انشغل الناس في عُمان مؤخرا بالحديث عن النظام الجديد للزواج من الخارج، بدا الأمر بالنسبة للبعض بشرى سارة وتناوله بعض آخر كمُهدد لقيم العائلة والتقاليد والروح الوطنية. ولعلنا نجزم بأنّها ردة فعل طبيعية، فقد خُنق هذا الحق وقُنن في اشتراطات صعبة لفترة ليست بالقصيرة - ربما كان الأمر ملائما في ظرف تاريخي ما - لكنه بالتأكيد لم يعد كذلك. ينبغي أن يُعطى الإنسان إرادته التامة في اختيار شريك الحياة دون أن يقع تحت ضغط خسارة بعض امتيازاته كمواطن! وبالتالي على الفرد العاقل أن يتحمل تبعات قرار من هذا النوع دون نزوع متهور أو تفلت من مسؤوليات.

من المزعج حقا أن تشعر بعض النساء بالتهديد على الرغم من تساويهن مع الرجال في هذا الحق أمام القانون والتشريعات، لكن وكما يبدو فمصدر القلق ينبع من قدرة الرجل على أن يُعدد المثنى والثلاث والرباع من جهة وأيضا لأنّ المجتمع العُماني سيأخذ وقتا، وقتا أطول ريثما يجعل من هذه التشريعات واقعا في حياة المرأة على وجه الخصوص!

علينا أن نعترف أولا أنّ الزواج لا يزال يكابد مشقة في الداخل العُماني قبل الخارج أمام فسحة التعددية الإثنية والعرقية المتاحة، فرغم انفتاح القوانين بشأنها إلا أنّ الصوت المجتمعي يُمثل قوة ضاغطة لا يمكن نكرانها أو دحضها بسهولة، ولذا فالأمر سيتطلب جرأة مجتمعية لخوض مغامرة من هذا النوع، لكسر ما تآلفنا عليه دهرا.

تستوقفنا أيضا تلك النبرة الشرسة من الشباب الذين يعانون من الآباء المُغالين في طلب مهور بناتهم بأرقام خيالية، بدا لي حديث البعض عن الزواج كأنهم يتحدثون عن سيارة، بين اقتنائها من وكالة بيع محلية غالية السعر، وبين توريدها بسعر رخيص من الخارج، لكن بضمانات أقل!

لقد رجح البعض أنّ هذا التشريع سيؤثر في مسألة تقنين المهور، وهذا ما نأمله حقا، لكن العبء الذي يقع على الشاب اليوم ليس المهر وحسب، ينبغي أن تتغير العقلية التي تنظر للحياة عموما، إذ يُعاني الكثير من الشباب من الدخل المنخفض، الأمر الذي يُصعب عليهم فتح بيت وتحمل مسؤولية زوجة وأبناء، لا سيما لو كانت المرأة لا تعمل. ثمة عوائل لا تسمح لبناتها بالارتباط بأولئك الذين يعملون في القطاع الخاص أو الذين يعملون أعمالا حرة لانتفاء الضمانات!

وليس لنا أن نلومهم أو نعذرهم، إلا أنّ هذه الانفراجة الصغيرة قد تنبئ عن فرص غير منظور لها من قبل. ماذا أيضا عن الأمراض الوراثية المتفشية في المجتمع والتي تعود لأهم سبب لدينا وهو زواج الأقارب؟

لا توجد وصفة لزواج ناجح، رأينا علاقات يُقدر لها الاستمرار رغم منغصات العيش وأخرى تذهب طي النسيان رغم توهج عصافير الحبّ، ولذا فالأكثر أهمية الآن أن نُشغل أنفسنا بالحديث حول: كيف يمكننا تشكيل نواة أسرة ناجحة؟

من المؤكد أنّ موجات التغيير قادمة، أزواج وزوجات من تكوين مختلف سيأتون بأفكار لتمتزج بأفكارنا، سيمهدون الطريق لمجيء جيل مُغاير، وليس علينا أن نقلق من هذا التدافع، فصمامات الأمان في المجتمعات ليس في انعزالها الحاد عن الآخر وإنّما في اندماجها الذي يحترم حرية اختيار الفرد دون التسبب في أذى الجماعة.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى