أفكرُ بالنساء والعجائز اللاتي يعبرن حياتنا بشكل يومي، المالكات لقليل من ذهب الزينة الذي يرتدينه كذكرى من أزواج أو أبناء، أو ربما اشترينه من مال ادخرنه لسنوات طوال، أتحدثُ عن النساء اللاتي لا يتمتعن بدخل ثابت أو راتب شهري، ويعتمدن على ما تجود به الأيدي البارة. النساء البسيطات اللاتي يقرِن دفع زكاة ذهبهن بحلول شهر رمضان، لأفضال الشهر المبارك من جهة، ولإبعاد شبح النسيان عن أمانة يُكافحن لتأديتها على أكمل وجه من جهة أخرى.
نحن لسنا بصدد التحدث عن كانزات الذهب والفضة الفائض عن الحاجة وما يستودعنه في الخزائن أو البنوك، وإنّما عن النساء المُعدمات الفقيرات، اللاتي لا يملكن -في الأصل- مالا لسداد الزكاة، وقد يحملهنّ الأمر لاستلاف المال من الأبناء أو الأزواج لقاء عدم التضحية بتلك الزينة اليسيرة التي تتدلى من رقابهن أو تُحدثُ صوتا في معاصمهنّ، أو تُضيء بلمعة خافتة فوق تجاعيد أصابعهنّ. حيثُ يختزنُ بعض ذهب الزينة قيمة معنوية أكثر بكثير من تمثلاته المادية، لا سيما لو ورثنه من أحبة غادروا الحياة، ولذا لستُّ على يقين إنّ كان يُنظر بشيء من الرأفة لهذا البُعد المعنوي الذي يمثله ذهب الزينة؟
سمعتُ مرّة قصّة عن امرأة عجوز حان وقت زكاة ذهبها، ولأنّها لم ترغب في استجداء أبنائها باعت شيئا من ذهبها القليل لتُخرج زكاته. ولعلي أسأل مجددا: إن كان تشريع الزكاة قائما على فكرة أن يُخرجها المُقتدر والمتمتع بالوفرة للفقير والمحتاج؟ فإنّ هؤلاء النسوة وإن امتلكنّ القليل من الذهب فقد عاملنه كما يُعاملن الملبس وحسب، وكأنّه كلّ حيلتهن، أفلا تتبدى هذه الزكاة كمشقة؟ فهن مُستحقات لها أكثر منهن قادرات على سدادها؟!
أحاول التفكير بالأمر ضمن أبعاد إنسانية في وقت يلتبسُ فيه مفهوم «الفقير» أمام المُتغيرات التي تعصفُ بالحياة، فإن كان الفقير هو الذي لا يجد قوت يومه في بلد، فيمكن أن يكون الفقير في مكان آخر هو الذي لا يملكُ تلفازا مثلا أو فرن غاز أو غسالة كهربائية!
وبحسب قراءتي المتواضعة، فقد اجتمعت الآراء حول الذهب المكنوز، إلا أنّها اختلفت بشأن ذهب الزينة، فقد رأى جمهور من العلماء أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يُخرجهما من الأموال الزكوية؛ لأن الحليّ مالٌ غير قابل للنماء، وذهب فريق آخر إلى وجوب الزكاة في الحليّ إذا بلغ النصاب ولو أنه مستعمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار؛ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره».
بل إنّ بعض الأمهات يدفعن زكاة ذهب بناتهنّ مضافا لذهبهن، وهنّ إن يفعلن ذلك تقربا إلى الله سبحانه وتعالى، إلا أنّ بعضهنّ يُكلفن أنفسهنّ ما لا طاقة لهنّ به، لا سيما من منّ الله عليها بعدد من الفتيات.
وقد سُئل أحد الفقهاء عن رجل عنده بنات، أعطاهن حليًّا، ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب، فهل يجمع الحلي جميعا ويزكَّى؟ فأجاب: «إن كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل الإعارة فالحلي ملكه، ويجب عليه أن يجمعه جميعا، فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنّه ملك لهن، فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى».
