لا تستطيع إسرائيل أن تفي بأي عهد مهما كان، ولا تلتزم بأي تهدئة، هذه عقيدتها عبر الزمن، وهذا إيمانها الذي تؤمن به على كل المستويات، ولذلك لا يمكن أن يؤمن جانبها سواء كانت الحكومة التي تحكمها حكومة متطرفة كما هو الأمر اليوم أم حكومة معتدلة؛ فمفهوم الاعتدال وفق التجارب التي شاهدها العالم من دولة الاحتلال الإسرائيلية ما هو إلا قدر أقل قليلا من التطرف الذي يشاهده العالم اليوم، ولذلك فعندما يقول صوت في أي مكان في العالم إن إسرائيل دولة متقدمة في الكثير من الجوانب العلمية فهذا لا ينفي أنها دولة متطرفة وعنصرية وقبل كل ذلك دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على ذلك لم يستطع العرب أن يصلوا معها إلى «تطبيع» يعطي الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم وهو قيام دولتهم على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، ورغم أن هذا الحد الأدنى الذي يتحدث عنه العالم لا يعطي الفلسطينيين كامل حقوقهم التاريخية فإن العدو المحتل لم يوافق على هذا الحد أيضا.

وفي كل مناسبة تثبت إسرائيل أنها «دولة» عنصرية لا تحترم أي قيم ومبادئ، ولا تحترم شعائر الآخرين، وإلا كيف يفهم اقتحامها للمسجد الأقصى في ليلة من ليالي رمضان يعتكف فيها المصلون المسلمون في المسجد الأقصى؟! إذا كانت إسرائيل دولة ديمقراطية كما يحلو لها الادعاء أو كما يحلو للخطاب الغربي القول دائما، أليس من الديمقراطية أن تحترم الحكومة الإسرائيلية مشاعر المسلمين ولا تعمد إلى استثارتهم وتخليف المزيد من الاضطرابات التي تقود إلى مواجهات مسلحة بين الجانبين.

إن ما قامت به إسرائيل مساء أمس الأول خلال عملية اقتحام رجال الشرطة للمسجد القبلي لا يمكن تفسيره إلا أنه مظهر من مظاهر تطرف الحكومة الإسرائيلية التي تعد نفسها فوق القانون، وإلا ماذا يضيف هذا الاعتداء لإسرائيل؟ وماذا يضيف التعرض للمصلين بالضرب والتنكيل إلا تأجيج مشاعر الكراهية في وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى أن ينظر لها العالم على أنها تتقدم خطوات في سبيل حل القضية الفلسطينية.

إن العالم يتغير من حول إسرائيل بشكل متسارع جدا وموازين القوى تشهد الكثير من التحولات التي قد لا تكون في صالح إسرائيل مع الوقت، ولذلك على العرب أن يضعوا في اعتباراتهم أن القضية الفلسطينية لا بد أن تكون أولوية من أولوياتهم خلال أي تسويات قادمة تحدث في المنطقة، فلا يمكن أن تزدهر هذه المنطقة وتتقدم دون أن تكون مستقرة وهانئة ولن تكون كذلك وجزء أساسي من أرضها محتل.