(1)
تقول الصحافة: «سقوط 17 قتيلا في البيرو في صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن»، و«مقتل 18 شخصا اختناقا بالغاز في الجزائر».
أردت أن أعرف المزيد من المعلومات عن ملابسات ضحايا الغاز، فضغطت على الرابط الإلكتروني في موقع الصحيفة، وكانت النتيجة أنني أصبحت القتيل رقم 19.
(2)
إذا قلتُ إن قلبي على اليمن فسيقال لي: لماذا لم تقل إن قلبك على سوريا؟
وإذا قلت إن قلبي على سوريا، سيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على فلسطين؟
وإذا قلت إن قلبي على فلسطين، سيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على ليبيا؟
وإذا قلت إن قلبي على ليبيا، فسيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على تونس؟
وإذا، وإذا، وإذا...
لقد ضاع قلبي لفرط ما وضعت عليه يدي:
«ينظر الأطفال إلى خريطة الوطن العربي/
فيهلعون» (قاسم حدَّاد).
(3)
الأم والأب: فضيلة أصغر الأبناء (فقط).
(4)
الموت كذبة كبيرة (ينبغي تصديقها، لكن ليس لأكثر من مرَّة واحدة فقط).
(5)
الأنوثة ليست الغنج، وليست المعراج، وليست القنديل.
الأنوثة هي الأنوثة.
بكلمات أخرى: الأنوثة هي تفسير الماء بالماء.
(6)
لم يكن يقطن في مدينة، بل في شقَّة في بناية.
لكنه لم يكتشف ذلك حين خرج إلى المدينة، بل حين ذهب إلى البياض.
(7)
الجهل شيء سيء، وشنيع، وفظيع بما فيه الكفاية، لكن التَّجهيل وفرضه شيء آخر.
ما هو أكثر سوءا، وشناعة، وفظاعة من الجهل تعليمه، وتنظيمه، ومَنْهَجَته، ونشره، وفرضه عبر تحالف كلِّ السلطات التي تعيد إنتاج حكاية الثور الأبيض، والأسود، والأحمر عبر منصَّات لا ينافسها فيها أحد (وهذا بالضبط هو ما يحدث الآن، من على أعلى المنابر مباشرة).
(8)
الحقيقة شيء (موضوع جدال فلسفي منذ زمن الإغريق)، والواقع شيء (ليست هناك نهاية له)، وما يمكن أن يكون «الواقع» ليس «حقيقة» نهائيَّة.
«الشِّيبه العود»، كارل ماركس يستطيع أن يُسعفنا هنا: «لقد اعتقدت دوما بالتَّضارب الصارخ بين ما هي الأشياء عليه، وبين ما ينبغي أن تكون الأشياء عليه» (من رسالة بعثها إلى والده وهو لمَّا يزل طالبا على مقاعد الدراسة الجامعيَّة).
(9)
الاستهداف: لم يعد يكفيهم أن تكون وحيدا في غرفتك وموتك.
قد لا أكون شجاعا (أكثر مما ينبغي)، ولكنهم جبناء (أكثر مما ينبغي).
(10)
«ربما» ينبغي مني أن أكتب عن «ربما» مرة أخرى، وبإيضاح أكبر في هذه المرة:
الكلمة الزَّائدة (مثل تلك الدُّودة السَّخيفة التي تركتها مخلَّفات العصر النَّباتي في الأمعاء الغليظة) -- شِعرًا، ونثرًا، وفي أحاديث الحياة اليوميَّة -- في اللغة العربيَّة المعاصرة هي «رُبَّما»؛ «رُبَّما» لأنه لم يعد لها أي معنى سوى الشُّبهة، والاشتباه، ليس لركاكتها، ومجَّانيَّتها، وسوقيَّتها فحسب؛ ولكن لأنها أصبحت كذلك مفردةً أداتيَّة في وضع «الاحتمالات» و«وجهات النَّظر»، و«التَّمييع»، و«التَّدهين»، و«المُداهنة»، و«المساومات».
