تعد جامعة السلطان قابوس التي افتتحت عام 1986 بداية تحول حقيقي في تاريخ هذا البلد العريق، وتجربتي مع هذه الجامعة التي عاصرت نشأتها ونجاحاتها ستظل موضع فخار لكل من التحق بالعمل في هذه الجامعة الفتية التي نقلت عمان إلى مرحلة جديدة من الحياة المعاصرة علمًا وتنمية وثقافة. والكتابة عن هذه الجامعة ليس ترفًا ثقافيًا وإنما هو توثيق لتجربة كبيرة أحدثت تحولًا هائلًا في كل مناحي الحياة في بلد كان يتحرّق شوقًا إلى التعليم وكان جلالة المرحوم السلطان قابوس، طيب الله ثراه، على ثقة كاملة بأهمية التعليم الجامعي لذا توفرت لهذه الجامعة كل مقومات نجاحها.
أعتقد أن نجاح كل التجارب الكبرى في العالم يتوقف على البدايات الأولى التي تحظى بقدر عظيم من التخطيط ودقة البرامج والبنية الأساسية والعزيمة الصادقة، وهي عوامل أهلت الجامعة نحو مزيد من الازدهار والتقدم، المتابع الآن لما يحدث في عمان يشعر للوهلة الأولى بأن الجامعة قد حققت الكثير من أهدافها في التنمية وخصوصًا في تأهيل الكوادر الوطنية التي تقود البلد نحو مزيد من التقدم والرخاء ففي كل المؤسسات، في الزراعة والصناعة والتعليم والبحث العلمي ومؤسسات المجتمع المدني وقطاع الطب، على رأس كل هذه المؤسسات كوادر معظمهم من خريجي هذه الجامعة وبعضهم أكمل دراسته العليا في أرقى الجامعات العالمية.
لقد امتد التعليم الجامعي إلى معظم ولايات سلطنة عمان وخصوصًا في العلوم التجريبية، لكن من الملاحظ حرص كل هذه الجامعات على العناية بالثقافة والمعارف الإنسانية باعتبارها المكون الأهم لبناء الوجدان ودعم ثقافة الانتماء وهو ما يدعونا إلى التفكير في دلالة أن تبدأ جامعة السلطان قابوس منذ نشأتها في العناية بالمعارف الإنسانية من قبيل اللغة العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية وهي رؤية أسسها السلطان قابوس، طيب الله ثراه، الذي كان يرى أن ثقافة الوجدان والمعارف الإنسانية هي الركيزة الأهم في كل الجامعات الكبرى في العالم وهي تجارب كان السلطان الراحل على معرفة وافية بها.
لم يكن الموقع الجغرافي للجامعة بعيدًا عن رؤية السلطان وكان البعض يتساءل: ألم يكن من الصواب أن تُبنى الجامعة على مشارف العاصمة مسقط؟ لكن رؤية السلطان قابوس كانت أكثر وعيًا ومعرفة بعد أن أصبحت الجامعة بمثابة طاقة نور فقد امتد العمران من حولها ليشكل منظومة حضارية عمرانية تعد مثالًا عمليًا لما كان يمتلكه جلالته من رؤية صائبة ولعل جامعتي كمبردج واكسفورد كانتا نموذجا دالًّا على صواب اختيار الموقع الذي حظي بتخطيط عمراني غاية في الدقة بعد أن امتدت إليه كل معالم الحضارة والتمدن.
حينما تأسست الجامعة بدأت بخمس كليات كانت التنمية في حاجة إلى خريجيها «العلوم والطب والهندسة والزراعة والآداب والتربية» وهي تخصصات كانت من أولويات اهتمام السلطان قابوس لكن كانت الطموحات والأحلام كبيرة وواضحة في خريطة الجامعة لكي تستوعب كل التخصصات التي تواكب برامج التنمية في المستقبل فقد استحدثت برامج في الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والفنون بمختلف صنوفها والسياحة وقد استحدثت كل هذه التخصصات في فترات لاحقة لكي تصبح الجامعة واحدة من أهم الجامعات الكبرى في المنطقة.
