قبل شهر تقريبا سأل رئيس تحرير جريدة عُمان برنامج الذكاء الاصطناعي «ChatGPT» عن الحياد الذي يتبناه الذكاء الاصطناعي وما إذا كان مبنيا على المهنية الأخلاقية، فكان الرد «يعتمد الحياد والموضوعية على جودة المعرفة والبيانات المستخدمة في عملية التدريب. ولذلك يجب على المستخدمين توخي الحذر عند استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل الإجابات والمعلومات المقدمة بناءً على مصادر أخرى وتقديرهم الخاص للموضوعية والحياد». وهذا أكثر ما يخيف العلماء من الذكاء الاصطناعي حيث تكون تطبيقاته رهينة بيد من يقوم بتدريبها وبناء خوارزمياتها، ولذلك يتحدث البعض عن أن خطر الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من خطر السلاح النووي، حيث إن الأسلحة النووية تمتلكها دول قليلة جدا ومعروفة وهي إلى حد كبير «ملتزمة»، حتى الآن، بالقواعد الأخلاقية والقوانين الدولية باستخدام تلك الأسلحة، بينما ستكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي بيد الأفراد العاديين، الخيرين منهم والأشرار، المعتدلين والمتطرفين، دعاة السلام والإرهابيين، الساكنين في الأبراج العالمية والمتوارين في أبعد كهوف العالم. ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن تتحول مجاميع «الهكر» الحالية في العالم إلى «هكر» باستخدام الذكاء الاصطناعي ولكن على مستوى أكثر خطرا مما هو ممكن الآن!

إن ثورة تطبيقات الذكاء الاصطناعي تغير العالم من حولنا كما لم يتغير من قبل، وبالقدر الذي يمكن أن تفيد هذا الثورة التكنولوجية البشرية في مختلف المجالات وخاصة مجال الطب والتعليم والصناعة والمواصلات بالقدر الذي تهدد البشرية بالفناء كما حذر عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ قبل سنوات عندما قال «إن تطوير نظام ذكاء اصطناعي بالكامل قد يؤدي إلى فناء الجنس البشري لأن الآلات التي يحركها الذكاء الاصطناعي ستكون متفوقة على البشر وقادرة على زيادة فارق القدرة والذكاء والتطور مع الوقت، ولن تحتاج إلى وجود الإنسان على سطح الأرض». ومع استمرار تطور هذه التقنية وبشكل سريع جدا لا بدّ للعالم من التركيز على حوكمة هذه التقنية وبناء منظومة قوانين وقواعد أخلاقية لاستخدامها ومعالجة العواقب المحتملة لوقوع تقنيات الذكاء الاصطناعي في الأيدي الخطأ وهذا حادث لا محالة.

لا معنى الآن لأي صوت ينادي بوقف هذا «الذكاء» الذي وصلت له الآلة أو تعطيله لأنه سيكون صوتا ضد اللحظة التاريخية الآنية، وضد الكثير من مصالح البشرية حيث يمكن لخوارزميات التعلم الآلي الآن تشخيص الأمراض بدقة لا تصدق، وكذلك الخوارزميات المستخدمة في مجال المنتجات الصناعية الصناعة وفحصها وفي تطوير الزراعة وفي تطوير أنظمة المواصلات وبناء الطرق الآمنة.

ومع بروز كل هذه التحديات التي أنتجها هذا التقدم إلى حد الخوف من لحظة فناء البشرية نتيجة استقلال الذكاء الاصطناعية وتحكمه في مصير هذا الكوكب أصبح لزاما العمل على إعادة تقييم الأطر القانونية التي تحكم الخصوصية وملكية البيانات لمعالجة الخصائص الفريدة للذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، قد لا تأخذ قوانين الملكية الفكرية الحالية في الحسبان بشكل كاف المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، كما تظل المسؤولية عن الحوادث التي تقع من مركبات ذاتية القيادة سؤالاً بلا حل.

ولضمان أن يعود الذكاء الاصطناعي بالفائدة على البشرية جمعاء، يجب على الحكومات وقادة الصناعة والباحثين في هذا المجال العمل معا لإنشاء إطار حوكمة قوي ومحكم، ويشمل ذلك وضع مبادئ توجيهية وأخلاقية لمنع الممارسات التمييزية، وضمان الشفافية في اتخاذ القرار بشأن الذكاء الاصطناعي، وتوفير سبل لمساهمة الجمهور في ذلك.. يجب أن تعطى حوكمة الذكاء الاصطناعي الأولوية أيضا لتطوير السياسات التي تعالج مشكلة الاستغناء عن الوظائف وتوفر فرصا لإعادة تشكيل المهارات للمتضررين.

ومع التنافس الكبير الذي يشهده العالم الآن في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا بدّ من التفكير بشكل جدي في خطر استخدام هذه التكنولوجيا من قبل المنظمات الإرهابية سواء كان إرهاب أفراد أو منظمات أو حتى دول، حيث يمكن لهذه التطبيقات أن تكون أخطر من السلاح النووي. وللتخفيف من هذا الخطر المحدق بالبشرية لا بديل من التعاون الدولي لوضع قواعد ومعايير عالمية لأي تطوير أو استخدام لهذه التكنولوجيا، ويمكن أن يشمل ذلك إنشاء منظمة عالمية مكرسة لحوكمة الذكاء الاصطناعي أو العمل من خلال المؤسسات القائمة مثل الأمم المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاوز مجتمع البحث الذي يلعب دورا مهما في تشكيل مسار الذكاء الاصطناعي من خلال تبني ثقافة بحثية مسؤولة والتأكيد على الشفافية، والتأكيد على أهمية مراعاة المصالح البشرية العليا خلال عمليات تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

لكن كل هذا محكوم الآن بالجانب القيمي والأخلاقي ولا يبدو واضحا، حتى الآن على الأقل، كيف يمكن ضبط كل هذه التحولات الخطيرة التي تحدث في العالم، حيث لم يعد أمر بناء هذه الخوارزميات حكرا على المؤسسات الكبرى الخاضعة للقوانين الدولية وإنما خرج الأمر عن السيطرة إلى العامة، ومرشح أن يخرج عن سيطرة الإنسان نفسه لتتولى هذه الخوارزميات الرياضية الاستقلال بنفسها عن سيطرة البشر.