لم تعد «رُبَّما» تقول أي شيء (في الشِّعر)، والأسوأ من ذلك أنها (في لغة النَّثر والإعلام) صارت تشكِّكُ في البداهات، واليقينيَّات، والمعطيات التاريخيَّة، والموضوعيَّة.
هاكم، على السبيل المثال لا الحصر، هذه المذيعة الأشبه بـ«دُميَة باربي» التي تظهر في قناة إعلاميَّة عربيَّة مرئيَّة مستضيفة أحد من يسمونهم «الخبراء» للحديث معه في أحد شؤون السَّاعة سائلةً إيَّاه: رُبَّما كانت روسيا تشنُّ حربا على أوكرانيا الآن رُبَّما. ولكن، في المقابل، رُبَّما هناك أيضا فلسطين التي تعاني من الاحتلال منذ 1948 رُبَّما، ورُبَّما قُتِلِ بسبب ذلك آلاف الفلسطينيين، وأيضا رُبَّما هناك آلاف من الجرحى، والمساجين، ورُبَّما أيضاً آلاف من النازحين واللاجئين في مختلف بلدان العالم. ترى، كيف تفسِّر لنا ازدواجيَّة المعايير الدوليَّة في هذا الشَّأن رُبَّما؟
أنا «ربما» لا أستطيع أن أفهم ذلك، «رُبَّما».
(11)
مفروغ منه أن كل سلطة في هذا العالم تصوِّر لمواطنيها أنهم «شعب الله المختار» على الأرض، وأن كل من عداهم إنما جاؤوا إلى هذا الكوكب من أجل الإقرار بالحظوة الاستثنائية التي نالها ذلك الشعب من خلال ماضيه «العريق». وإذا ما نحن فهمنا أهمية الماضي في سرد الدولة فإن ذلك التصوير الشُّوفيني مفهوم إن لم يكن مطلوبا للضرورات السياسيَّة البدهيَّة المعروفة. لكن أن يتحول «المثقفون» (وهم نخبة يفترض أن مهمة النقد والمساءلة منوطة بها) إلى أبواق لدى الجوقة البروباجانديَّة لدوائر العلاقات العامة في مؤسسات السلطة، فذلك أمر ينبغي التوقف عنده قليلا.
ما يحدث هنا هو أن ذلك النوع من «المثقفين» إنما يمارسون خديعة مضاعفة: إنهم، من ناحية، يخونون ثقة الشارع الذي وثق بهم في أمانة أن يكونوا صوته وضميره وبوصلته نحو المستقبل. وهم، من ناحية أخرى، يرسلون إشارة للسُّلطة تقول: نحن هنا، ولا عليك من بعض المناوشات الاستعراضيَّة التي نتظاهر بها بين الحين والآخر من أجل تضليل الشَّارع؛ فنحن موظَّفوك المخلصون وعبيدك الطائعون العاملون على إيقاد الرُّكون الجمعي إلى الماضي التليد، ونريد في مقابل ذلك أن ننال نصيبنا من الكعكة.
بهذا ينخرط «المثقَّفون» في عملية غسيل دماغ وتخدير ممنهجة هدفها تحويل الأنظار عن إخفاقات الحاضر في تلبية الاستحقاقات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة إلخ، وذلك من خلال تنويم رجل الشارع مغناطيسيّا وجعله يمشي مرفوع الرأس جائعا وهو محمول في الهواء على «التُّراث العريق للأجداد» حتى وهو يقضي السنوات بحثا عن خبز وكرامة.
لا أدري حقا ما الذي يمكن أن يفعله التُّراث الفرعونيُّ «العريق» في إمداد سكَّان العشوائيَّات بالخبز واللحم (ومؤخرا أرجل الدجاج التي اتضح أنها مليئة بالبروتينات)، كما أخشى غاية الخشية أن سقراط، وأرسطو، وأفلاطون مجتمعين ليس في مقدورهم تسديد يورو واحد من الديون المستحقَّة على اليونان لميزانيَّة الاتحاد الأوروبي.
يا هذا النوع من «المثقَّفين»: نحن لا نثق بكم.
