ـ ما المقصود بالشهداء، وما وجه الجمع بين النبيين والشهداء، وما هو القضاء الذي بينهم، في قوله تعالى: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»؟
أولا للتصحيح، هذا القضاء هو ليس بين النبيين والشهداء، فالضمير في «وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ» لا يعود للنبيين والشهداء، وإنما يعود للآية التي قبلها في قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ» أي قضي بين الخلائق من في السماوات والأرض، ومعنى النبيين واضح، ولكن معنى الشهداء هو الذي فيه شيء من الخلاف، فمن المفسرين من يقول إن الشهداء هم الملائكة، فهم الذين يشهدون على الخلق، وهم الذين كانوا يسجلون أعمالهم لتعرض يوم القيامة عليهم فيحاسبون، ومنهم من يقول إن الشهداء هم كل من جعلهم الله تبارك وتعالى شهداء على الناس، فربنا تبارك وتعالى يقول: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا» ويقول: «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» وجعل من جوارحنا شهداء علينا، إذن كل ما سيؤدي الشهادة للخلق أو عليهم يوم القيامة فإنه يجاء به.
وإن كان السائل يشير إلى الفرق بين الشاهد والشهيد، وبين الجموع الشهداء والشهود والشاهدين، فهذه المسألة مما طال فيها الحديث عند علماء التفسير واللغة، أي فيما يتعلق بالاستعمال القرآني، وأحسن ما يمكن أن يوجه به الفرق بين استعمال شاهد وشهيد هو ما يؤخذ من صيغة كل وصف منهما، لأن شاهد على وزن فاعل، وشهيد على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، والفرق بين وصف فاعل ووصف فعيل، هو أن وصف «فعيل» المعنى متمكن فيه أكثر، فالمعنى أقوى وأكثر دلالة، ولا يستحق هذا الوصف من صدر منه ذلك لمرة واحدة إلا إذا كانت هذه المرة ممتدة طويلة وكان موضوع الشهادة ومحلها محلا متمكنا فهذا يمكن أن يوصف بأنه شهيد، وأما الشاهد فلقضية أو لمسألة، فيشهد وينتهي دوره بحصول تحقق الوصل للمرة الواحدة. والله تعالى أعلم.
ـ ما حكم بقاء الزوجة عند المرتد، وإذا كان قد حج قبل أن يرتد ثم تاب هل عليه أن يعيد حجته؟
إذا ثبتت عليه الردة فإن امرأته لا تبقى تحته، وتنفصل العلاقة الزوجية بينهما، لأن المسلمة لا تكون تحت الكافر، والمرتد يعني أنه انتقل من الإسلام إلى الكفر، فتسري عليه أحكام المشركين، ومن أحكام المشركين أن المشرك لا يكون زوجا للمرأة المسلمة، أما عن حجته ففيها خلاف، إذا تاب هل يلزمه أن يعيد الحج لأن الحج لا يجب في الإسلام إلا مرة واحدة، وهذا قد هدم ما تقدم من أمر إسلامه، فدخل في الإسلام حديثا، فرأى هؤلاء أن عليه أن يؤدي الحجة مرة أخرى بعد توبته وعودته إلى الإسلام، ومنهم من قال إن ذلك لا يلزمه، لحديث: «مَنْ أَشْرَكَ سَاعَةً أُحْبِطَ عَمَلُهُ، فَإِنْ تَابَ جُدِّدَ لَهُ الْعَمَلُ» فرأوا أنه لا يستثنى من ذلك الحج، فالمسألة فيها خلاف فيما يتعلق بالحج بعد توبته وعودته إلى الإيمان وشهادته أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ـ هل فعلا تارك السنن خسيس المنزلة ولا يدخل الجنة؟ إذا كان كذلك فكيف نتعامل مع الحديث الذي فيه أن إعرابيا قال للرسول صلى عليه وسلم، بعد أن سأله عما فرض عليه قال: «لا أتطوع بشيء آخر ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق».