كانت عمان منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي تستقطب الكوادر التعليمية والطبية والفنية من مختلف الدول والآن أصبحت الجامعة رافدًا كبيرًا لتكوين الكوادر الوطنية المؤهلة لكل برامج التنمية وكانت الجامعة الأم «جامعة السلطان قابوس» هي الداعم الأكبر لكل الجامعات والمعاهد العليا التي تأسست فيما بعد، والمعاصر لهذه التجربة منذ بدايتها يلحظ إنجازًا عظيمًا في كل المجالات وبكوادر وطنية مؤهلة تأهيلًا جيدًا، نلاحظ ذلك في قطاع التعليم والصحة والصناعة وكافة القطاعات الخدمية. كنت قد تركت جامعة السلطان قابوس عام 1992 وعدت إليها أستاذًا زائرًا عام 2017 وكان الحصاد عظيمًا وقد شعرت بالفخار من هذا الإنجاز الكبير الذي شمل كل قطاعات الدولة وكان الخريجون من جامعة السلطان قابوس هم القائمون على نجاح معظم هذه المؤسسات.
بحكم تخصصي أستاذًا في التاريخ الحديث والمعاصر، كنت أُلقي محاضراتي على الطلبة وكنت غالبًا ما أبدأ الحديث معهم طالبًا منهم سؤال آبائهم وأجدادهم عن أحوال عمان قبل نهضتها الجديدة «1970» من خلال معايشة الآباء للأحوال الصحية والتعليمية والعمرانية كنت أسألهم عن حال التعليم والصحة والخدمات والطرق والكهرباء؟ وكان يؤسفني أن بعضهم لم يكن على بينة كافية عن الحال التي كان عليها بلدهم ولعلهم كانوا يشعرون أنهم ولدوا في بلد ينعمون فيه بكل هذا الرخاء دون معرفة حقيقية بماضٍ كان صعبا وشاقا وأن ما تحقق من نجاح في أقل من نصف قرن هو قصة كبيرة وتجربة شاقة حصدوا ثمارها دون أن يكلفوا أنفسهم النظر إلى تجربة آبائهم وقائدهم ومؤسس نهضتهم التي أخرجت عمان من غياهب العصور الوسطى إلى عالم النور والمعرفة.
ليس من قبيل المصادفة أن تحقق عمان في نصف قرن كل هذه النجاحات فقد هيأ الله لهذا البلد قائدًا عظيمًا يملك حلمًا وإرادة ورؤية ومن خلفه تاريخ عريق لوطن قديم قدم التاريخ فضلًا عن شعب التف حول قائده داعمًا ومحبًا لذا كانت المعادلة الحقيقية لوطن له تاريخ، يملك من التجارب العظيمة بقدر ما يملك من التجارب المؤلمة.
إذا كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، قد رحل إلى العالم الآخر فقد ترك رصيدًا ضخمًا وطاقة هائلة ستظل مصدر إلهام لهذا البلد العريق وكما التف الشعب حول السلطان قابوس فهو بنفس القدر آمن بالقيادة الجديدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- الذي ورث تركة مثقلة بالنجاحات وهو ماضٍ نحو مستقبل واعد. إنه قدر الأوطان الكبيرة التي تستحق الخلود.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.
أعتقد أن نجاح كل التجارب الكبرى في العالم يتوقف على البدايات الأولى التي تحظى بقدر عظيم من التخطيط ودقة البرامج والبنية الأساسية والعزيمة الصادقة، وهي عوامل أهلت الجامعة نحو مزيد من الازدهار والتقدم، المتابع الآن لما يحدث في عمان يشعر للوهلة الأولى بأن الجامعة قد حققت الكثير من أهدافها في التنمية وخصوصًا في تأهيل الكوادر الوطنية التي تقود البلد نحو مزيد من التقدم والرخاء ففي كل المؤسسات، في الزراعة والصناعة والتعليم والبحث العلمي ومؤسسات المجتمع المدني وقطاع الطب، على رأس كل هذه المؤسسات كوادر معظمهم من خريجي هذه الجامعة وبعضهم أكمل دراسته العليا في أرقى الجامعات العالمية.
لقد امتد التعليم الجامعي إلى معظم ولايات سلطنة عمان وخصوصًا في العلوم التجريبية، لكن من الملاحظ حرص كل هذه الجامعات على العناية بالثقافة والمعارف الإنسانية باعتبارها المكون الأهم لبناء الوجدان ودعم ثقافة الانتماء وهو ما يدعونا إلى التفكير في دلالة أن تبدأ جامعة السلطان قابوس منذ نشأتها في العناية بالمعارف الإنسانية من قبيل اللغة العربية والتاريخ والحضارة الإسلامية وهي رؤية أسسها السلطان قابوس، طيب الله ثراه، الذي كان يرى أن ثقافة الوجدان والمعارف الإنسانية هي الركيزة الأهم في كل الجامعات الكبرى في العالم وهي تجارب كان السلطان الراحل على معرفة وافية بها.
