ما يطرحه عنوان المقال أعلاه، هو الذي ينبغي أن يشغل الحكومة، وينشغل به الجيل العماني الجديد، وذلك من منظور أن هناك اقتصادا جديدا يتأسس إلى جانب اقتصاد قديم يتجدد، ويسيران معا بصورة متزامنة في سياق اهتمامات الحكومة. يتميز الاقتصاد الجديد بأنه يقوم على مفهوم الاستدامة وبصورة معاصرة، ويحتاج لقوة بشرية وطنية مهنية وعالية التخصص، أي رأسمال بشري مؤهل لهذا الاقتصاد، بينما يتجدد الاقتصاد القديم على مفهوم استثماره لأطول مدى زمني ممكن، والطاغي الآن على الرأي العام، الاقتصاد القديم القائم على مصادر النفط والغاز والزراعة والأسماك والصناعة، وبعض هذه المصادر دائمة، كالزراعة والأسماك والصناعة، والأخرى عمرها الزمني مدد لثلاثين سنة مقبلة كالنفط والغاز، بعدما كان قصير المدى، وهنا نستشهد بتقارير دولية متعددة تؤكد على أهمية النفط لثلاثين سنة مقبلة، وكذلك ما ذكرته إحدى الصحف البريطانية مؤخرا من أن مخاوف سلطنة عمان من المواد الأولية للغاز على المدى المتوسط أصبحت شئيا من الماضي، حيث أصبح مستقبلها كمورد للغاز الطبيعي المسال أكثر أمانا من أي وقت مضى.
وطبيعة مستقبل الاقتصاد العماني واضحة الآن، ومعلنة بصورة مقتضبة من كبار المسؤولين في البلاد، وهي تتزامن مع ثورة التكنولوجيا أو التقنية، وقد أصبحت مصادر هذا الاقتصاد الجديد مرتبطة بآخر تطورات التكنولوجيا أو التقنية، وأية دولة مهما يكن معايير تصنيفها الآن من دول العالم المتقدم أو النامي، إذا لم تسارع إلى مواكبة الثورة التكنولوجية، فستظل دولة متخلفة، وترهن استقلالها وسيادة قرارها لقوى إقليمية أو دولية أو حتى جماعات راديكالية تملك مصادر القوة الجديدة، كالقوة السيبرانية أو الطائرة المسيرة.. وقد تابعنا دور الطائرات المسيرة الانتحارية في الحرب على أوكرانيا، وقبلها قدرة هذه الطائرات في اختراق الأجواء، والمخاوف الآن من الاستفراد الإقليمي بالقوة السيبرانية والطائرات المسيرة، ومواجهة مثل هذه التحديات الكبرى ليس في مجال شراء هذا النوع من الطائرات، وإنما الاستثمار في تطوير تقنياتها.
وسلطنة عمان تواكب هذه التحولات الكبرى، وتدرك مخاطرها الآنية والمستقبلية، لكن إلى مدى من جهة، وما حجم سرعة استجابتها للمخاطر من الآن؟ وكيف تؤهل مواردها البشرية تكنولوجيا أو تقنيا؟ ولو استخدمنا الفكر المقارن سنجد أن سلطنة عمان الآن في مرحلة تاريخية شبيهة بمرحلة عام 1996 عندما تبنت استراتيجية تنويع مصادر اقتصادها في مسعى طموح ومبكر لعدم اعتمادها على النفط، لكن لم يكن التنفيذ في مستويات تحقيق الاستراتيجية، وقد دفعت البلاد، ولا تزال الأثمان، والآن يتجدد التحدي نفسه، لكن بمعايير وطنية ودولية مختلفة عن سابقتها- شكلا ومضمونا- وإذا لم نعمل على تفادي السلبيات التي حالت دون عدم الاعتماد على النفط، سيتكرر المشهد مجددا، لكن هذه المرة ستكون التحديات أكبر، والتداعيات شاملة ومخيفة، فلا مجال، وليس هناك مجال لتفويت فرص إقامة الاقتصاد العماني الجديد، فكل مقوماته متوفرة محليا، وتتجه إليه الإرادة السياسية للنهضة المتجددة، وهناك فعلا مساع كبيرة وملموسة لكل متابع، لكنه سيخرج منها - أي متابعته - بتلكم التساؤلات الثلاثة سالفة الذكر، وهى تساؤلات مشروعة، ونطرحها على سبيل الافتراض التحليلي، ومقارنة بمساع حثيثة لدول خليجية، تخترق فيها النجاحات الكبرى من حيث النوع والكم، وهي التي تجعلنا نطرح تلكم التساؤلات لمخاطبة المؤسسات التي تشرفت بأمانة صناعة مستقبل سلطنة عمان الجديد.