نعلم أنّ هذا الدين دين يُسر، ولعلّ ما ورد هنا لا يعدو أن يكون استفهاما أو تأملا في حياة الناس أكثر مما قد يختزن إجابة جاهزة! ويبقى أن نقول: اختلاف آراء العلماء حول مسائل الدين فيه خير ورحمة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
نحن لسنا بصدد التحدث عن كانزات الذهب والفضة الفائض عن الحاجة وما يستودعنه في الخزائن أو البنوك، وإنّما عن النساء المُعدمات الفقيرات، اللاتي لا يملكن -في الأصل- مالا لسداد الزكاة، وقد يحملهنّ الأمر لاستلاف المال من الأبناء أو الأزواج لقاء عدم التضحية بتلك الزينة اليسيرة التي تتدلى من رقابهن أو تُحدثُ صوتا في معاصمهنّ، أو تُضيء بلمعة خافتة فوق تجاعيد أصابعهنّ. حيثُ يختزنُ بعض ذهب الزينة قيمة معنوية أكثر بكثير من تمثلاته المادية، لا سيما لو ورثنه من أحبة غادروا الحياة، ولذا لستُّ على يقين إنّ كان يُنظر بشيء من الرأفة لهذا البُعد المعنوي الذي يمثله ذهب الزينة؟
سمعتُ مرّة قصّة عن امرأة عجوز حان وقت زكاة ذهبها، ولأنّها لم ترغب في استجداء أبنائها باعت شيئا من ذهبها القليل لتُخرج زكاته. ولعلي أسأل مجددا: إن كان تشريع الزكاة قائما على فكرة أن يُخرجها المُقتدر والمتمتع بالوفرة للفقير والمحتاج؟ فإنّ هؤلاء النسوة وإن امتلكنّ القليل من الذهب فقد عاملنه كما يُعاملن الملبس وحسب، وكأنّه كلّ حيلتهن، أفلا تتبدى هذه الزكاة كمشقة؟ فهن مُستحقات لها أكثر منهن قادرات على سدادها؟!
أحاول التفكير بالأمر ضمن أبعاد إنسانية في وقت يلتبسُ فيه مفهوم «الفقير» أمام المُتغيرات التي تعصفُ بالحياة، فإن كان الفقير هو الذي لا يجد قوت يومه في بلد، فيمكن أن يكون الفقير في مكان آخر هو الذي لا يملكُ تلفازا مثلا أو فرن غاز أو غسالة كهربائية!
وبحسب قراءتي المتواضعة، فقد اجتمعت الآراء حول الذهب المكنوز، إلا أنّها اختلفت بشأن ذهب الزينة، فقد رأى جمهور من العلماء أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يُخرجهما من الأموال الزكوية؛ لأن الحليّ مالٌ غير قابل للنماء، وذهب فريق آخر إلى وجوب الزكاة في الحليّ إذا بلغ النصاب ولو أنه مستعمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار؛ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره».
بل إنّ بعض الأمهات يدفعن زكاة ذهب بناتهنّ مضافا لذهبهن، وهنّ إن يفعلن ذلك تقربا إلى الله سبحانه وتعالى، إلا أنّ بعضهنّ يُكلفن أنفسهنّ ما لا طاقة لهنّ به، لا سيما من منّ الله عليها بعدد من الفتيات.
وقد سُئل أحد الفقهاء عن رجل عنده بنات، أعطاهن حليًّا، ومجموع حليهن يبلغ النصاب، وحلي كل واحدة بمفردها لا يبلغ النصاب، فهل يجمع الحلي جميعا ويزكَّى؟ فأجاب: «إن كان أعطاهن هذا الحلي على سبيل الإعارة فالحلي ملكه، ويجب عليه أن يجمعه جميعا، فإذا بلغ النصاب أدى زكاته، وإن كان أعطى بناته هذا الحلي على أنّه ملك لهن، فإنه لا يجب أن يجمع حلي كل واحدة إلى حلي الأخرى؛ لأن كل واحدة ملكها منفرد عن الأخرى».
نعلم أنّ هذا الدين دين يُسر، ولعلّ ما ورد هنا لا يعدو أن يكون استفهاما أو تأملا في حياة الناس أكثر مما قد يختزن إجابة جاهزة! ويبقى أن نقول: اختلاف آراء العلماء حول مسائل الدين فيه خير ورحمة.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى