مرت أيام شهر رمضان المبارك سريعة كما هي دورة الحياة منذ أن خلقها الله تعالى، وبدأت أمس العشر الأواخر من الشهر الفضيل التي يضاعف المسلم فيها العمل ليضاعف الله سبحانه وتعالى له الأجور أضعافا، وهي عشر يتحرى المسلمون فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

ورغم أن هذه الأيام أيام عبادة وتهجد وصدقة وعمل خير إلا أن أغلب الناس يحولونها إلى أيام استهلاك وتسوق لا ينقطع استعدادا للعيد؛ فتزدحم الأسواق وتمتلئ المجمعات التجارية فيما يتراجع زوار المساجد كثيرا. ومن المفهوم أن فرحة العيد وطقوسه تحتاج إلى الكثير من المتطلبات التي لا بد من زيارة الأسواق لتأمينها إلا أنه على الإنسان أن يكون وسطا فيما يفعل، ويبتعد عن المبالغة حتى وهو يستعد للعيد؛ فلا يحول فكرة العيد إلى فكرة استهلاكية خالصة، ففلسفة العيد أكبر من ذلك بكثير، وعلى الإنسان أن لا يحمّل نفسه ما لا طاقة له به، ولا يلزم نفسه ما لا يلزمها.

فعلى سبيل المثال فإن الشرع لم يلزم المسلم بذبح «أضحية» في عيد الفطر، فلماذا يلزم نفسه خاصة إن لم يكن مستطيعا؟ وحتى قبل عقد من الزمن لم يكن ذبح المواشي في عيد الفطر سائدا في الكثير من الولايات العمانية كما هو الحال في عيد الأضحى، أما الآن فقد أصبح الذبح عرفا ليس من السهل تركه، وفيه من التكلفة ما فيه خاصة أن الناس لا تكتفي باليسير وتبالغ فيه أيما مبالغة. ويحضر التقليد والمباهاة خلال العيد وخاصة فيما يخص الملابس والكماليات، وإن لم يكن الأمر بداعي المباهاة فإنه تحت سيطرة الدعايات الإعلانية والعروض الترويجية. ولا يخفى على أحد أن العالم يعيش موجة تضخم كبرى في أسعار السلع والخدمات، ورغم أن التضخم في سلطنة عمان ما زال في حدود معقولة إلا أن المعقول يتضاعف في العيد فيتحول إلى ما لا يطاق.

والأصل أن الأسعار ترتفع في المواسم ومن بينها مواسم الأعياد الدينية فلماذا نعطي لها مبررا آخر لتزداد في الارتفاع؟

المرحلة التي يعيشها العالم تحتاج إلى ثقافة مختلفة من بين أهم أولوياتها ترشيد الإنفاق والتفكير في الادخار وتجاوز فكرة الإنفاق من أجل المظاهر إلى الإنفاق من أجل الضروريات فقط.