وتتحدد أهم ملامح الاقتصاد العماني الجديد ومساراته الوطنية الكبرى في النقاط التالية:
- إقامة الاقتصاد الهيدروجيني/ النفط الجديد.
- الاستثمار في الفضاء لدواع متعددة وعاجلة.
- الاستثمار في الطائرات المسيرة.
- الأمن السيبراني.
-الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال تلكم المسارات يتحدد مفهوم التجدد للنهضة العمانية، وليس المفهوم السائد الذي يظهر الجانب المالي فيه الطاغي للجانبين الحكومي والاجتماعي، وكل من يتابع خطابات المسؤولين نجدها تنصب على التحولات المالية، مما بدأت وكأنها تشكل ملامح التجدد حصريا، أما المجتمع فهم لا يرون سوى الآلام الاجتماعية رغم إعادة بعض الإصلاحات، بينما هناك انشغالات وطنية كبرى ترتقي إلى المستويات الوجودية للسلطنة في عالم يتغير بسرعة زمنية فائقة السرعة، وتشكل المسارات سالفة الذكر قوة الدول بمفهوم المستقبل المتدرج في الآنية العاجلة، بمعنى أن الطائرات المسيرة في تقنياتها الراهنة المتطورة باستمرار، قد غيرت مفهوم قوة الدول بصورة راديكالية؛ لأن تطوير تقنياتها يشهد النجاح فيه تسابقا إقليميا لا يمكن قياس حدود النجاح فيه.
وللسلطنة التوجهات نفسها، وتمتلك كل مقومات النجاح فيها، وقد أنشأت المؤسسات المتخصصة لها، ولديها الآن الخطط والبرامج الجاهزة، وسنأخذ هنا نماذج مختارة على سبيل المثال لا الحصر، وستكون كافية على مدى تناغم المسير مع المصير الجديد، ومن ثم الوقوف على قضية التطبيق التي لا تقل شأنا عن قضية التنظير، ونتساءل، هل يسير التطبيق على نفس أهمية التنظير، فمثلا، تم إنشاء شركة «هايدروم» للاقتصاد الهيدروجيني مهمتها قيادة تحويل السلطنة إلى أن تكون مركزا عالميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والطموح العماني الوصول إلى إنتاج مليون طن سنويا، بهدف المساهمة في أمن إمدادات الطاقة محليا وعالميا، وتنويع الاقتصاد العماني، وصناعة فرص عمل.
وتنفرد السلطنة بمقومات هذا الاقتصاد، فموقعها الجغرافي يجعلها تستفرد بطاقات الرياح والشمس لإنتاج الطاقة البديلة الآمنة، والموقع نفسه، يجعلها تستفرد بتصدير هذه الطاقة من ممرات آمنة كذلك، بعيدة عن الممرات الساخنة كمضيق هرمز، وتم اختيار منطقة الدقم الواقعة على البحار المفتوحة والمتصل بكل مناطق العالم منطقة التصدير، كما تعد الدقم بمحافظة الوسطى من بين أهم مناطق الإنتاج الهيدروجيني.
