يعد الوارث بن كعب الخروصي هو أول أئمة بني خروص، وقد بويع له بالإمامة في نزوى في عام 179هـ، وكان هذا الإمام التقي قبل أن تتم مبايعته بالإمامة تأتيه بشارات بتوليه هذا الأمر، فقد كانت تأتيه رؤى كثيرة تبشره وتهيئه لتقبل هذا الأمر، ومن الروايات التي ترويها الكتب التي تناولت سيرته الزكية، أنه كان يعمل في مزرعته في قرية «الهجار» في وادي بني خروص، فسمع صوتا يناديه ولا يرى أحدا، يقول له: اترك حرثك وسر إلى نزوى وأقم الحق بها، فظن أنها من التهيؤات فذهب ليصلي ثم عاد لحراثته، فسمع الصوت يناديه ثانية وثالثة، قال الوارث: «من ينصرني وأنا رجل ضعيف»، فقال الصوت: «تنصرك جنود الله»، وكان الوارث ممسكا بـ«المجز» فقال: إن كان ذلك حقا فليكن مصاب مجزي هذا ينبت ويحضر من الشجرة التي أصله منها، فغرسه في الأرض فنبتت شجرة الليمون، ولا يزال بستان الليمون الذي تركه الإمام الوارث بن كعب في قرية «الهجار» قائما إلى اليوم منذ ما يزيد عن 1250 عاما.

وكانت أحوال عمان بعد وفاة الإمام الجلندى يسودها الظلم والجور فقد تسلط الحكام من بني الجلندى الذين كانوا تابعين للدولة العباسية على الرعية، فكانوا يأخذون أموال الناس بغير حق ويسفكون دمائهم، ومضى على هذا الحال 44 عاما، وكان أهل الحل والعقد قد انتخبوا قبل الإمام الوارث الإمام محمد بن أبي عفان، ولكنه لم يسر سيرة حسنة بين الناس، فقام العلماء بعزله وتنصيب الإمام الوارث بن كعب الخروصي بدلا منه، وكان أصحاب الحل والعقد يقودهم العلامة الشيخ موسی بن أبي جابر الأزكوي، واستطاع بحنكته ودهائه أن يعزل محمد بن أبي عفان بطريقة ذكية حفظا للدماء ولكي لا تنشق عصا القوم وتتفرق كلمتهم، فقام بتنصيب الوارث بن كعب إماما للمسلمين على عمان بعد أن أخرج محمد بن أبي عفان من نزوى.

وقال العلامة أبو الحسن البسيوي في سيرة الإمام الوارث: «بايعوا الوارث بن كعب على ما بويع به أئمة العدل، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والشراء في سبيل الله، وإظهار الحق، وإخماد الباطل، والجهاد في سبيل الله، وقتال الفئة الباغية وكل فرقة امتنعت من الحق حتى تفيء إلى أمر الله لا يستحلون منهم غنيمة مال ولا سبي عيال وانتحال هجرة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يسمون بالشرك أهل القبلة ما بينوا الشهادتين قال: فقام الوارث بالحق ما شاء الله والمسلمون عنه راضون وله مؤازرون وعليه مجتمعون ولمن امتنع من طاعته مفارقون».

وبعد أن استقرت إمامة المسلمين، وسار فيهم الإمام الوارث سيرة حسنة، أرادت الدولة العباسية أن ترجع عمان تابعة لها مرة أخرى، فجهز هارون الرشيد جيشا قوامه 6 آلاف مقاتل وجعل في قيادته ابن عمه ونسيبه عيسى بن جعفر، وذلك لإخضاع عمان، ومن المعلوم انتماء آل المهلب لعمان، فعندما شاع الخبر عندهم في بغداد من أن هذا الجيش سيتم إرساله لقتال العمانيين، قام داود بن يزيد بن حاتم المهلبي بإرسال رسالة عاجلة إلى والي الإمام على صحار مقارش بن محمد اليحمدي يخبره فيها أن الجيش العباسي متوجه لقتالكم، فاستعدوا له، فأرسل والي صحار إلى الإمام يخبره بأمر الجيش العباسي، فأرسل له الإمام الوارث جيشا قوامه 3 آلاف جندي وجعل والي صحار مقارش بن محمد اليحمدي هو القائد.

