للبحر حكايات، يرويها البحّارة الذين خاضوا عبابه، وركبوا على متن سفنه، وأوغلوا في ظلماته ومجاهيله، ثم عادوا بقصص تشبه حكايات السندباد البحري، ورغم كلّ الصعاب التي كانوا يواجهونها إلّا أنّهم يعودون إليه ثانية، مدفوعين بلذة الاكتشاف، ليصنعوا تاريخا مكتوبا على صفحات المياه، وفي مقدمة كتابه (ربّان من عُمان) يقول القبطان صالح بن سعيد الجابري: «علمتني تجارب الأيام والسنين أن الرجال الأشداء أصحاب العزائم هم الذين يصنعون التاريخ» وهذا ما وجدناه في صفحات الكتاب الصادر عن النادي الثقافي المطبوع في مطابع وزارة الإعلام بمسقط، تتخللها صور ملونة من رحلات القبطان صالح، الذي كان يحرص أشدّ الحرص على تدوين يوميات رحلاته باليوم والساعة والدقيقة، ذاكرا جميع التفاصيل مهما كانت صغيرة وبسيطة، لكنها مهمة لتوثيق تلك الرحلات، واعتاد أن يبدأ في تدوين يومياته بذكر اليوم والتاريخ، ثم يكتب عنوانا، وبعدها يسرد ما جرى خلال ذلك اليوم، بشكل سردي، ذاكرا الوقت، وسرعة الرياح، وهذه التفاصيل الدقيقة والأرقام تدلّ على أن الربّان، خطّط لكتابه منذ انطلاق كلّ رحلة من رحلاته، وكأنه يسجّل يومياته للتاريخ، ففي ص 143 يدوّن التاريخ (الأحد 28 /2/ 2010م) يكتب بعنوان بارز وهو (التدريب على إنقاذ الغريق)، بعد ذلك يبدأ في سرد تفاصيل ذلك اليوم، فيكتب «صحوتُ من نومي في الساعة الثالثة فجرا، شعرت بسعادة تغمر روحي، ونشاط في جسدي، إنه صباح جميل مفعم بالحيوية والأمل مليء بالمحبة والمودة، عند الساعة السابعة وخمس وخمسين دقيقة تسلّمت المجموعة العمل وكانت سرعة الرياح من تسع إلى إحدى عشرة عقدة بحرية وسرعة السفينة من ثلاث إلى ثلاث ونصف عقدة، الأمواج تضرب السفينة من الخلف، بدأت الرياح بالانخفاض وكانت سرعتها بحدود 22 عقدة بحرية، تناولنا طعام الإفطار في الساعة العاشرة صباحا..الخ» وعلى امتداد 285 صفحة فتح القبطان صالح ذاكرته مستدعيا مواقف صعبة مرّت به وهو يخوض عباب البحار في رحلات طويلة في أوروبا وبحر الشمال ومناطق أخرى، لكنّ الحدث الأثير إلى نفسه، الذي احتلّ ثلثي مساحة الكتاب هو قيادته لسفينة (جوهرة مسقط) التي انطلقت من مسقط إلى سنغافورة على متن سفينة خشبية بنيت على غرار السفن القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي، فلا مسمار فيها ولا محرك، وقد انطلقت، كما يقول، بهدف التذكير بأمجاد البحارة العمانيين ونشر رسائل المحبة والسلام بين شعوب العالم، وحين طلب منه قيادتها وكان قد عاهد والدته بعدم السفر في رحلات طويلة، لكنه استدعى قول طرفة بن العبد:
إذا القوم قالوا: من فتى ؟ خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
واستشار والده، فشجعه على السفر، وسرعان ما باركت له والدته الرحلة التي انطلقت يوم 16 /2 /2010م وصعد على متن (جوهرة مسقط) مع فريق معه، مستصحبا نسخة من القرآن الكريم متبعا عادة لدى النواخذة العمانيين عند انطلاقهم في رحلاتهم إلى الهند والصين وإفريقيا للتبرك به، وكانت الوجهة الأولى من ميناء مسقط إلى ميناء كوتشين الهندي، ولم تجرِ الرياح بما تشتهي سفينته الشراعية، فقد واجه صعوبات في توجيه السفينة، ثم تغير مسارها عندما كان الهواء يهب من الخلف إلى اليمين بشدة، والتفاف الحبال حول الدفة وتعطيل عملها فكان لزاما عليه الغوص لتخليص الدفة من الحبال العالقة إلى أن سارت بسلام، وبالطبع هذه المشاكل كثيرة في الرحلة، غير أنه كان بفضل خبرته وحنكته وشجاعته ومساعدة فريقه يتغلب عليها، ثم يمضي في سرد تفاصيل حياة البحّارة في الرحلة من الأطعمة التي يتناولونها إلى التدريبات، والأحاديث التي يتبادلها البحارة وتفاصيل حركة السفينة واتجاهاتها، بشكل دقيق وبلغة قريبة من لغة الصحافة -توصيلية- لكنها لا تخلو من جمال العبارة.
