ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتعامل فيها المجتمع الدولي مع ما يحدث في فلسطين بازدواجية في المعايير، فقدسية الحياة التي تُنتهك في فلسطين لا تعادل تلك التي تُنتهك في أوكرانيا، والعيون ليست هي العيون، والعرق ليس هو العرق.. لكن فلسطين وأهلها هم من يفضح كل هذه المعايير الدولية في كل مرة، وهم من يُعرّون مبادئ النظام الدولي الذي يعيشه العالم.. وهم من سينتصرون في النهاية لأنهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم وكرامتهم، أما النظام العالمي فمصيره مصير الاحتلال إلى زوال طال الأمر أم قصر.

كان يمكن للمجتمع الدولي الذي يتهاوى نظامه الآن أن يثبت للعالم أنه صالح للبقاء فهو يدافع عن القيم الإنسانية وعن المبادئ السامية ويفزع لانتهاكها في أي مكان، ويدافع عن الشرعية، وعن حق الإنسان في أن يكون آمنا على أرضه، لكنّ كل ذلك لن يحصل أبدا؛ لأن القوى الكبرى: الولايات المتحدة والدول الأوروبية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعم الكيان المحتل وترعاه وتكرس طغيانه وتطرفه الدائم، وتغمض عيونها عن الأطفال الذين يقتلون بدم بارد وعن النساء والشيوخ وعن البيوت/الأوطان الصغيرة التي تهدم فوق رؤوس أصحابها وتضع الضحية والجلاد/المحتل في كفة واحدة عندما تضطر إلى توجيه نداءات خجولة «لضبط النفس» أو «عدم الاستخدام المفرط للقوة» وهي مصطلحات غريبة ولا معنى لها أبدا.

إن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ـ والتي تلقى الآن نقدا حتى من بعض المثقفين والمفكرين الغربيين الداعمين لإسرائيل ـ ستحتاج إلى وقت طويل حتى تستطيع أن تفهم أنها لن تنجح في وقف المقاومة مهما استخدمت من تقنيات واستراتيجيات سياسية في تفكيك وتشتيت الترابط بين قوى المقاومة والجهاد الفلسطينية لأن توقف المقاومة بكل أشكالها بالجوانب الثقافية والفكرية والبنائية من شأنه أن ينهي فكرة «فلسطين» وفلسطين فكرة لا يمكن أن تموت أبدا، لا تموت عند أهلها ولا تموت عند العرب والمسلمين ولأسباب كثيرة ليس أولها الإيمان بالقضية وليس آخرها الوعي بحقيقة زراعة إسرائيل في خاصرة الوطن العربي.

ووفق ذلك لا يمكن أن تصل أجيال فلسطين إلى مرحلة اليأس من جدوى المقاومة والصمود، لكنّ الأمر يمكن أن يكون عكسيا، فكلما استمر القتال سجالا بين صاحب الأرض والمحتل يفقد الصهاينة الذين جاؤوا لفلسطين بحثا عن الفردوس وعن حياة الغنى والاستقرار فإذا هي حمم تتطاير عليهم من كل مكان. ومع ظهور أجيال جديدة بين الإسرائيليين لا ترتبط دينيا وأيديولوجيا بفكرة الدولة اليهودية المزعومة وتبحث عن حياة مستقرة بعيدا عن ظلمة الملاجئ ستبدأ هجرة صهيونية عكسية لخارج «فلسطين المحتلة» ويتسبب الاحتلال بتفكيك نفسه تحت قوة الصمود الفلسطيني وبسالة المقاومة التي تدعمها كل الشرائع السماوية أو المؤسسات الدولية وبنفس القدر الذي أعطي للشعب الأوكراني الذي يدافع عن بلده.