أعطت وسائل التواصل الاجتماعي في العقدين الأخيرين منصات ومنابر للجميع لتدوين كل ما يجول في خواطرهم بعيدا عن أي ضوابط مهنية أو أخلاقية أو علمية. وتحولت هذه الوسائل في المجمل إلى ساحة لنشر الشائعات وبناء خطابات تتسم بالكراهية والعنصرية وتأجيج الخلافات الأيديولوجية والسياسية. ورغم الفوائد التي جناها الإنسان من هذه الوسائل في الكثير من الجوانب إلا أن سلبياتها بدأت تتجاوز إيجابياتها في ظل عدم وجود ضوابط وقواعد استخدام ملزمة.
ورغم أن البعض يتحدث عن مساحة الحرية «المطلقة» التي أتاحتها هذه الوسائل للناس للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم حول الكثير من القضايا التي تحيط بهم إلا أنها أسهمت بشكل عميق في تسطيح الكثير من الخطابات وفي مقدمتها الخطاب المطالب بالحرية نفسه، فلم يعد مفهوم الحرية التي كان يطالب بها الفلاسفة والمثقفون قبل عقود المفهوم نفسه الذي يفرح به رواد وسائل التواصل الاجتماعي، لا من حيث الشكل ولا من حيث العمق أو الهدف السامي.. ثمة تراجع كبير في القيمة لا ينظر إليه الكثيرون اليوم تحت وهج الحرية الزائفة «المطلقة». لكن خطاب «الحرية» ليس الخطاب الوحيد الذي شوهته وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تشظى الخطاب النقدي الرصين وتحول إلى مجرد «تغريدات» أقرب وصف يمكن أن يصدق عليها وصف «المراهقة»، فلم يعد الخطاب «النقدي»، إن صح وصفه بهذا الوصف، يمتلك أسسا ومبادئ ينطلق منها غير إرضاء «المتابعين»، وإحداث «ضجيج» و«زوبعة» وإن كانت في فنجان. كذلك تشوه الخطاب الداعي إلى البناء الحضاري وحل محله الخطاب المتعصب الذي يعمد إلى دغدغة مشاعر الناس الدينية واستثارة العصبيات القبلية. وهذه الخطابات قد تمر دون استغراب وعجب لو كان مصدرها العامة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فالنظر إلى ما يصدر عن العامة له وضع خاص طوال التاريخ، وتفسير ذلك وتعليله موجود في الكتب وفي مقدمتها كتب الفقه، ولكن عندما يصدر عن المتخصصين والأكاديميين والمحسوبين على النقد فإن الأمر يأخذ بعدا آخر يوجب دق ناقوس الخطر عبر الكثير من المسارات والأسئلة.. هل سَطّحت وسائل التواصل الاجتماعي الخطابات النقدية والسياسية والاجتماعية والحضارية.. إلخ؟ وهل حولت بعض النقاد والأكاديميين إلى مهووسين بالشهرة الزائفة حتى لو كان على حساب المضمون والقيمة والسمت الشخصي والأخلاقي والزيف في كل شيء؟
هذه أسئلة جديرة بالطرح والنقاش في هذه اللحظة وإلا فقدت الخطابات الحقيقية والمؤسسات الصادرة عنها الكثير من قيمتها وساد الزيف في كل شيء حولنا أكثر مما هو عليه الآن.
وإذا كانت الكثير من الخطابات والآراء النقدية والسياسية والاجتماعية التي تصدر عن أصحابها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمؤسسات التي ينتمون إليها، فالخطابات الصحية مرتبطة بالمؤسسة الصحية والخطاب الديني مرتبط بالمؤسسة الدينية والخطاب الأكاديمي مرتبط بالمؤسسة الأكاديمية ولا يمكن الفصل بين الخطاب وصاحبه ومؤسسته؛ فإن السؤال الذي يمكن أن يضع النقاط على الحروف هو عن غياب منظومة القواعد والسلوك أو الأدلة التي تنظم هذه العملية كلها وتحاسب من يتجاوزها. فلا يمكن لجامعة على سبيل المثال أن تسمع لأحد أساتذتها تشويه العلم والمعرفة وتعمد تكريس خطاب الجهل وتبقى صامتة دون تدخل، ولا يمكن لمؤسسة الفتوى، على سبيل المثال، أن ترى فتاوى لا تقوم على أسس علمية دون أن تتدخل، أو تسمح المؤسسة الصحية لأطباء بتضليل المرضى علانية دون أن توقف «الجاني» فورا. . وهكذا الأمر مع بقية المؤسسات.