أولا لنفهم معنى «خسيس المنزلة» هذا الوصف عمد إليه علماء الإباضية رضوان الله تعالى عليهم فيمن داوم مصرا على ترك السنن المؤكدة، ولا يطلقونه على من ترك عموم السنن والنوافل، وهذا الوصف لا بد أن يفهم من صنيع علمائنا بما ورد عندهم من قيود فيه، فقالوا أن يكون ذلك على سبيل المداومة، وأن يكون معرضا عن السنن المؤكدة، ولا عذر له في تركه لهذه السنن المؤكدة، لكنهم قالوا إنه لا يستحق الولاية إن لم تسبق له ولاية، ولا يخرج منها إلى البراءة إن سبقت له ولاية، وهذا يعني أنها ليست من الأمور المهلكة، فهذا تعبير اصطلاحي وليس تعبير شرعي، فقط للتشديد والإغلاظ على من يتعمد ترك السنن المؤكدة، ولعلهم رأوا أن ذلك يكشف عن تنكره لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة المؤكدة التي داوم عليها عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا لا يفعله إلا من كان دنيء النفس بعيدا عن مراشد الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتكون فيه رقة في دينه، ولا يزكي نفسه، فيكون عرضة للوقوع في الشبهات وليس له مدد إيماني يعينه على مواجهة شهوات الحياة الدنيا وأهواء نفسه، فيكون عرضة لذلك بسبب تركه للسنن المؤكدة.
ويقرب هذا الوصف مما صنعه أيضا المحدثون في باب الجرح والتعديل، فتجد أوصافا يكون وقعها شديدا على القارئ أو السامع لكنهم أرادوا تمحيص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجد أيضا في باب القضاء عندما يتحدثون عن خوارم المروءة، فيصفون بعض الأعمال بأنها تخرم المروءة فهذا يعني أن الواقع فيها أن مروءته قد انخرمت، وقد يغلظون فيردون شهادته، فهذه أوصاف يختارها الفقهاء والمحدثون، في أبواب التزكية في الشهادات في القضاء، لكن لا ينبغي التوسع في استعمالاتها، والله تعالى أعلم.
أولا للتصحيح، هذا القضاء هو ليس بين النبيين والشهداء، فالضمير في «وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ» لا يعود للنبيين والشهداء، وإنما يعود للآية التي قبلها في قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ» أي قضي بين الخلائق من في السماوات والأرض، ومعنى النبيين واضح، ولكن معنى الشهداء هو الذي فيه شيء من الخلاف، فمن المفسرين من يقول إن الشهداء هم الملائكة، فهم الذين يشهدون على الخلق، وهم الذين كانوا يسجلون أعمالهم لتعرض يوم القيامة عليهم فيحاسبون، ومنهم من يقول إن الشهداء هم كل من جعلهم الله تبارك وتعالى شهداء على الناس، فربنا تبارك وتعالى يقول: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا» ويقول: «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» وجعل من جوارحنا شهداء علينا، إذن كل ما سيؤدي الشهادة للخلق أو عليهم يوم القيامة فإنه يجاء به.
وإن كان السائل يشير إلى الفرق بين الشاهد والشهيد، وبين الجموع الشهداء والشهود والشاهدين، فهذه المسألة مما طال فيها الحديث عند علماء التفسير واللغة، أي فيما يتعلق بالاستعمال القرآني، وأحسن ما يمكن أن يوجه به الفرق بين استعمال شاهد وشهيد هو ما يؤخذ من صيغة كل وصف منهما، لأن شاهد على وزن فاعل، وشهيد على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، والفرق بين وصف فاعل ووصف فعيل، هو أن وصف «فعيل» المعنى متمكن فيه أكثر، فالمعنى أقوى وأكثر دلالة، ولا يستحق هذا الوصف من صدر منه ذلك لمرة واحدة إلا إذا كانت هذه المرة ممتدة طويلة وكان موضوع الشهادة ومحلها محلا متمكنا فهذا يمكن أن يوصف بأنه شهيد، وأما الشاهد فلقضية أو لمسألة، فيشهد وينتهي دوره بحصول تحقق الوصل للمرة الواحدة. والله تعالى أعلم.
