كان الناس وما زالوا يبذلون الخير في هذا الشهر الفضيل، فينفقون مما في أيديهم، وهذا حال أهالي ولاية ضنك كبقية الولايات والقرى العمانية الذين تسود بينهم روح التعاون والأخوة والتكافل، وهذا ما أخبرنا به الوالد عبيد بن جميع اليحيائي وهو يحدثنا عن شهر الصوم والعبادة، والأعمال التي كانوا يزاولونها في هذا الشهر، والذكريات التي لا تزال عالقة في أذهانهم.

يقول: كنا في الماضي نستقبل الشهر الفضيل بحفاوة وفرح وذلك عندما يتم إخبارنا برؤية هلال رمضان وذلك عن طريق والي الولاية والمشايخ، بعد ذلك يطلق المدفع ليعم بصوته جميع أرجاء الولاية حتى يسمعه القاصي والداني بأن هلال شهر رمضان قد تمت رؤيته وهكذا نقوم بالاستعداد للعبادة والتهليل والحمد، ففضل شهر رمضان عظيم تتضاعف فيه الحسنات.

ويخبرنا اليحيائي عن صوم رمضان في السابق فيقول: لم تكن أغلب الأشياء متوفرة كهذا الوقت فكان الأهالي يستخدمون الماء في الأوعية المصنوعة من المدر والسعن المصنوع من جلد الماشية.

ولكن رغم صعوبة العيش والمشقة كنا نعيش شهر رمضان بطمأنينة وراحة نفسية، فنجد أنفسنا في مقدمة العبادات وتزاور الأرحام، ويتزاحم الناس في المساجد، وتجد المودة بين الناس والتكافل الاجتماعي والمحبة ابتهاجا بمقدم هذا الشهر الفضيل فلا يخاصم أحد جاره.

وأضاف عبيد اليحيائي قائلا: ترى الناس يفرحون قبل الإفطار فيدعون ربهم ويستغفرون، وترى النساء في عمل مستمر لتحضير الفطور وبروح من الهدوء والمتعة وتجهيز الوجبات الرمضانية البسيطة التي تقدم لنا مثل: الماء، والفواكه التي نجنيها من مزارعنا واللبن، وكان الناس جميعا يعتمدون في إفطارهم على ما تنتجه أرضهم من محاصيل زراعية، فلم تكن المواد الغذائية متوفرة مثل اليوم، وكان الناس يبذلون وجوه الخير في هذا الشهر الفضيل فتجدهم ينفقون بما تجود به أنفسهم من الغذاء، بل وكانوا يتبادلون الإفطار بين الجيران والأقارب فالكل يجود بما في يديه من مأكل ومشرب، وهي عادة معروفة جميلة توثق بينهم المودة والإخاء والرحمة في القلوب، وتمتثل لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حسن الجوار.

ومن الوجبات الرمضانية التي كانت شائعة في الموائد الرمضانية وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا هي وجبة «ودام لحم مع الخبز العماني» وغيرها من الوجبات التقليدية.

وأضاف: كانت أبواب البيوت معنا لا تغلق في القديم، بل كان الناس يفرحون بقدوم زائر ليفطر معهم، لما يسمعونه عن الثواب الجزيل الذي يناله من يقوم بتفطير صائم، بل كانوا يتفقدون أحوال الناس، فتجدهم يصلون الفقير ويعينونه بما هو متوفر من غذاء، وهذا يمثل التكافل والتراحم بين الأهالي وهو الذي أوصى به ديننا الحنيف.

وعن العبادة في شهر رمضان يقول: نقوم في الفترة الصباحية بممارسة أعمالنا المعتادة التي نكسب بها أرزاقنا، ولكن في الفترة المسائية نكثر من العبادة وقراءة القرآن، وأداء صلاة التراويح في جماعة، وكنا نتحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، فكنا نتهجد فيها، ونكثر من الصدقات.