وتساؤلات هذا المثال تطرح هنا حول مدى مسايرة تأهيل مواردنا البشرية للاقتصاد الأخضر القائم على التكنولوجيا/ التقنية؟ وهل هناك استراتيجية واضحة المعالم، وتتوفر على آليات تنفيذية ونظام للحوكمة؟
والمثال الثاني، إقامة المركز الوطني للفضاء والتقنية المتقدمة والذكاء الاصطناعي عام 2020 لدواعي متعددة، اقتصادية وأمنية وعسكرية... إلخ، وهو مدرج ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة النقل والاتصالات، وقد فشلت مؤخرا الشركة البريطانية في إطلاق أول قمر مكعبي عماني، مما يطرح هنا تساؤلا حول لماذا لم نختر شركة رائدة في الفضاء رغم أن لندن لم يسبق لها نجاح إطلاق الأقمار من على أراضيها؟ وهذا بشهادة وزير الأعمال البريطاني الذي صرح بعد الفشل أن آمال بلاده في أن تصبح موقعا رئيسيا لإطلاق الأقمار الاصطناعية الصغيرة لا تزال قائمة، وهنا يبدو أننا نساعد الشركة على النجاح، وقد فشلت الآن، وتساؤلات هذا المثال تطرح حول، ماذا بعد؟ وهل ينبغي أن يكون المركز الوطني للفضاء مستقلا؟ وكيف نؤسس جيلا جديدا للفضاء؟
لدى سلطنة عمان علاقات عميقة مع دول إقليمية وعالمية تدخل ضمن النادي الحصري لإطلاق الأقمار الاصطناعية، وهنا ينبغي التأكيد على أهمية نجاح مثل هذه المسارات الوطنية في تواقيتها الزمنية المستحقة، والفشل يعني تأخير المواجهات الوجودية، فمسقط تحيط بدول إقليمية نجحت في المساهمة الأجنبية بصناعة وإطلاق الأقمار، وأخرى لها عدة أقمار تسبح في الفضاء.
والثالث، إعلان جهاز الاستثمار العماني مؤخرا عن توجهه للاستثمار في تقنيات الطائرات المسيرة؛ لمواجهة تحدياتها المرعبة في ظل السباق الإقليمي المحتدم ليس على امتلاكها، وهذه قضية متجاوزة الآن، وإنما تطوير تقنياتها، من هنا تكون خطوة جهاز الاستثمار العماني دقيقة جدا، وقد تم التعاقد مؤخرا مع شركة عالمية متخصصة في مجال تطوير التقنيات، وتساؤلات هذا المثال، هل هي خطوة متأخرة أم في التوقيت المناسب؟ وكيف نؤسس جيلا تقنيا للطائرات المسيرة؟ الأهم العلم أن مسقط ستواجه تحديات إقليمية متعددة أمنية وتنموية إذا لم تعتد بالعامل الزمني في الاستثمار في تقنيات الطائرات المسيرة، وفق ما قاله سكوت كرينو من الأمن القومي الأمريكي: إن حل تهديدات الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط سيتم بشكل أفضل للدول المتقدمة تقنيا، وهذا يعطي لتوجه جهاز الاستثمار العماني المصداقية والدقة، وتظل القضية المفترضة في السرعة في تحقيق التطور التقني بجيله الوطني.
