أكثر ما يشغل الأمم الناجحة، دائما، هو كيف تنشّئ الأجيال الجديدة وتهيئها لتكون قادرة على تحمل مسؤولية المستقبل، وبناء مساراته وفق رؤية تراكمية. وأعظم ما يمكن أن تُعدّ به الأجيال هو «العلم»، فالعلم وحده الذي يصنع المستقبل، ويصنع الفارق في حياة أي أمة، ووحده الذي يضيء دياجير الظلام في هذا الكون الشاسع.

والواضح عمليا لدى الجميع في سلطنة عمان أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، مهتم جدا ومشغول بقضايا تنشئة أجيال عُمان لتكون قادرة على حمل لواء المستقبل لهذا البلد العريق في عالم شديد التسارع والتقلبات والاستقطابات الحضارية، سواء كانت تلك التنشئة أخلاقية، كما أكدّ، أعزه الله، في غير مناسبة، أو تعليمية، كما هو واضح وجلي في الكثير من المناسبات التي كان آخرها اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد يوم أمس والذي أقر فيه المجلس مسارات تعليمية ومناهج جديدة، وإعادة هيكلة السلم الدراسي للنظام التعليمي بدءا من العام القادم وبشكل تدريجي بحيث يبدأ تطبيق نظام التعليم المهني والتقني وبما يتواكب ومتطلبات التنمية المستدامة ومهارات المستقبل.

هذا الموضوع غاية في الأهمية، فالأمم تُبنى أخلاقيا وعلميا، وإذا كانت الأخلاق الإسلامية الأصيلة التي ينتمي لها المجتمع العماني ثابتة ويعتز بها الجميع وتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، فإن العلم متطور، وتطوره بات لحظيا ولذلك لا بد للمؤسسة التعليمية أن تواكب هذا التسارع مستفيدة من الدراسات العلمية في هذا الشأن والتي جاء أغلبها من الميدان التعليمي، ومستفيدة كذلك من الوسائل التعليمية الحديثة والمتطورة.

إن العالم الذي نعيشه اليوم والمستقبل الذي نرسم خطوطه له متطلبات جديدة، لم تكن منظورة قبل عقدين من الزمن، والتنمية التي تحتاجها بلادنا في المرحلة القادمة لها متطلبات جديدة تحتاج إلى مسارات تعليمية مختلفة، والمستقبل بأكمله بحاجة إلى مهارات مختلفة تماما عن مهارات يومنا هذا وفي كل مجالات الحياة. وهذا كله يتطلب إعادة بناء مسارات تعليمية جديدة ومناهج جديدة.

وفي موازاة ذلك فإن الحاجة ملحة أيضا إلى الاهتمام بشكل أكبر بإعداد المعلمين القادرين على مواكبة هذه المسارات. والمعلم الذي أشاد بمكانته ودوره في تنشئة الأجيال حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم، حفظه الله، سيكون له الدور الأكبر في بناء هذه المنظومة التعليمية بكل مساراتها ومناهجها وسيكون ركيزة أساسية في مسار تطبيقها كما كان على الدوام.

وكل هذا يُشعرنا بأن عُمان، كما كانت دائما، متجددة ومتواكبة مع العصر ومتغيراته بشكل سريع ولكن بنفس الرؤية العمانية الثقيلة والراسخة.