في الوقت الذي يصارع فيه العالم دوامة الأزمات الدولية التي تولد من بعضها البعض، لا يمكن إلا التفكير في أهمية الدبلوماسية والحوار لتجاوز أصعب الأزمات وأعقدها. وفي المشهد الجيوسياسي المعقد للشرق الأوسط، كانت سلطنة عمان، وما زالت، منارة يشع منها وميض الأمل في مسار خلق حلول منطقية من شأنها أن تجنب المنطقة حروبا طاحنة لا طاقة لأحد بها.

وهذه الرؤية العمانية التي لفتت أنظار العالم هي خبرة تراكمية عبر عشرات القرون بلورتها عُمان صاحبة التاريخ العريق وأحد أقدم الكيانات السياسية الممتدة في العالم إنْ لم تكن أقدمها على الإطلاق.

وقد تجلت الخبرة العمانية في الجهود التي قدمتها في سبيل توجيه عودة إيران إلى المجتمع الدولي وتجنب أي حرب - كارثية بالضرورة- بين إيران والمجتمع الدولي.

ولا يخفى على أحد أن إيران تعرضت لعقوبات اقتصادية خانقة منذ سنوات، ولم تؤد هذه العقوبات إلى إعاقة نمو البلاد فحسب، بل عززت عن غير قصد الشعور بالاستياء وعدم الثقة تجاه المجتمع الدولي، وخاصة الغرب. لقد حان الوقت لأن يدرك العالم أن المشاركة البناءة، وليس التدابير العقابية، هي المفتاح لتحقيق حل دائم لعدد لا يحصى من القضايا التي ابتليت بها المنطقة.

كانت خطة العمل الشاملة المشتركة الموقعة في عام 2015، بمثابة شهادة على قوة الدبلوماسية، حيث أدت سلطنة عُمان دورا محوريا في مفاوضاتها، فعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاقية في عام 2018 ، لا يمكن التقليل من أهمية هذا الإنجاز. واليوم، نجد أنفسنا على مفترق طرق، حيث تتقدم سلطنة عُمان مرة أخرى لتسهيل الحوار والتفاهم بين إيران والمجتمع الدولي للوصول إلى اتفاق جديد يتجاوز التحديات التي تعوقه منذ العام الماضي.

لقد عرف العالم سلطنة عمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- أنها دولة تناصر السلام والاستقرار في المنطقة وتبذل كل جهدها من أجل منع أي مواجهة عسكرية إيمانا منها أن الحرب دمار شامل تأثيره يتعدى محيطه إلى العالم أجمع. وتستفيد سلطنة عمان من حيادها الإيجابي وبراعتها الدبلوماسية في دعم وتعزيز الحوار البناء بين الفرقاء في إقليمها وفي عموم العالم العربي.. والعلاقة التاريخية بين عُمان وإيران، التي تمتد لقرون من التبادل التجاري والثقافي والحضاري، تجعلها في وضع فريد لتسهيل إعادة اندماج إيران في المجتمع الدولي.

لا شك أن رفع العقوبات عن إيران سيكون له تأثير إيجابي كبير في إيران وكذلك على منطقة الشرق الأوسط والعالم لأن إيران حضارة كبرى في دولة ولديها الكثير مما يمكن أن تسهم به في مجالات التقدم الإنساني. ومن خلال السماح للاقتصاد الإيراني بالازدهار، لن يخفف المجتمع الدولي من معاناة ملايين الإيرانيين فحسب، بل سيخلق أيضا الظروف لتعزيز الاستقرار والتعاون في منطقة الشرق الأوسط. إن فرصة إيران لإعادة الاندماج في التجارة والاستثمار والتبادل الثقافي من شأنها أن تقلل من الشعور بالعزلة التي ابتليت بها إيران منذ فترة طويلة، مما يعزز مناخا أكثر تعاونا في المنطقة.

والحكمة ألا يضيع المجتمع الدولي الفرصة التي توفرها الجهود الدبلوماسية لسلطنة عمان من أجل تقارب وتفاهم جديد مع إيران. ويمكن للعالم أن ينظر إلى حياة السلام والاستقرار التي تعيشها سلطنة عمان في الداخل والخارج باعتباره مثالا ساطعا يثبت أن الحياد والحوار والاحترام المتبادل يمكن أن يمهد الطريق لحلول دائمة.

إن التحديات التي تنتظر أي جهد من أجل السلام كبيرة جدا ولأسباب مختلفة، والطريق إلى المصالحة الكاملة سيكون محفوفا بالعقبات. ومع ذلك، فقد أظهر التاريخ أنه عندما يجتمع المجتمع الدولي حول فكرة ومبدأ التعاون والتفاهم، يمكن حل أكثر النزاعات استعصاء. وعلى العالم أن يستلهم التجربة الدبلوماسية العمانية الثابتة في طريق السعي لأن تصبح إيران مرة أخرى شريكا رئيسيا في المجتمع الدولي، ووضع عُمان دائما بوصلة لذلك الطريق الطويل.