ينتمي كتاب «بين أزقة الوطن وأرصفة المهجر» للأستاذ التربوي الراحل محمد بن علي بن حمد الحجري (ت2020) إلى ما يصطلح عليه عادة بكتابات الأنا، إنه مزيج بين فن المذكرات والسيرة الذاتية في أربعة فصول تشكل مجمل الكتاب، بالإضافة إلى ملحقين آخرين أحدهما دراسة وصفية تاريخية للحصون والقلاع في ولاية بدية، والآخر ملحق للصور والوثائق الشخصية.
في الجلسة الحوارية التي نظمها مركز بدية الثقافي للاحتفاء بالكتاب يوم الجمعة بتاريخ 10/مارس/2023م، استطعنا أن نتعرف أكثر على الرحلة التي مرّ بها الكتاب قبل أن يصل إلى أيدي القراء. كان مؤلف الكتاب قد بدأ منذ سنوات طويلة في كتابة مذكراته في هيئة قصاصات وفقرات ستشكل لاحقا العمود الفقري للكتاب قبل أن يكمل كتابة معظم فصوله، ويملي أجزاءه الأخرى على أبنائه بعد أن اشتد عليه المرض في أخريات حياته، وأفقده الشيب الكثير من التفاصيل التي كان يرغب في إضافتها.
لم يكد يمر عام 2019 حتى كان الأستاذ الراحل قد أنهى الفصول الأخيرة من هذه المذكرات كتابة وإملاء، لكن القدر لم يمهله حتى يقوم بمراجعته مراجعة ختامية، كما لم يسعفه الوقت ليضع له عنوانا من بنات أفكاره، ولم يكد عام 2020 ينتصف حتى فاضت روحه إلى بارئها في أوج اكتساح جائحة كورونا للعالم.
في المقدمة والتمهيد اللذين استهل بها د. محمد بن سعيد بن عامر الحجري هذا الكتاب سنتعرف أكثر على الجهود التي بُذلت لتحرير الكتاب ومراجعته وتدقيقه وضبطه، فقد اشتغلت أ. حسناء الحجرية (ابنة المؤلف)، و م.عبدالرحمن الحجري (ابن المؤلف) على تحرير الكتاب واختيار عنوان له، كما أُسند للدكتور محمد بن سعيد الحجري إعادة صياغة بعض فقرات الكتاب لتكون متلائمة بين الصيغتين المكتوبة والمملاة، واشتغل على ضبط الكتاب وتدقيقه ومراجعته والتعليق عليه.
يشير الدكتور محمد بن سعيد الحجري في المقدمة الإضافية التي قدّم بها للكتاب إلى الخطوط المنهجية العامة التي اشتغل عليها لإخراج الكتاب بصورة تليق بمؤلفه، ومع تلك الجوانب التي أشرنا إليها سابقا، بالإضافة إلى وضع تاريخ وفيات عدد من الأعلام والشخصيات التي وردت في تضاعيف الكتاب مع تراجم مختصرة لها، ودعم الكتاب بخرائط توضيحية خاصة في القسم الثاني المتعلق بالهجرة إلى شرقي أفريقيا يبقى ذلك الجهد المشكور يدور في إطار (الاعتناء بالكتاب وضبطه والتعليق عليه)، أكثر منه (تحقيقا) كما ورد في غلاف الكتاب؛ لأن التحقيق له أصوله ومناهجه وطريقته في التعامل مع النصوص المخطوطة تختلف عن التعامل مع الكتب المرقونة في الوقت الحاضر.
