المجتمع العماني مجتمع مُسالم، ومجتمع محافظ ومتمسك بعاداته وتقاليده ومبادئه، يؤثر فيما حوله لكنه أيضا يتأثر بالآخر، وتؤثر فيه التحولات التي يشهدها العالم وإن كان ذلك التأثير الطاغي لم يستطع أن يفقد المجتمع أصالته أو يبعده عن الكثير من مبادئه.. ولكن، أيضا، وحتى تكون المعادلة عادلة ومنطقية فإن المجتمع العماني ليس مجتمعا ملائكيا، بل تسري عليه نواميس هذا الكون كما تسري على جميع المجتمعات البشرية من حوله، يتصارع فيه الخير والشر، التمسك والتخلي، التأثير والتأثر. وهذه طبيعة المجتمعات منذ خلق الله الأرض ومن عليها. رغم ذلك فإن وصف المجتمع العماني بالمسالم وبالمتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة وصف دقيق جدا ويمكن أن نفهم ذلك مما ورد أمس في تفاصيل المؤتمر الصحفي السنوي الذي عقده الادعاء العام وتحدث فيه عن تفاصيل القضايا الجنائية أو الجنح التي رصدت خلال الفترة الماضية.

من بين القضايا التي شغلت بال المجتمع العماني خلال الفترة الماضية قضايا القتل، وهي أبشع الجرائم التي يمكن أن تُرتكب، أو هي ذروة المأساة الإنسانية التي تزهق فيها روح دون قصاص. وهي قضايا جعلت المجتمع ينشغل بها كثيرا إلى درجة اعتقد الجميع أن جرائم القتل تحولت إلى ظاهرة. لكنّ الحقيقة التي تكشفها الأرقام أن معدل جرائم القتل في سلطنة عمان لم يرتفع أبدا.. وبلغ عدد الجرائم في العامين الماضيين 13 جريمة قتل في كل عام. طبعا جريمة قتل واحدة تهز عرش الرحمن ولا يمكن أن نستهين بها.. ولكن الفكرة التي يناقشها هذا المقال أن هذه الجرائم موجودة في كل المجتمعات وعبر التاريخ وكانت تحدث وستبقى تحدث ولكن الذي أشعرنا أن هذه الجرائم زادت هي وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في نقل التفاصيل الدقيقة لهذه الجرائم وكذلك القصص الإنسانية التي تحيط بها، ثم أصالة المجتمع العماني الذي ينظر إلى مثل هذه الجرائم على أنها استثناء، وهي استثناء في العالم أجمع، ولكنها أكثر استثناءً في مجتمع مسالم ومحافظ على قيمه مثل المجتمع العماني. وهذه النظرة من المجتمع إلى مثل هذه الجرائم أحد أهم المداخل التي على الادعاء العام ووزارة التنمية الاجتماعية وحتى وسائل الإعلام الانطلاق منها في سبيل بحث الأسباب الحقيقية المباشرة لهذه الجرائم مهما اعتقدنا أنها نادرة ولا تشكل ظاهرة متنامية. وتبقى القيم والأخلاق والمبادئ أهم المرتكزات التي نحتاج لها من أجل تحصين المجتمع حتى لا يقع في مثل هذه الجرائم الجنائية سواء كانت جرائم قتل أو غيرها من القضايا التي تحدّث عنها الادعاء العام في مؤتمره أمس والتي يعرفها المجتمع العماني بحكم وعيه الكبير بالمتغيرات التي تحدث من حوله أو تحدث في عمقه.

لكن علينا أن لا نعتقد أن المجتمع العماني قد فقد سلميته أو تخلى عن قيمه الأصيلة، فلم تستطع المدنية الحديثة والدولة الكونية أن تجرف قيمنا التي نؤمن ونتمسك بها.