ويصف لحظات وداع السفينة التي وضعت في متحف الأحياء البحرية في جزيرة (سنتوسا) السنغافورية، ليعود إلى مسقط يوم 10 /7 /2010 حين حطت الطائرة به وفريقه الذي رافقه بالرحلة بدرس هو «علمتنا هذه الجوهرة أن نحترم أجدادنا أكثر، أولئك الذين أبحروا منذ مئات السنين إلى أقاصي الدنيا على سفن تماثل سفينتنا واهتدوا بالنجوم والرياح والأمواج والطيور».
وفي الختام، فهذا الكتاب كما يقول: «ليس سوى صفحة من صفحات كفاح الإنسان العماني» في البحر الذي ارتبط تاريخ عمان به، لذا فهو يفتح الباب لصفحات أخرى يسردها القبطان صالح، وزملاؤه من البحارة الأفذاذ قبل أن تشيخ الذاكرة.
إذا القوم قالوا: من فتى ؟ خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
واستشار والده، فشجعه على السفر، وسرعان ما باركت له والدته الرحلة التي انطلقت يوم 16 /2 /2010م وصعد على متن (جوهرة مسقط) مع فريق معه، مستصحبا نسخة من القرآن الكريم متبعا عادة لدى النواخذة العمانيين عند انطلاقهم في رحلاتهم إلى الهند والصين وإفريقيا للتبرك به، وكانت الوجهة الأولى من ميناء مسقط إلى ميناء كوتشين الهندي، ولم تجرِ الرياح بما تشتهي سفينته الشراعية، فقد واجه صعوبات في توجيه السفينة، ثم تغير مسارها عندما كان الهواء يهب من الخلف إلى اليمين بشدة، والتفاف الحبال حول الدفة وتعطيل عملها فكان لزاما عليه الغوص لتخليص الدفة من الحبال العالقة إلى أن سارت بسلام، وبالطبع هذه المشاكل كثيرة في الرحلة، غير أنه كان بفضل خبرته وحنكته وشجاعته ومساعدة فريقه يتغلب عليها، ثم يمضي في سرد تفاصيل حياة البحّارة في الرحلة من الأطعمة التي يتناولونها إلى التدريبات، والأحاديث التي يتبادلها البحارة وتفاصيل حركة السفينة واتجاهاتها، بشكل دقيق وبلغة قريبة من لغة الصحافة -توصيلية- لكنها لا تخلو من جمال العبارة.
ويصف لحظات وداع السفينة التي وضعت في متحف الأحياء البحرية في جزيرة (سنتوسا) السنغافورية، ليعود إلى مسقط يوم 10 /7 /2010 حين حطت الطائرة به وفريقه الذي رافقه بالرحلة بدرس هو «علمتنا هذه الجوهرة أن نحترم أجدادنا أكثر، أولئك الذين أبحروا منذ مئات السنين إلى أقاصي الدنيا على سفن تماثل سفينتنا واهتدوا بالنجوم والرياح والأمواج والطيور».
وفي الختام، فهذا الكتاب كما يقول: «ليس سوى صفحة من صفحات كفاح الإنسان العماني» في البحر الذي ارتبط تاريخ عمان به، لذا فهو يفتح الباب لصفحات أخرى يسردها القبطان صالح، وزملاؤه من البحارة الأفذاذ قبل أن تشيخ الذاكرة.