وقد انطلق الجيش العباسي من ميناء البصرة ووصل على السواحل الشمالية لعمان، وبدأ القائد العباسي عيسى بن جعفر يعيث في الأرض فسادا فقام بقتل الناس ونهب الأموال، فتصدى له جيش الإمام في قرية «حتا» والتحم الجيشان في معركة طاحنة، استبسل فيها العمانيون وأظهروا شراسة في القتال على الرغم من أن عدد الجيش العباسي ضعف عددهم، فاستطاعوا دحر الجيش العباسي وأعملوا فيه السيف حتى انهزموا فركبوا البحر فارين بأرواحهم، ولكن الجيش العماني لم يتركهم لحالهم، فقام القائد العماني أبو حميد بن فلج الحداني السلوتي، بملاحقة عيسى بن جعفر وفلول جيشه في البحر من خلال ثلاث سفن حتى تم محاصرتهم والقضاء عليهم، ووقع عيسى بن جعفر في الأسر بعدما استطاع أبو حميد مبارزته والإطاحة به وسلب سيفه وتقييده وإرجاعه إلى صحار ليتم سجنه في حصنها انتظارا لأوامر الإمام وما سيقرره.

وقد اجتمع الإمام بالعلماء وأهل الحل والعقد ليشاورهم في مصير عيسى بن جعفر، فقام فيهم خطيبا وقال: «يا أيها الناس إني قاتل عيسى بن جعفر، فمن كان معه قول فليقل»، فرد عليه الشيخ علي بن عزرة وهو أحد كبار الفقهاء: «إن قتلته فواسع لك، وإن تركته فواسع لك»، فتركه الإمام سجينا في صحار، ولكن مجموعة من العمانيين، لم يعجبهم هذا الأمر، فكيف مثل جعفر بن عيسى يظل سجينا، في حين أنه قتل الكثير من العمانيين، وقد أتى غازيا متعديا على البلاد وأهلها، وهذا القرار أثار حفيظة أحد قادة الجيش العماني واسمه يحيى بن عبدالعزيز فاقتحم السجن وقتل عيسى بن جعفر انتقاما لمقتل الكثير من الأبرياء.

فغضب الإمام الوارث بن كعب حينما علم بالحادثة كما تقول الروايات: «وأراد بذلك معاقبة مرتكبها، ولكن العديد من الفقهاء والعلماء كانوا متعاطفين مع ابن عبدالعزيز لاتفاقهم أن عيسى بن جعفر نال القصاص العادل، وأن من قتله لا يلام لجرائمه التي سفك فيها الدماء بغيا، وكان أكثر الداعمين لذلك الشيخ والفقيه بشير بن المنذر الذي أفتى بقوله: «قاتل عيسى ابن جعفر لم تمسه النار».

وقاد استمرت إمامة الوارث بن كعب 12 سنة، وكانت وفاته مشرفة ومفجعة للمسلمين، ففي أحد الأيام نزل مطر شديد على ولاية نزوى، وسال وادي «كلبوه» بغزارة وكان السجن يوجد على ضفة هذا الوادي، فعندما رأى الوارث أن الماء آخذ في الازدياد خشي على أرواح المساجين، فدعا الجنود لتحريرهم، ولكن لم يغامر أحد باجتياز الوادي والوصول إليهم، فقال أنا سأذهب لإنقاذهم، وقال: «أنا المسؤول عنهم يوم القيامة»، وذهب معه بعض أصحابه، ولكن شاءت أقدار الله أن يغرقه وادي كلبوه هو وأصحابه والمساجين، وعندما نزل منسوب الماء وجدوا جثمانه وقد فارق الحياة، وقد تنازع الناس من أهالي قريتي العقر وسعال فكل يريد أن يدفن الإمام في قريته، فوصلوا إلى صلح بأن يدفن في المكان الذي عثر عليه على ضفة الوادي، ولا يزال قبره في ذلك المكان.