وكما أوضحنا، فإن الاقتصاد العماني وعوامل قوة ديمومته قد أصبحت الآن تتوقف على التقنية، بل ومواكبة آخر تطوراتها المتسارعة، وهذا يعني أنه لابد أن تكون هناك استراتيجية محكمة ومستشرفة لتأهيل قادة وكوادر وأطر اقتصاد البلاد الجديد، ويكون تطبيقها له الأولوية نفسها للمسارات المنتجة للاقتصاد والداعمة لقوته المستدامة، وهنا نجد فرص عمل كبيرة ومتعددة، وعالية التخصص، وبعوائد مالية كبيرة ومتوسطة، مما يعني أن الاهتمام بها من الآن، سيحل قضية اختلال الطبقات الاجتماعية نتيجة التحولات المالية، والتخفيف من حدية معضلة المرتبات المتدنية والمحدودة، وبالتالي، ينبغي التفكير على تأهيل قوتنا البشرية لهذا الاقتصاد الجديد ومساراته المعاصرة، وعدم الاعتماد على الكفاءات الأجنبية لوحدها، فتجربة دولة خليجية نموذجية، فمن بين 1500 فني وتقني يدير وكالة فضائها الخارجي، نصفه من مواطنيها الذكور والنساء، تم تأهليهم، ويعملون الآن جنبا إلى جنب في إدارة وقيادة الاستثمار المتعدد الأغراض لأقمارها الاصطناعية، هذا بخلاف التجربة الإيرانية المثالية.
وطبيعة مستقبل الاقتصاد العماني واضحة الآن، ومعلنة بصورة مقتضبة من كبار المسؤولين في البلاد، وهي تتزامن مع ثورة التكنولوجيا أو التقنية، وقد أصبحت مصادر هذا الاقتصاد الجديد مرتبطة بآخر تطورات التكنولوجيا أو التقنية، وأية دولة مهما يكن معايير تصنيفها الآن من دول العالم المتقدم أو النامي، إذا لم تسارع إلى مواكبة الثورة التكنولوجية، فستظل دولة متخلفة، وترهن استقلالها وسيادة قرارها لقوى إقليمية أو دولية أو حتى جماعات راديكالية تملك مصادر القوة الجديدة، كالقوة السيبرانية أو الطائرة المسيرة.. وقد تابعنا دور الطائرات المسيرة الانتحارية في الحرب على أوكرانيا، وقبلها قدرة هذه الطائرات في اختراق الأجواء، والمخاوف الآن من الاستفراد الإقليمي بالقوة السيبرانية والطائرات المسيرة، ومواجهة مثل هذه التحديات الكبرى ليس في مجال شراء هذا النوع من الطائرات، وإنما الاستثمار في تطوير تقنياتها.
وسلطنة عمان تواكب هذه التحولات الكبرى، وتدرك مخاطرها الآنية والمستقبلية، لكن إلى مدى من جهة، وما حجم سرعة استجابتها للمخاطر من الآن؟ وكيف تؤهل مواردها البشرية تكنولوجيا أو تقنيا؟ ولو استخدمنا الفكر المقارن سنجد أن سلطنة عمان الآن في مرحلة تاريخية شبيهة بمرحلة عام 1996 عندما تبنت استراتيجية تنويع مصادر اقتصادها في مسعى طموح ومبكر لعدم اعتمادها على النفط، لكن لم يكن التنفيذ في مستويات تحقيق الاستراتيجية، وقد دفعت البلاد، ولا تزال الأثمان، والآن يتجدد التحدي نفسه، لكن بمعايير وطنية ودولية مختلفة عن سابقتها- شكلا ومضمونا- وإذا لم نعمل على تفادي السلبيات التي حالت دون عدم الاعتماد على النفط، سيتكرر المشهد مجددا، لكن هذه المرة ستكون التحديات أكبر، والتداعيات شاملة ومخيفة، فلا مجال، وليس هناك مجال لتفويت فرص إقامة الاقتصاد العماني الجديد، فكل مقوماته متوفرة محليا، وتتجه إليه الإرادة السياسية للنهضة المتجددة، وهناك فعلا مساع كبيرة وملموسة لكل متابع، لكنه سيخرج منها - أي متابعته - بتلكم التساؤلات الثلاثة سالفة الذكر، وهى تساؤلات مشروعة، ونطرحها على سبيل الافتراض التحليلي، ومقارنة بمساع حثيثة لدول خليجية، تخترق فيها النجاحات الكبرى من حيث النوع والكم، وهي التي تجعلنا نطرح تلكم التساؤلات لمخاطبة المؤسسات التي تشرفت بأمانة صناعة مستقبل سلطنة عمان الجديد.