ينقسم الكتاب كما أشرنا سابقا إلى أربعة أقسام أو فصول، يدور الفصل الأول المعنون بـ(ولاية بدية: الحياة الاجتماعية وقصة التأسيس) حول التأريخ المحتمل لنزوح قبيلة الحجريين واستيطانهم ولاية بدية حسب بعض الروايات الشفهية المتناقلة، ومع أن مؤلف الكتاب افترض أن تأسيس الولاية كان ما بين عامي 500- 700هـ، إلا أننا نملك تاريخا أقرب من ذلك أورده الشيخ علي بن سالم الحبّاسي الحجري نقلا عن أحد أجداده -يصفه بالمؤرخ- وهو خميس بن حابس، وهو ينقل عنه في مخطوطة (الأمهات الصالحات) أن ذلك التاريخ كان عام 1008هـ، ثم ينتقل المؤلف في سرد أقرب للنوستالجيا للحديث عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية بولاية بدية متحدثا عن عادات أهلها وتقاليدهم وثقافتهم الاجتماعية مثل التكافل الاجتماعي وعادات الزواج والختان وأدوار المرأة وبقية أفراد الأسرة، كما يتحدث عن مجالس الرجال والنساء وما يدور في مجتمع (السبلة)، ويفرد جانبا للحديث عن المسكن في الصيف والشتاء، والألعاب الشعبية وغيرها، كما يمزج ذلك بذكر بعض الجوانب الاقتصادية مثل نظام شق الأفلاج، وما يحدث من تجارة وتبادل للسلع في الأسواق التقليدية، ثم يصل أخيرا للحديث عن مدارس تعليم القرآن قبل السبعينيات، متحدثا عن عادة (التيمينة) لحَفَظَة القرآن الكريم من الأطفال.
وفي ختام هذا الفصل يورد عرضا لأهم وأبرز العلماء والفقهاء والزهاد الذين ظهروا في بدية نقلا عن الشيخ الحبّاسي في الرسالة التي وجهها للقاضي محمد بن راشد الخصيبي، والتي ضمَّنها الأخير في كتابه (شقائق النعمان)، مضيفا الأستاذ محمد عددا آخر من الشخصيات، وأبرز القصص المتناقلة عنهم شفهيا.
في الفصل الثاني المعنون بـ( بين عمان وأفريقيا: الهجرة والعودة والارتحال) ينتقل بنا المؤلف في سرد سيرته الذاتية من مسقط رأسه في بدية أوائل خمسينيات القرن الماضي ليرتحل برفقة أخته على الحمير إلى (صور) حيث سيستقلون سفينة شراعية مهاجرين إلى زنجبار وشرقي أفريقيا هربا من شظف العيش وطلبا للرزق، بلغة سلسلة رشيقة تنثال الذكريات لتصور لنا تفاصيل ما يحدث في الرحلات البحرية من مواقف وتحديات بعين طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره على متن سفينة شراعية ستستغرق رحلتها تسعين يوما حتى تصل إلى فرضة زنجبار، وهناك سنرى ما يحدث للعمانيين وهم يطؤون أرض البر الأفريقي، والدهشة تعلو محياهم حين يرون لأول مرة أرضا تختلف تماما عن طبيعة وتضاريس الأرض التي جاؤوا منها، ثم نراهم وهم يؤسسون القرى الصغيرة على شواطئ بحيرة فيكتوريا، ثم وهم يتاجرون ويتزوجون ويعيشون حياتهم هناك بسلام قبل أن يعكر صفو معيشتهم دعوات الحزب القومي المتطرف لطرد العرب والتي انتهت بنكبة 1964م.
يمثل هذا الفصل واحدا من أمتع فصول الكتاب، كما يشكل وثيقة تاريخية مهمة تسرد لنا التفاصيل الغائبة عن الأجيال اللاحقة من منظور شخص كان شاهدا بتجربته الشخصية لما يحدث لأي فرد عماني رغب في الهجرة لزنجبار منذ لحظة خروجه من أرض الوطن الأم إلى استقراره هناك ثم قرار العودة مرة أخرى.
أما الفصل الثالث والمعنون بـ(مواسم الرحيل إلى الخليج العربي والبلدان العربية) سنجد أنفسنا أمام تلك الصورة القاتمة التي اضطرت العمانيين إلى اللجوء إلى مدن الخليج العربي بحثا عن العمل وطلبا للرزق بعد أن سُدّت الأبواب أمامهم في بلدهم في ستينيات القرن الماضي إثر سيطرة ثالوث الجهل والفقر والمرض على مفاصل الحياة، إنه كذلك صورة مختزلة لذلك الجيل من العمانيين الذين نالهم ما نالهم من النصب والتعب، وهم يلاحقون لقمة العيش ليعملوا في عدد من مدن الخليج العربي، وقد أجبرتهم الإكراهات السياسية والاقتصادية ليعيشوا تلك الأوضاع البائسة بعيدا عن أهلهم وذويهم.
