلتها موضع تقدير واحترام كل دول العالم.

منذ أن تولى السلطان المرحوم مقاليد الحكم وعلاقته بمصر كانت تتميز بطبيعة خاصة حيث إنه كان موضع تقدير واحترام من الرئيسَين السادات ومبارك. واليوم يزور جلالة السلطان هيثم بن طارق مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد الحكم (في الحادي عشر من يناير عام 2020م) خلفًا للسلطان قابوس، واللافت للنظر تلك الطريقة السلسة التي انتقل بها الحكم والتي كانت موضع تقدير واحترام من كل بلاد العالم، خصوصًا وأن العمانيين قد أجمعوا على شخص السلطان الجديد فقد عرفوه وزيرًا للتراث والثقافة، وكان قريبًا من جلالة السلطان قابوس، مشاركًا في معظم البرامج التي كانت تشهدها عُمان، كما كان قريبًا من الشعب، مؤمنًا بانفتاح عُمان على العالم، صاحب رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل نموذجًا للحكم الرشيد، وكان لي شرف التعرف عليه عن قرب حينما كنت وزيرا للثقافة في مصر، فقد التقيت بجلالته في عدة اجتماعات لوزراء الثقافة العرب، ووزراء ثقافة الدول الإسلامية، ولم أفاجأ باختياره خلفًا للسلطان الراحل فقد لفت نظري بهدوئه وتواضعه وأفكاره المنفتحة على كل ثقافات العالم وإيمانه بقضية التعليم باعتبارها الركيزة الأساسية للتنمية.

من المؤكد أن زيارة جلالته لمصر ستحظى بدعم شعبي كبير في البلدين (مصر وعُمان) فضلا عن استكمال ما بدأه السلطان الراحل من استمرار العلاقة بين البلدين في كل مناحي الحياة خصوصًا أن السلطان الراحل كان عارفًا قدر مصر مؤمنًا بدورها الإقليمي والعالمي، لا سيما في مجال الثقافة لدرجة أن جلالته كان على معرفة وافية بما يُنشر في مصر من كتب فكرية وثقافية، قال في أحد لقاءاته التي تشرفت بحضورها: «إن مكتبتي الخاصة تزخر بعيون التراث العربي والمصري التي أصدرتها المطابع المصرية».

أعتقد أن زيارة جلالة السلطان هيثم إلى القاهرة تكتسب أهميتها ليس فقط فيما تحمله من معانٍ سياسية وتعاون مشترك وإنما تكتسب أهميتها أيضًا من العلاقات التاريخية والحضارية التي تمتد جذورها إلى تاريخ ضارب في القدم، فقد عرف المصريون القدماء عُمان منذ فجر التاريخ حينما راحت السفن العُمانية والمصرية تمخر عباب البحار والمحيطات حاملة اللبان والصمغ العُماني في رحلات لم تتوقف، كما حملت السفن المصرية القمح، وهي علاقات لم تتوقف وصولا إلى القرن التاسع عشر حينما توطدت العلاقات بين محمد علي حاكم مصر والسيد سعيد بن سلطان، مرورا بعصر الخديوي إسماعيل الذي توطدت علاقته بالسيد برغش بن سعيد حاكم زنجبار وتعاونهما في منطقة القرن الإفريقي لدرجة أنهما أبرما اتفاقا مشتركًا بين البلدين للتنسيق في ظل موجة من الاضطرابات التي شهدتها منطقة القرن الإفريقي ومحاولات سيطرة الدول الأوروبية على المنطقة إلا أن هذه الاتفاقية لم يُكتب لها النجاح بسبب اعتراض الدول الأوروبية وسعيها نحو إفشال هذا التعاون المشترك.

تمثل زيارة السلطان هيثم إلى القاهرة حلقة متواصلة من التعاون المشترك فضلا عما يكنه المصريون من محبة غامرة للشعب العُماني وقيادته، فقد كان المعلمون المصريون منذ فجر النهضة العُمانية (1970م) بمثابة سفراء في بلد كان يعتز بدورهم وقد أشاع هؤلاء عقب عودتهم إلى مصر سمعة كريمة عن هذا البلد وشعبه الذي احترمهم وقدر دورهم، وهو ما يفسر محبة المصريين للعمانيين، وهي مشاعر يعبر عنها المصريون في كل مدنهم وقراهم، وهو ما أكسب العلاقات بين البلدين طابعا شعبيا خاصا.

المتابع لمسيرة التنمية في سلطنة عُمان خلال السنوات الأخيرة منذ أن تولى جلالة السلطان هيثم مقاليد الحكم يلاحظ بشكل واضح المزيد من برامج التنمية على كل المستويات، فضلا عن الحفاظ على المكتسبات التي تحققت منذ عصر النهضة العمانية، ورغم النجاحات التي أنجزها العمانيون في البر والبحر، وفي السماوات المفتوحة إلا أن جلالة السلطان هيثم يدير هذا البلد بثقة وهدوء وفق خطط وبرامج يحصد ثمارها العمانيون يوما بعد يوم.

جلالة السلطان هيثم بقدر ما رحّبت سلطنة عُمان بفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في زيارته للسلطنة بتاريخ (27-6-2022م)، فإن المصريين بكل مستوياتهم يرحّبون بجلالتكم ضيفا كريما على بلد يحبكم ويحترم سياستكم التي حظيت باحترام كل دول العالم.