لم يكن الموقع الجغرافي للجامعة بعيدًا عن رؤية السلطان وكان البعض يتساءل: ألم يكن من الصواب أن تُبنى الجامعة على مشارف العاصمة مسقط؟ لكن رؤية السلطان قابوس كانت أكثر وعيًا ومعرفة بعد أن أصبحت الجامعة بمثابة طاقة نور فقد امتد العمران من حولها ليشكل منظومة حضارية عمرانية تعد مثالًا عمليًا لما كان يمتلكه جلالته من رؤية صائبة ولعل جامعتي كمبردج واكسفورد كانتا نموذجا دالًّا على صواب اختيار الموقع الذي حظي بتخطيط عمراني غاية في الدقة بعد أن امتدت إليه كل معالم الحضارة والتمدن.
حينما تأسست الجامعة بدأت بخمس كليات كانت التنمية في حاجة إلى خريجيها «العلوم والطب والهندسة والزراعة والآداب والتربية» وهي تخصصات كانت من أولويات اهتمام السلطان قابوس لكن كانت الطموحات والأحلام كبيرة وواضحة في خريطة الجامعة لكي تستوعب كل التخصصات التي تواكب برامج التنمية في المستقبل فقد استحدثت برامج في الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والفنون بمختلف صنوفها والسياحة وقد استحدثت كل هذه التخصصات في فترات لاحقة لكي تصبح الجامعة واحدة من أهم الجامعات الكبرى في المنطقة.
كانت عمان منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي تستقطب الكوادر التعليمية والطبية والفنية من مختلف الدول والآن أصبحت الجامعة رافدًا كبيرًا لتكوين الكوادر الوطنية المؤهلة لكل برامج التنمية وكانت الجامعة الأم «جامعة السلطان قابوس» هي الداعم الأكبر لكل الجامعات والمعاهد العليا التي تأسست فيما بعد، والمعاصر لهذه التجربة منذ بدايتها يلحظ إنجازًا عظيمًا في كل المجالات وبكوادر وطنية مؤهلة تأهيلًا جيدًا، نلاحظ ذلك في قطاع التعليم والصحة والصناعة وكافة القطاعات الخدمية. كنت قد تركت جامعة السلطان قابوس عام 1992 وعدت إليها أستاذًا زائرًا عام 2017 وكان الحصاد عظيمًا وقد شعرت بالفخار من هذا الإنجاز الكبير الذي شمل كل قطاعات الدولة وكان الخريجون من جامعة السلطان قابوس هم القائمون على نجاح معظم هذه المؤسسات.
بحكم تخصصي أستاذًا في التاريخ الحديث والمعاصر، كنت أُلقي محاضراتي على الطلبة وكنت غالبًا ما أبدأ الحديث معهم طالبًا منهم سؤال آبائهم وأجدادهم عن أحوال عمان قبل نهضتها الجديدة «1970» من خلال معايشة الآباء للأحوال الصحية والتعليمية والعمرانية كنت أسألهم عن حال التعليم والصحة والخدمات والطرق والكهرباء؟ وكان يؤسفني أن بعضهم لم يكن على بينة كافية عن الحال التي كان عليها بلدهم ولعلهم كانوا يشعرون أنهم ولدوا في بلد ينعمون فيه بكل هذا الرخاء دون معرفة حقيقية بماضٍ كان صعبا وشاقا وأن ما تحقق من نجاح في أقل من نصف قرن هو قصة كبيرة وتجربة شاقة حصدوا ثمارها دون أن يكلفوا أنفسهم النظر إلى تجربة آبائهم وقائدهم ومؤسس نهضتهم التي أخرجت عمان من غياهب العصور الوسطى إلى عالم النور والمعرفة.
ليس من قبيل المصادفة أن تحقق عمان في نصف قرن كل هذه النجاحات فقد هيأ الله لهذا البلد قائدًا عظيمًا يملك حلمًا وإرادة ورؤية ومن خلفه تاريخ عريق لوطن قديم قدم التاريخ فضلًا عن شعب التف حول قائده داعمًا ومحبًا لذا كانت المعادلة الحقيقية لوطن له تاريخ، يملك من التجارب العظيمة بقدر ما يملك من التجارب المؤلمة.
إذا كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، قد رحل إلى العالم الآخر فقد ترك رصيدًا ضخمًا وطاقة هائلة ستظل مصدر إلهام لهذا البلد العريق وكما التف الشعب حول السلطان قابوس فهو بنفس القدر آمن بالقيادة الجديدة لجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- الذي ورث تركة مثقلة بالنجاحات وهو ماضٍ نحو مستقبل واعد. إنه قدر الأوطان الكبيرة التي تستحق الخلود.
د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية سابقا ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية سابقا.