ولأن الأستاذ الراحل كان قد وضع نصب عينيه طلب العلم، فإننا سنرتحل على أجنحة ذكرياته
إلى بغداد ودمشق مكملا دراسته الابتدائية والثانوية، كما سنكون معه كما كان هو مع زملائه في معسكرات التدريب مشاركا إخوته العرب في الاستعداد لحرب 1967، إنها مرحلة مهمة إذن من مراحل هجرة العمانيين إلى الحواضر العربية والمراكز الثقافية في الستينيات لاستكمال طلب العلم استعدادا للتغير الكبير الذي ستشهده عمان في عام 1970م.
في الفصل الرابع والأخير والموسوم بـ(اللبنات الأولى في الصرح التعليمي) سنجد المؤلف يعرّج بنا إلى حديث مشوب بالفرح والسعادة، ويحيط به الأمل لما ستشهده عمان من نهضة شاملة سيكون هو واحدا من المشاركين الأوائل في مسيرتها، وفي دفع عجلة تنميتها من خلال التعليم، إذ سرعان ما سيشارك زملاءه القادمين من القاهرة ودمشق وبغداد في تأسيس المدارس في ولايته أوائل السبعينيات، ثم منخرطا في سلك الإشراف التربوي للمحافظة التعليمية بعد أن شارك في دورات تدريبية في الرياض وعمّان.
يقدّم لنا الأستاذ الموجه محمد بن علي الحجري في كل تلك الرحلة الشاقة، والشائقة والمسيرة العلمية المظفرة صورة بانورامية مختزلة لذلك الجيل الذي شهد حقبتي ما قبل السبعينيات وما بعدها، وقد أجبرتهم إكراهات المرحلة التي عاشوا خلالها لهجرة موطنهم أكثر من مرة، ولأكثر من وجهة معبرا عن ذلك بلسان ذلك الجيل حين يقول: «يغادر الإنسان نفسه إذ يغادر وطنه»، وقد أكرمنا بهذه السيرة وسرد الذكريات بأسلوب أخاذ وجمل رشيقة وعبارات فنية نتلمس فيها ذاته إذ نتلمس فيها كلماته.
في الجلسة الحوارية التي نظمها مركز بدية الثقافي للاحتفاء بالكتاب يوم الجمعة بتاريخ 10/مارس/2023م، استطعنا أن نتعرف أكثر على الرحلة التي مرّ بها الكتاب قبل أن يصل إلى أيدي القراء. كان مؤلف الكتاب قد بدأ منذ سنوات طويلة في كتابة مذكراته في هيئة قصاصات وفقرات ستشكل لاحقا العمود الفقري للكتاب قبل أن يكمل كتابة معظم فصوله، ويملي أجزاءه الأخرى على أبنائه بعد أن اشتد عليه المرض في أخريات حياته، وأفقده الشيب الكثير من التفاصيل التي كان يرغب في إضافتها.
لم يكد يمر عام 2019 حتى كان الأستاذ الراحل قد أنهى الفصول الأخيرة من هذه المذكرات كتابة وإملاء، لكن القدر لم يمهله حتى يقوم بمراجعته مراجعة ختامية، كما لم يسعفه الوقت ليضع له عنوانا من بنات أفكاره، ولم يكد عام 2020 ينتصف حتى فاضت روحه إلى بارئها في أوج اكتساح جائحة كورونا للعالم.
في المقدمة والتمهيد اللذين استهل بها د. محمد بن سعيد بن عامر الحجري هذا الكتاب سنتعرف أكثر على الجهود التي بُذلت لتحرير الكتاب ومراجعته وتدقيقه وضبطه، فقد اشتغلت أ. حسناء الحجرية (ابنة المؤلف)، و م.عبدالرحمن الحجري (ابن المؤلف) على تحرير الكتاب واختيار عنوان له، كما أُسند للدكتور محمد بن سعيد الحجري إعادة صياغة بعض فقرات الكتاب لتكون متلائمة بين الصيغتين المكتوبة والمملاة، واشتغل على ضبط الكتاب وتدقيقه ومراجعته والتعليق عليه.
