يشهد العالم الذي نعيش فيه طفرات تقدم في مختلف المجالات التكنولوجية والطبية وفي قطاع الاتصالات إلى درجة بات يخشى فيها بعض العلماء من تفوق التكنولوجيا التي صنّعها البشر على العقل البشري نفسه، وهذا أمر لم يعد مجرد خيال علمي وإنما هو واقع أقرب إلى الحقيقة خلال العام الجاري مع التقدم الذي يحققه الذكاء الاصطناعي. لكن رغم كل هذه النجاحات الهائلة التي يحققها البشر كل يوم من المحبط جدا أن يلوح في الأفق شبح استخدام الأسلحة النووية لتدمير هذا العالم الذي نعيش فيه تدميرا كاملا أو إعادته إلى عصور ما قبل التاريخ على أقل تقدير في حالة استخدام السلاح النووي ولو بشكل متوسط.

هذه مرحلة حساسة جدا في تاريخ البشرية تحتاج إلى قدر كبير من التعقل والتفكير بعيدا عن المكاسب المحدودة وصراع القوة والسيطرة والهيمنة الأحادية الذي ساد في العقود الثلاثة الماضية.

وإذا كانت فكرة استخدام السلاح النووي فكرة مرعبة للعالم أجمع، بما في ذلك لروسيا التي تخوض حربا ضد أوكرانيا ومن وراء أوكرانيا الدول الغربية كافة، فإن العالم مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتفكير لتجاوز هذه الأزمة وما يمكن أن يشابهها في المستقبل. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتعزيز الجوانب الدبلوماسية التي تفتح آفاقا للحوار بين الدول خاصة تلك التي تملك قدرات نووية. والحوار من شأنه دائما أن يقلل التوترات ويزيد نسبة التفاهم، ويبني الثقة والشفافية عبر تبادل المعلومات حول القدرات العسكرية. على أن الحوار لا بد أن يقود مع الوقت إلى نزع السلاح النووي وتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحد من انتشار السلاح النووي في العالم.

لكن لا بد أيضا من معالجة القضايا الأساسية التي تدفع الدول إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية. ويشمل ذلك معالجة الفقر وعدم المساواة وعدم الاستقرار السياسي والنزاعات الإقليمية، فضلا عن تعزيز التنمية المستدامة.

ومن أفضل الحلول التي يمكن أن تخفف الاحتقان والخوف من السلاح النووي هي تعزيز ثقافة السلام والتسامح والتفاهم بين الدول في تقليل احتمالية نشوب صراعات يمكن أن تتصاعد إلى حرب نووية.

إضافة إلى ما سبق لا بد لدول العالم أن تناقش بشكل جدي أخطاء النظام العالمي الحالي والذي قام على فكرة اللامساواة بين الدول، وبين الأفراد داخل الدولة الواحدة. ولذلك ساهم في صناعة فوارق اقتصادية كبيرة. ولا يمكن إغفال أن مبادئ وقيم النظام العالمي الحالي كانت دائما وراء الكثير من الحروب التي نشبت في العالم والتي وصلت فيها البشرية إلى حد الهاوية. ويحتاج أي نظام عالمي جديد حتى ينجح إلى تعزيز النمو الشامل والتوزيع العادل للموارد لتقليل التفاوتات وضمان حصول جميع الدول على فرص متكافئة للتنمية.

كما يحتاج إلى إنهاء هيمنة القطب الواحد والذي ساهم في بروز الكثير من الأخطار العالمية ومن بينها خطر استخدام السلاح النووي حيث كانت فكرة اتخاذ قرارات غير متوازنة من قبل الدول الأقل قوة تلوح في الأفق دائما، حيث تشعر تلك الدول بالتهميش والعجز.

ومن بين مواطن ضعف النظام العالمي الحالي موضع مؤسساته الدولية الضعيفة مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية، ولا يمكن إصلاح المرحلة إلا بإصلاح هذه المؤسسات وتقويتها وتعزيز مصداقيتها حتى يقتنع الجميع أنها تمثل المجتمع الدولي لا الدول القوية فقط.