إذا أمام كل هذه الفوضى وهذا الهوس المجنون نحن في أمس الحاجة إلى منظومة قواعد وقوانين منظمة تعيد كل شيء إلى حقيقته ومساره.
ورغم أن البعض يتحدث عن مساحة الحرية «المطلقة» التي أتاحتها هذه الوسائل للناس للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم حول الكثير من القضايا التي تحيط بهم إلا أنها أسهمت بشكل عميق في تسطيح الكثير من الخطابات وفي مقدمتها الخطاب المطالب بالحرية نفسه، فلم يعد مفهوم الحرية التي كان يطالب بها الفلاسفة والمثقفون قبل عقود المفهوم نفسه الذي يفرح به رواد وسائل التواصل الاجتماعي، لا من حيث الشكل ولا من حيث العمق أو الهدف السامي.. ثمة تراجع كبير في القيمة لا ينظر إليه الكثيرون اليوم تحت وهج الحرية الزائفة «المطلقة». لكن خطاب «الحرية» ليس الخطاب الوحيد الذي شوهته وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تشظى الخطاب النقدي الرصين وتحول إلى مجرد «تغريدات» أقرب وصف يمكن أن يصدق عليها وصف «المراهقة»، فلم يعد الخطاب «النقدي»، إن صح وصفه بهذا الوصف، يمتلك أسسا ومبادئ ينطلق منها غير إرضاء «المتابعين»، وإحداث «ضجيج» و«زوبعة» وإن كانت في فنجان. كذلك تشوه الخطاب الداعي إلى البناء الحضاري وحل محله الخطاب المتعصب الذي يعمد إلى دغدغة مشاعر الناس الدينية واستثارة العصبيات القبلية. وهذه الخطابات قد تمر دون استغراب وعجب لو كان مصدرها العامة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فالنظر إلى ما يصدر عن العامة له وضع خاص طوال التاريخ، وتفسير ذلك وتعليله موجود في الكتب وفي مقدمتها كتب الفقه، ولكن عندما يصدر عن المتخصصين والأكاديميين والمحسوبين على النقد فإن الأمر يأخذ بعدا آخر يوجب دق ناقوس الخطر عبر الكثير من المسارات والأسئلة.. هل سَطّحت وسائل التواصل الاجتماعي الخطابات النقدية والسياسية والاجتماعية والحضارية.. إلخ؟ وهل حولت بعض النقاد والأكاديميين إلى مهووسين بالشهرة الزائفة حتى لو كان على حساب المضمون والقيمة والسمت الشخصي والأخلاقي والزيف في كل شيء؟
هذه أسئلة جديرة بالطرح والنقاش في هذه اللحظة وإلا فقدت الخطابات الحقيقية والمؤسسات الصادرة عنها الكثير من قيمتها وساد الزيف في كل شيء حولنا أكثر مما هو عليه الآن.
وإذا كانت الكثير من الخطابات والآراء النقدية والسياسية والاجتماعية التي تصدر عن أصحابها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمؤسسات التي ينتمون إليها، فالخطابات الصحية مرتبطة بالمؤسسة الصحية والخطاب الديني مرتبط بالمؤسسة الدينية والخطاب الأكاديمي مرتبط بالمؤسسة الأكاديمية ولا يمكن الفصل بين الخطاب وصاحبه ومؤسسته؛ فإن السؤال الذي يمكن أن يضع النقاط على الحروف هو عن غياب منظومة القواعد والسلوك أو الأدلة التي تنظم هذه العملية كلها وتحاسب من يتجاوزها. فلا يمكن لجامعة على سبيل المثال أن تسمع لأحد أساتذتها تشويه العلم والمعرفة وتعمد تكريس خطاب الجهل وتبقى صامتة دون تدخل، ولا يمكن لمؤسسة الفتوى، على سبيل المثال، أن ترى فتاوى لا تقوم على أسس علمية دون أن تتدخل، أو تسمح المؤسسة الصحية لأطباء بتضليل المرضى علانية دون أن توقف «الجاني» فورا. . وهكذا الأمر مع بقية المؤسسات.
إذا أمام كل هذه الفوضى وهذا الهوس المجنون نحن في أمس الحاجة إلى منظومة قواعد وقوانين منظمة تعيد كل شيء إلى حقيقته ومساره.