وتتحدد أهم ملامح الاقتصاد العماني الجديد ومساراته الوطنية الكبرى في النقاط التالية:
- إقامة الاقتصاد الهيدروجيني/ النفط الجديد.
- الاستثمار في الفضاء لدواع متعددة وعاجلة.
- الاستثمار في الطائرات المسيرة.
- الأمن السيبراني.
-الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال تلكم المسارات يتحدد مفهوم التجدد للنهضة العمانية، وليس المفهوم السائد الذي يظهر الجانب المالي فيه الطاغي للجانبين الحكومي والاجتماعي، وكل من يتابع خطابات المسؤولين نجدها تنصب على التحولات المالية، مما بدأت وكأنها تشكل ملامح التجدد حصريا، أما المجتمع فهم لا يرون سوى الآلام الاجتماعية رغم إعادة بعض الإصلاحات، بينما هناك انشغالات وطنية كبرى ترتقي إلى المستويات الوجودية للسلطنة في عالم يتغير بسرعة زمنية فائقة السرعة، وتشكل المسارات سالفة الذكر قوة الدول بمفهوم المستقبل المتدرج في الآنية العاجلة، بمعنى أن الطائرات المسيرة في تقنياتها الراهنة المتطورة باستمرار، قد غيرت مفهوم قوة الدول بصورة راديكالية؛ لأن تطوير تقنياتها يشهد النجاح فيه تسابقا إقليميا لا يمكن قياس حدود النجاح فيه.
وللسلطنة التوجهات نفسها، وتمتلك كل مقومات النجاح فيها، وقد أنشأت المؤسسات المتخصصة لها، ولديها الآن الخطط والبرامج الجاهزة، وسنأخذ هنا نماذج مختارة على سبيل المثال لا الحصر، وستكون كافية على مدى تناغم المسير مع المصير الجديد، ومن ثم الوقوف على قضية التطبيق التي لا تقل شأنا عن قضية التنظير، ونتساءل، هل يسير التطبيق على نفس أهمية التنظير، فمثلا، تم إنشاء شركة «هايدروم» للاقتصاد الهيدروجيني مهمتها قيادة تحويل السلطنة إلى أن تكون مركزا عالميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، والطموح العماني الوصول إلى إنتاج مليون طن سنويا، بهدف المساهمة في أمن إمدادات الطاقة محليا وعالميا، وتنويع الاقتصاد العماني، وصناعة فرص عمل.
وتنفرد السلطنة بمقومات هذا الاقتصاد، فموقعها الجغرافي يجعلها تستفرد بطاقات الرياح والشمس لإنتاج الطاقة البديلة الآمنة، والموقع نفسه، يجعلها تستفرد بتصدير هذه الطاقة من ممرات آمنة كذلك، بعيدة عن الممرات الساخنة كمضيق هرمز، وتم اختيار منطقة الدقم الواقعة على البحار المفتوحة والمتصل بكل مناطق العالم منطقة التصدير، كما تعد الدقم بمحافظة الوسطى من بين أهم مناطق الإنتاج الهيدروجيني.
وتساؤلات هذا المثال تطرح هنا حول مدى مسايرة تأهيل مواردنا البشرية للاقتصاد الأخضر القائم على التكنولوجيا/ التقنية؟ وهل هناك استراتيجية واضحة المعالم، وتتوفر على آليات تنفيذية ونظام للحوكمة؟
والمثال الثاني، إقامة المركز الوطني للفضاء والتقنية المتقدمة والذكاء الاصطناعي عام 2020 لدواعي متعددة، اقتصادية وأمنية وعسكرية... إلخ، وهو مدرج ضمن الهيكل التنظيمي لوزارة النقل والاتصالات، وقد فشلت مؤخرا الشركة البريطانية في إطلاق أول قمر مكعبي عماني، مما يطرح هنا تساؤلا حول لماذا لم نختر شركة رائدة في الفضاء رغم أن لندن لم يسبق لها نجاح إطلاق الأقمار من على أراضيها؟ وهذا بشهادة وزير الأعمال البريطاني الذي صرح بعد الفشل أن آمال بلاده في أن تصبح موقعا رئيسيا لإطلاق الأقمار الاصطناعية الصغيرة لا تزال قائمة، وهنا يبدو أننا نساعد الشركة على النجاح، وقد فشلت الآن، وتساؤلات هذا المثال تطرح حول، ماذا بعد؟ وهل ينبغي أن يكون المركز الوطني للفضاء مستقلا؟ وكيف نؤسس جيلا جديدا للفضاء؟
لدى سلطنة عمان علاقات عميقة مع دول إقليمية وعالمية تدخل ضمن النادي الحصري لإطلاق الأقمار الاصطناعية، وهنا ينبغي التأكيد على أهمية نجاح مثل هذه المسارات الوطنية في تواقيتها الزمنية المستحقة، والفشل يعني تأخير المواجهات الوجودية، فمسقط تحيط بدول إقليمية نجحت في المساهمة الأجنبية بصناعة وإطلاق الأقمار، وأخرى لها عدة أقمار تسبح في الفضاء.
والثالث، إعلان جهاز الاستثمار العماني مؤخرا عن توجهه للاستثمار في تقنيات الطائرات المسيرة؛ لمواجهة تحدياتها المرعبة في ظل السباق الإقليمي المحتدم ليس على امتلاكها، وهذه قضية متجاوزة الآن، وإنما تطوير تقنياتها، من هنا تكون خطوة جهاز الاستثمار العماني دقيقة جدا، وقد تم التعاقد مؤخرا مع شركة عالمية متخصصة في مجال تطوير التقنيات، وتساؤلات هذا المثال، هل هي خطوة متأخرة أم في التوقيت المناسب؟ وكيف نؤسس جيلا تقنيا للطائرات المسيرة؟ الأهم العلم أن مسقط ستواجه تحديات إقليمية متعددة أمنية وتنموية إذا لم تعتد بالعامل الزمني في الاستثمار في تقنيات الطائرات المسيرة، وفق ما قاله سكوت كرينو من الأمن القومي الأمريكي: إن حل تهديدات الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط سيتم بشكل أفضل للدول المتقدمة تقنيا، وهذا يعطي لتوجه جهاز الاستثمار العماني المصداقية والدقة، وتظل القضية المفترضة في السرعة في تحقيق التطور التقني بجيله الوطني.
وكما أوضحنا، فإن الاقتصاد العماني وعوامل قوة ديمومته قد أصبحت الآن تتوقف على التقنية، بل ومواكبة آخر تطوراتها المتسارعة، وهذا يعني أنه لابد أن تكون هناك استراتيجية محكمة ومستشرفة لتأهيل قادة وكوادر وأطر اقتصاد البلاد الجديد، ويكون تطبيقها له الأولوية نفسها للمسارات المنتجة للاقتصاد والداعمة لقوته المستدامة، وهنا نجد فرص عمل كبيرة ومتعددة، وعالية التخصص، وبعوائد مالية كبيرة ومتوسطة، مما يعني أن الاهتمام بها من الآن، سيحل قضية اختلال الطبقات الاجتماعية نتيجة التحولات المالية، والتخفيف من حدية معضلة المرتبات المتدنية والمحدودة، وبالتالي، ينبغي التفكير على تأهيل قوتنا البشرية لهذا الاقتصاد الجديد ومساراته المعاصرة، وعدم الاعتماد على الكفاءات الأجنبية لوحدها، فتجربة دولة خليجية نموذجية، فمن بين 1500 فني وتقني يدير وكالة فضائها الخارجي، نصفه من مواطنيها الذكور والنساء، تم تأهليهم، ويعملون الآن جنبا إلى جنب في إدارة وقيادة الاستثمار المتعدد الأغراض لأقمارها الاصطناعية، هذا بخلاف التجربة الإيرانية المثالية.