ـ ما حكم بقاء الزوجة عند المرتد، وإذا كان قد حج قبل أن يرتد ثم تاب هل عليه أن يعيد حجته؟
إذا ثبتت عليه الردة فإن امرأته لا تبقى تحته، وتنفصل العلاقة الزوجية بينهما، لأن المسلمة لا تكون تحت الكافر، والمرتد يعني أنه انتقل من الإسلام إلى الكفر، فتسري عليه أحكام المشركين، ومن أحكام المشركين أن المشرك لا يكون زوجا للمرأة المسلمة، أما عن حجته ففيها خلاف، إذا تاب هل يلزمه أن يعيد الحج لأن الحج لا يجب في الإسلام إلا مرة واحدة، وهذا قد هدم ما تقدم من أمر إسلامه، فدخل في الإسلام حديثا، فرأى هؤلاء أن عليه أن يؤدي الحجة مرة أخرى بعد توبته وعودته إلى الإسلام، ومنهم من قال إن ذلك لا يلزمه، لحديث: «مَنْ أَشْرَكَ سَاعَةً أُحْبِطَ عَمَلُهُ، فَإِنْ تَابَ جُدِّدَ لَهُ الْعَمَلُ» فرأوا أنه لا يستثنى من ذلك الحج، فالمسألة فيها خلاف فيما يتعلق بالحج بعد توبته وعودته إلى الإيمان وشهادته أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
ـ هل فعلا تارك السنن خسيس المنزلة ولا يدخل الجنة؟ إذا كان كذلك فكيف نتعامل مع الحديث الذي فيه أن إعرابيا قال للرسول صلى عليه وسلم، بعد أن سأله عما فرض عليه قال: «لا أتطوع بشيء آخر ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق».
أولا لنفهم معنى «خسيس المنزلة» هذا الوصف عمد إليه علماء الإباضية رضوان الله تعالى عليهم فيمن داوم مصرا على ترك السنن المؤكدة، ولا يطلقونه على من ترك عموم السنن والنوافل، وهذا الوصف لا بد أن يفهم من صنيع علمائنا بما ورد عندهم من قيود فيه، فقالوا أن يكون ذلك على سبيل المداومة، وأن يكون معرضا عن السنن المؤكدة، ولا عذر له في تركه لهذه السنن المؤكدة، لكنهم قالوا إنه لا يستحق الولاية إن لم تسبق له ولاية، ولا يخرج منها إلى البراءة إن سبقت له ولاية، وهذا يعني أنها ليست من الأمور المهلكة، فهذا تعبير اصطلاحي وليس تعبير شرعي، فقط للتشديد والإغلاظ على من يتعمد ترك السنن المؤكدة، ولعلهم رأوا أن ذلك يكشف عن تنكره لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة المؤكدة التي داوم عليها عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا لا يفعله إلا من كان دنيء النفس بعيدا عن مراشد الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتكون فيه رقة في دينه، ولا يزكي نفسه، فيكون عرضة للوقوع في الشبهات وليس له مدد إيماني يعينه على مواجهة شهوات الحياة الدنيا وأهواء نفسه، فيكون عرضة لذلك بسبب تركه للسنن المؤكدة.
ويقرب هذا الوصف مما صنعه أيضا المحدثون في باب الجرح والتعديل، فتجد أوصافا يكون وقعها شديدا على القارئ أو السامع لكنهم أرادوا تمحيص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجد أيضا في باب القضاء عندما يتحدثون عن خوارم المروءة، فيصفون بعض الأعمال بأنها تخرم المروءة فهذا يعني أن الواقع فيها أن مروءته قد انخرمت، وقد يغلظون فيردون شهادته، فهذه أوصاف يختارها الفقهاء والمحدثون، في أبواب التزكية في الشهادات في القضاء، لكن لا ينبغي التوسع في استعمالاتها، والله تعالى أعلم.