ترجمة - قاسم مكي -

كثيرا ما قيل لنا أن الولايات المتحدة تعاني انقساما عميقا وأن الاستقطاب يجعل من المستحيل تحقيق أي تقدم في السياسات وأن الصراع الداخلي يحتدم في بلادنا إلى حد لا يمكِّنها من إظهار وحدتها وقوتها للعالم.

لكن المشكلة أقرب إلى أن تكون على النقيض من ذلك حول أهم قضية سياسة خارجية تواجه واضعي السياسات. فواشنطن تبنَّت إجماعا واسع النطاق حول الصين تحوَّل إلى مثال كلاسيكي للتفكير الجماعي.

مشاهدة جلسة استماع اللجنة المختارة الجديدة حول الصين بمجلس النواب يوم الثلاثاء 1 مارس تعود بك إلى سنوات الخمسينيات. فأعضاء كلا الحزبين كانوا يتنافسون في إداناتهم للصين. لقد وصفوا الحزب الشيوعي (كما فعل ذلك رئيس اللجنة مايك جالاجر) بالمهدد «الوجودي» وحمَّلوه المسؤولية المباشرة عن كل مشكلة في الولايات المتحدة من تعاطي المخدرات إلى كوفيد-19 إلى البطالة. (هذه الأخيرة تهمة غريبة نظرا إلى أن البطالة هناك الآن عند أدنى معدل لها منذ أكثر من 50 عاما).

يمكن صرف النظر عن بعض هذه الأقوال الخطابية الأكثر تطرفا باعتبارها جزءا من ممارسات لفت الانتباه المعتادة في الكونجرس. لكنها توجد دينامية تعقِّد السياسة العقلانية.

لنفكر فيما حدث قبل أسابيع قليلة. فرئيس الولايات المتحدة فيما لا يمكن وصفه إلا بالذعر أمر القوات المسلحة الأمريكية بإسقاط ثلاثة مناطيد لم تشكل تهديدا لأي أحد. وهي ربما كانت مناطيد خاصة تتعلق بمراقبة الأحوال الجوية ولا تختلف عن مئات الأشياء الشبيهة بها والتي تحلق في الفضاء حول العالم. إنها من نوع المناطيد التي يستخدمها الهواة وأندية الرصد الجوي ويمكن أن تكلف ما لا يزيد عن 12 دولارا. أما الصواريخ التي استخدمت لإسقاطها فقد كلفت أكثر من 400 ألف دولار. لقد صدر الأمر بإطلاق النار عليها طبعا حتى لا يدعي أي أحد أن بايدن كان ضعيفا أمام الصين.

الصين منافس استراتيجي خطير وأهم قوة عظمى منافسة واجهتها الولايات المتحدة على مدى عقود. وذلك هو السبب الأكثر مدعاة لواشنطن كي تشكل سياسة خارجية عقلانية ومدروسة تجاهها بدلا من سياسة يصوغها الرّهاب (الخوف المرضي) والهستيريا وقبل ذلك المخاوف من وصمها بالضعف. فكلما صيغت السياسات في مثل هذه الظروف كما في حالتي فيتنام والعراق كلما اتضح سوءها.

في عام 2003 عندما حاول توم داشَل زعيم الأقلية الديمقراطية وقتها في مجلس الشيوخ المرافعة عن اللجوء إلى المزيد من الدبلوماسية قبل الحرب مع العراق أشار دينيس هاسترت رئيس مجلس النواب إلى أن داشل يخدم العدو بذلك. على نحو مماثل تحدثت اللجنة المختارة للصين عن أولئك الذين تجرأوا على الدعوة لتحسين العلاقات مع بيجينج.

قبل ست سنوات وفي الفترة التي سبقت تولي دونالد ترامب السلطة كان من الممكن وصف وضع العلاقات الأمريكية الصينية بالتعقيد بل حتى التوتر. لكن كان من الممكن إدارتها بالحوار المنتظم بين البلدين عند أعلى المستويات. وعندما واجهت واشنطن الصين في قضايا معينة مثل التلاعب بالعملة والتجسس الاقتصادي كانت الصين تبذل بعض الجهود لمعالجة ما أثارته تلك الاتهامات.

اليوم العلاقات الأمريكية الصينية في فوضى. فالصين تواصل عمل أشياء تخيف واشنطن لكن لا يوجد حوار بين الجانبين.

بيجينج نشطة في دعم روسيا اقتصاديا ودبلوماسيا في حربها في أوكرانيا. وإذا اتسع ذلك الدعم ليشمل المساعدات العسكرية ستحصل روسيا على إمداد غير محدود تقريبا من الأسلحة الأمر الذي سيُحدث تحولا في مسار الحرب.

قدمت زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي في أغسطس إلى تايوان فرصة ذهبية لجيش التحرير الشعبي لإجراء تمرين حصار للجزيرة استمر عدة أيام. وهو شكل التدخل العسكري الأكثر احتمالا في حال نشوب أزمة.

إذا زار رئيس مجلس النواب الحالي كيفن مكارثي تايوان غالبا ما سيستخدم جيش التحرير الشعبي الزيارة كذريعة لممارسة استراتيجية حصار أطول أمدا وأكثر اكتمالا تظهر أنه يمكنه عزل تايوان متى شاء.

ما هو أكثر إثارة للقلق أن الصين شرعت في برنامج خطير لتحديث قدراتها النووية. فبيجينج لعقود اعتبرت ترسانتها النووية الصغيرة التي تشمل حوالي 200 رأس نووي قوة ردع كافية. كما أكَّد الصينيون بانتظام على مبدأ «عدم المبادرة باستخدام السلاح النووي».

اليوم يُقدَّر مخزون الصين بأكثر من 400 رأس نووي وهي في سبيلها لزيادة ذلك العدد إلى ثلاثة أضعاف. في الأثناء تخلت روسيا عمليا عن محادثات ومعاهدات السيطرة على التسلح النووي مع الولايات المتحدة. وكما سبق أن ذكرت نحن نواجه عصرا نوويا يوجد فيه تحالف وثيق بين ترسانتين من أكبر ثلاث ترسانات نووية على ظهر الكوكب. وهما في الغالب تستهدفان الولايات المتحدة بصواريخهما النووية. إلى أي حد ظهور هذا العصر النووي الجديد يبدو حتميا؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال.

لقد تعاظمت قوة الصين منذ عام 2000. وقتها كانت تشكل 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. واليوم بلغت هذه النسبة 18%. بل تزايد إنفاقها العسكري بأسرع من ذلك. وشي جينبينج زعيمٌ أشد بأسا إلى حد بعيد من أسلافه.

لكن صحيح أيضا أن سياسة الولايات المتحدة تغيرت. فاليوم لدينا اعتقاد قوي يشترك فيه الحزبان بالخطر «الوجودي» المزعوم الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني. وهو ما يعني ضمنا أن تغيير نظام الحكم (في الصين) سيكون الحل الوحيد لهذه المشكلة.

لكن هل أوجد هذا الإجماع المريح (بين الديمقراطيين والجمهوريين) عالما أكثر أمنا للأمريكيين وللآخرين؟ أم نحن ننحدر في مسار يأخذنا نحو عقود من سباقات التسلح والأزمات وربما حتى الحرب؟

فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن إن.