يشير الدكتور محمد بن سعيد الحجري في المقدمة الإضافية التي قدّم بها للكتاب إلى الخطوط المنهجية العامة التي اشتغل عليها لإخراج الكتاب بصورة تليق بمؤلفه، ومع تلك الجوانب التي أشرنا إليها سابقا، بالإضافة إلى وضع تاريخ وفيات عدد من الأعلام والشخصيات التي وردت في تضاعيف الكتاب مع تراجم مختصرة لها، ودعم الكتاب بخرائط توضيحية خاصة في القسم الثاني المتعلق بالهجرة إلى شرقي أفريقيا يبقى ذلك الجهد المشكور يدور في إطار (الاعتناء بالكتاب وضبطه والتعليق عليه)، أكثر منه (تحقيقا) كما ورد في غلاف الكتاب؛ لأن التحقيق له أصوله ومناهجه وطريقته في التعامل مع النصوص المخطوطة تختلف عن التعامل مع الكتب المرقونة في الوقت الحاضر.
ينقسم الكتاب كما أشرنا سابقا إلى أربعة أقسام أو فصول، يدور الفصل الأول المعنون بـ(ولاية بدية: الحياة الاجتماعية وقصة التأسيس) حول التأريخ المحتمل لنزوح قبيلة الحجريين واستيطانهم ولاية بدية حسب بعض الروايات الشفهية المتناقلة، ومع أن مؤلف الكتاب افترض أن تأسيس الولاية كان ما بين عامي 500- 700هـ، إلا أننا نملك تاريخا أقرب من ذلك أورده الشيخ علي بن سالم الحبّاسي الحجري نقلا عن أحد أجداده -يصفه بالمؤرخ- وهو خميس بن حابس، وهو ينقل عنه في مخطوطة (الأمهات الصالحات) أن ذلك التاريخ كان عام 1008هـ، ثم ينتقل المؤلف في سرد أقرب للنوستالجيا للحديث عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية بولاية بدية متحدثا عن عادات أهلها وتقاليدهم وثقافتهم الاجتماعية مثل التكافل الاجتماعي وعادات الزواج والختان وأدوار المرأة وبقية أفراد الأسرة، كما يتحدث عن مجالس الرجال والنساء وما يدور في مجتمع (السبلة)، ويفرد جانبا للحديث عن المسكن في الصيف والشتاء، والألعاب الشعبية وغيرها، كما يمزج ذلك بذكر بعض الجوانب الاقتصادية مثل نظام شق الأفلاج، وما يحدث من تجارة وتبادل للسلع في الأسواق التقليدية، ثم يصل أخيرا للحديث عن مدارس تعليم القرآن قبل السبعينيات، متحدثا عن عادة (التيمينة) لحَفَظَة القرآن الكريم من الأطفال.
وفي ختام هذا الفصل يورد عرضا لأهم وأبرز العلماء والفقهاء والزهاد الذين ظهروا في بدية نقلا عن الشيخ الحبّاسي في الرسالة التي وجهها للقاضي محمد بن راشد الخصيبي، والتي ضمَّنها الأخير في كتابه (شقائق النعمان)، مضيفا الأستاذ محمد عددا آخر من الشخصيات، وأبرز القصص المتناقلة عنهم شفهيا.
في الفصل الثاني المعنون بـ( بين عمان وأفريقيا: الهجرة والعودة والارتحال) ينتقل بنا المؤلف في سرد سيرته الذاتية من مسقط رأسه في بدية أوائل خمسينيات القرن الماضي ليرتحل برفقة أخته على الحمير إلى (صور) حيث سيستقلون سفينة شراعية مهاجرين إلى زنجبار وشرقي أفريقيا هربا من شظف العيش وطلبا للرزق، بلغة سلسلة رشيقة تنثال الذكريات لتصور لنا تفاصيل ما يحدث في الرحلات البحرية من مواقف وتحديات بعين طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره على متن سفينة شراعية ستستغرق رحلتها تسعين يوما حتى تصل إلى فرضة زنجبار، وهناك سنرى ما يحدث للعمانيين وهم يطؤون أرض البر الأفريقي، والدهشة تعلو محياهم حين يرون لأول مرة أرضا تختلف تماما عن طبيعة وتضاريس الأرض التي جاؤوا منها، ثم نراهم وهم يؤسسون القرى الصغيرة على شواطئ بحيرة فيكتوريا، ثم وهم يتاجرون ويتزوجون ويعيشون حياتهم هناك بسلام قبل أن يعكر صفو معيشتهم دعوات الحزب القومي المتطرف لطرد العرب والتي انتهت بنكبة 1964م.
يمثل هذا الفصل واحدا من أمتع فصول الكتاب، كما يشكل وثيقة تاريخية مهمة تسرد لنا التفاصيل الغائبة عن الأجيال اللاحقة من منظور شخص كان شاهدا بتجربته الشخصية لما يحدث لأي فرد عماني رغب في الهجرة لزنجبار منذ لحظة خروجه من أرض الوطن الأم إلى استقراره هناك ثم قرار العودة مرة أخرى.
أما الفصل الثالث والمعنون بـ(مواسم الرحيل إلى الخليج العربي والبلدان العربية) سنجد أنفسنا أمام تلك الصورة القاتمة التي اضطرت العمانيين إلى اللجوء إلى مدن الخليج العربي بحثا عن العمل وطلبا للرزق بعد أن سُدّت الأبواب أمامهم في بلدهم في ستينيات القرن الماضي إثر سيطرة ثالوث الجهل والفقر والمرض على مفاصل الحياة، إنه كذلك صورة مختزلة لذلك الجيل من العمانيين الذين نالهم ما نالهم من النصب والتعب، وهم يلاحقون لقمة العيش ليعملوا في عدد من مدن الخليج العربي، وقد أجبرتهم الإكراهات السياسية والاقتصادية ليعيشوا تلك الأوضاع البائسة بعيدا عن أهلهم وذويهم.
ولأن الأستاذ الراحل كان قد وضع نصب عينيه طلب العلم، فإننا سنرتحل على أجنحة ذكرياته
إلى بغداد ودمشق مكملا دراسته الابتدائية والثانوية، كما سنكون معه كما كان هو مع زملائه في معسكرات التدريب مشاركا إخوته العرب في الاستعداد لحرب 1967، إنها مرحلة مهمة إذن من مراحل هجرة العمانيين إلى الحواضر العربية والمراكز الثقافية في الستينيات لاستكمال طلب العلم استعدادا للتغير الكبير الذي ستشهده عمان في عام 1970م.
في الفصل الرابع والأخير والموسوم بـ(اللبنات الأولى في الصرح التعليمي) سنجد المؤلف يعرّج بنا إلى حديث مشوب بالفرح والسعادة، ويحيط به الأمل لما ستشهده عمان من نهضة شاملة سيكون هو واحدا من المشاركين الأوائل في مسيرتها، وفي دفع عجلة تنميتها من خلال التعليم، إذ سرعان ما سيشارك زملاءه القادمين من القاهرة ودمشق وبغداد في تأسيس المدارس في ولايته أوائل السبعينيات، ثم منخرطا في سلك الإشراف التربوي للمحافظة التعليمية بعد أن شارك في دورات تدريبية في الرياض وعمّان.
يقدّم لنا الأستاذ الموجه محمد بن علي الحجري في كل تلك الرحلة الشاقة، والشائقة والمسيرة العلمية المظفرة صورة بانورامية مختزلة لذلك الجيل الذي شهد حقبتي ما قبل السبعينيات وما بعدها، وقد أجبرتهم إكراهات المرحلة التي عاشوا خلالها لهجرة موطنهم أكثر من مرة، ولأكثر من وجهة معبرا عن ذلك بلسان ذلك الجيل حين يقول: «يغادر الإنسان نفسه إذ يغادر وطنه»، وقد أكرمنا بهذه السيرة وسرد الذكريات بأسلوب أخاذ وجمل رشيقة وعبارات فنية نتلمس فيها ذاته إذ نتلمس فيها كلماته.