تقول الصحافة: «سقوط 17 قتيلا في البيرو في صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن»، و«مقتل 18 شخصا اختناقا بالغاز في الجزائر».
أردت أن أعرف المزيد من المعلومات عن ملابسات ضحايا الغاز، فضغطت على الرابط الإلكتروني في موقع الصحيفة، وكانت النتيجة أنني أصبحت القتيل رقم 19.
(2)
إذا قلتُ إن قلبي على اليمن فسيقال لي: لماذا لم تقل إن قلبك على سوريا؟
وإذا قلت إن قلبي على سوريا، سيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على فلسطين؟
وإذا قلت إن قلبي على فلسطين، سيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على ليبيا؟
وإذا قلت إن قلبي على ليبيا، فسيُقال: ولماذا لم تقل إن قلبك على تونس؟
وإذا، وإذا، وإذا...
لقد ضاع قلبي لفرط ما وضعت عليه يدي:
«ينظر الأطفال إلى خريطة الوطن العربي/
فيهلعون» (قاسم حدَّاد).
(3)
الأم والأب: فضيلة أصغر الأبناء (فقط).
(4)
الموت كذبة كبيرة (ينبغي تصديقها، لكن ليس لأكثر من مرَّة واحدة فقط).
(5)
الأنوثة ليست الغنج، وليست المعراج، وليست القنديل.
الأنوثة هي الأنوثة.
بكلمات أخرى: الأنوثة هي تفسير الماء بالماء.
(6)
لم يكن يقطن في مدينة، بل في شقَّة في بناية.
لكنه لم يكتشف ذلك حين خرج إلى المدينة، بل حين ذهب إلى البياض.
(7)
الجهل شيء سيء، وشنيع، وفظيع بما فيه الكفاية، لكن التَّجهيل وفرضه شيء آخر.
ما هو أكثر سوءا، وشناعة، وفظاعة من الجهل تعليمه، وتنظيمه، ومَنْهَجَته، ونشره، وفرضه عبر تحالف كلِّ السلطات التي تعيد إنتاج حكاية الثور الأبيض، والأسود، والأحمر عبر منصَّات لا ينافسها فيها أحد (وهذا بالضبط هو ما يحدث الآن، من على أعلى المنابر مباشرة).
(8)
الحقيقة شيء (موضوع جدال فلسفي منذ زمن الإغريق)، والواقع شيء (ليست هناك نهاية له)، وما يمكن أن يكون «الواقع» ليس «حقيقة» نهائيَّة.
«الشِّيبه العود»، كارل ماركس يستطيع أن يُسعفنا هنا: «لقد اعتقدت دوما بالتَّضارب الصارخ بين ما هي الأشياء عليه، وبين ما ينبغي أن تكون الأشياء عليه» (من رسالة بعثها إلى والده وهو لمَّا يزل طالبا على مقاعد الدراسة الجامعيَّة).
(9)
الاستهداف: لم يعد يكفيهم أن تكون وحيدا في غرفتك وموتك.
قد لا أكون شجاعا (أكثر مما ينبغي)، ولكنهم جبناء (أكثر مما ينبغي).
(10)
«ربما» ينبغي مني أن أكتب عن «ربما» مرة أخرى، وبإيضاح أكبر في هذه المرة:
الكلمة الزَّائدة (مثل تلك الدُّودة السَّخيفة التي تركتها مخلَّفات العصر النَّباتي في الأمعاء الغليظة) -- شِعرًا، ونثرًا، وفي أحاديث الحياة اليوميَّة -- في اللغة العربيَّة المعاصرة هي «رُبَّما»؛ «رُبَّما» لأنه لم يعد لها أي معنى سوى الشُّبهة، والاشتباه، ليس لركاكتها، ومجَّانيَّتها، وسوقيَّتها فحسب؛ ولكن لأنها أصبحت كذلك مفردةً أداتيَّة في وضع «الاحتمالات» و«وجهات النَّظر»، و«التَّمييع»، و«التَّدهين»، و«المُداهنة»، و«المساومات».
لم تعد «رُبَّما» تقول أي شيء (في الشِّعر)، والأسوأ من ذلك أنها (في لغة النَّثر والإعلام) صارت تشكِّكُ في البداهات، واليقينيَّات، والمعطيات التاريخيَّة، والموضوعيَّة.
هاكم، على السبيل المثال لا الحصر، هذه المذيعة الأشبه بـ«دُميَة باربي» التي تظهر في قناة إعلاميَّة عربيَّة مرئيَّة مستضيفة أحد من يسمونهم «الخبراء» للحديث معه في أحد شؤون السَّاعة سائلةً إيَّاه: رُبَّما كانت روسيا تشنُّ حربا على أوكرانيا الآن رُبَّما. ولكن، في المقابل، رُبَّما هناك أيضا فلسطين التي تعاني من الاحتلال منذ 1948 رُبَّما، ورُبَّما قُتِلِ بسبب ذلك آلاف الفلسطينيين، وأيضا رُبَّما هناك آلاف من الجرحى، والمساجين، ورُبَّما أيضاً آلاف من النازحين واللاجئين في مختلف بلدان العالم. ترى، كيف تفسِّر لنا ازدواجيَّة المعايير الدوليَّة في هذا الشَّأن رُبَّما؟
أنا «ربما» لا أستطيع أن أفهم ذلك، «رُبَّما».
(11)
مفروغ منه أن كل سلطة في هذا العالم تصوِّر لمواطنيها أنهم «شعب الله المختار» على الأرض، وأن كل من عداهم إنما جاؤوا إلى هذا الكوكب من أجل الإقرار بالحظوة الاستثنائية التي نالها ذلك الشعب من خلال ماضيه «العريق». وإذا ما نحن فهمنا أهمية الماضي في سرد الدولة فإن ذلك التصوير الشُّوفيني مفهوم إن لم يكن مطلوبا للضرورات السياسيَّة البدهيَّة المعروفة. لكن أن يتحول «المثقفون» (وهم نخبة يفترض أن مهمة النقد والمساءلة منوطة بها) إلى أبواق لدى الجوقة البروباجانديَّة لدوائر العلاقات العامة في مؤسسات السلطة، فذلك أمر ينبغي التوقف عنده قليلا.
ما يحدث هنا هو أن ذلك النوع من «المثقفين» إنما يمارسون خديعة مضاعفة: إنهم، من ناحية، يخونون ثقة الشارع الذي وثق بهم في أمانة أن يكونوا صوته وضميره وبوصلته نحو المستقبل. وهم، من ناحية أخرى، يرسلون إشارة للسُّلطة تقول: نحن هنا، ولا عليك من بعض المناوشات الاستعراضيَّة التي نتظاهر بها بين الحين والآخر من أجل تضليل الشَّارع؛ فنحن موظَّفوك المخلصون وعبيدك الطائعون العاملون على إيقاد الرُّكون الجمعي إلى الماضي التليد، ونريد في مقابل ذلك أن ننال نصيبنا من الكعكة.
بهذا ينخرط «المثقَّفون» في عملية غسيل دماغ وتخدير ممنهجة هدفها تحويل الأنظار عن إخفاقات الحاضر في تلبية الاستحقاقات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة إلخ، وذلك من خلال تنويم رجل الشارع مغناطيسيّا وجعله يمشي مرفوع الرأس جائعا وهو محمول في الهواء على «التُّراث العريق للأجداد» حتى وهو يقضي السنوات بحثا عن خبز وكرامة.
لا أدري حقا ما الذي يمكن أن يفعله التُّراث الفرعونيُّ «العريق» في إمداد سكَّان العشوائيَّات بالخبز واللحم (ومؤخرا أرجل الدجاج التي اتضح أنها مليئة بالبروتينات)، كما أخشى غاية الخشية أن سقراط، وأرسطو، وأفلاطون مجتمعين ليس في مقدورهم تسديد يورو واحد من الديون المستحقَّة على اليونان لميزانيَّة الاتحاد الأوروبي.
يا هذا النوع من «المثقَّفين»: نحن لا نثق بكم.