يحل منهج التوازن في كل التجارب البشرية القائمة على تحقيق مستوى معينا من العدالة، والعدالة هنا ليست تلك المعنية بتحقيق العدل مقابل الظلم، وإنما يتسع المعنى ليصل إلى توفر كل الاستحقاقات البشرية، بحيث لا يكون هناك تفكير يشل حركة الحياة عند مجموعة بشرية دون أخرى، بدءا من تحقق المعرفة، مرورا بتحقق المعيشة دون عناء قهري، وصولا إلى حالة إشباع حقيقية للحاجيات البيولوجية والمادية؛ لدى كل فرد في المجتمع الإنساني. وليس في ذلك أي تجاوز إن اقتربت هذه الصورة من المثالية؛ فالحياة الكريمة غاية إنسانية قاتل عليها الإنسان منذ البدايات الأولى لعمر الحياة، ودخل مع من حوله من الكائنات معارك ومصادمات، كل ذلك ليحقق نوعا من التوازن بين متطلباته البيولوجية؛ وبين إعمار البيئة المحيطة به (الجانب المادي) وإن صاحب هذا الحرص الكثير من الإخفاقات فاعتلى جانب سلبي على جانب إيجابي في بعض المواقف، لكنها ظلت منازلة مستمرة بين الخير والشر، ولا تزال، ولذلك فتحقيق توازن مطلق "مثالي" يبقى من المستحيل، وتظل النسبية حالة مقبولة في كل جهد يبذله الإنسان لتحقيق غاية التوازن في كل ما يحيط به، وما يسعى إلى تحقيقه. فالمثالية – كما هو معروف – غير موجودة في عالم البشر، لتنازع الذوات والمطامع، ولكن على الأقل تحقيق الحد الأدنى من المعيشة، وهو الحد الذي لا تمتهن فيه كرامة إنسان، ولا يصل إلى مطالبته للحصول على حقوقه المشروعة، حيث يصبح ذلك في حكم المعتاد دون عناء. وعلى امتداد هذه المساحة التي نتحدث عنها تتقارب كفف الموازين في توازيها، فإن رجحت كفة لأمر ما أو لظرف ما، فإنها لا بد أن تعود إلى حالتها الطبيعية، في أقرب فرصة، وإن كان هذا الأمر مشروط بوجود إيمان قوي لدى الجميع بضرورة أن يكون التوازن هدف يسعى الجميع إلى تحقيقه، دون أن تحتاج المسألة إلى طاولة مستديرة لمناقشته. وعندما يشار إلى منهج التوازن؛ فإن هذه الإشارة تذهب إلى أن هذا المنهج يتضمن الكثير من المعارف والمفاهيم، والنظم والقوانين، والعدالة، والحيادية، وبقدر ما يكون منهج التوازن معنى ضمنيا مستشعرا نسعى إلى تحقيقه على مستوى حيواتنا الخاصة، هو في الوقت نفسه سلوكا عمليا، يحتاج إلى الكثير من الجهد، والعمل، والمعاناة، وقد يصطدم بالكثير من العراقيل، وبالتالي فتحققه ليس يسيرا، لأنه لا يتيح للذين يسعون إلى تعظيم الفردانية على حساب المجموع موطئ قدم، ولذلك يبقى تشكله ضمن المجموع، فهو منهج جماعي، يتجاوز الفردية، فالمجموعات هي التي بمقدورها إحداث التوازن في كل أنشطة الحياة، وليس الفرد العادي بإمكانياته المتواضعة.
تذهب معادلة فعل الشرط وجواب الشرط إلى ضرورة التحقق من وجود هاتين الكفتين، الكفة الأولى حيث فعل الشرط – على سبيل المثال – "إن تذاكر" والثانية جواب الشرط – على سبيل المثال – "تنجح" وبغير ذلك لا يمكن أن يستقيم المنهج، فهذا المنهج تقوم عليه كل فعاليات الحياة اليومية على المستويين الفردي والجماعي "مع تغليب الجماعة" لأن الشروط الواجبة لتحقيق التوازن لا تتموضع حول الفرد كفرد فقط، وإنما تذهب إلى المجموع؛ كجماعات من شأنها أن تحدث التوازن على مستوى الوطن أو الدولة، فالمجموعات هنا هي التي يمكن أن يعول عليها الدور الأكبر في إحداث هذا التوازن، فانتشار مظلة التعليم وشيوعها، هي التي تتيح الفرص الكثير لتقليل الفوارق الطبقية، وتنقل الأسر من حالة الفقر المدقع، إلى حالة الاكتفاء الذاتي؛ وكما يحدث في التوازن المالي عندما لا تكون هناك فروقات كثيرة بين المصروفات والإيرادات لتعود عوائد ذلك على المجموع، وكما يكون التوازن الاجتماعي في شبكة العلاقات القائمة بين بني البشر، وتبادل المصالح في توازن لا تكون فيه حسابات ترجح فيه فئة على أخرى، ولا يخدش حياءها سلوكيات التباغض والتنافر، والتفرقة العنصرية، والعقائدية، والطائفية، واللون، والنوع الإنساني، وكما يترقى التوازن السياسي من التموضع للخاص فقط (المصالح الخاصة) إلى العام، حيث النظرة الشمولية بأبعادها الإنسانية والاجتماعية. ووفق هذه الصور أعلاه؛ لا أتوقع أن يفسر البعض – وفق العنوان – على أن التوازن يحتمل مفهوم الضدية، أو الشرطية، أو المقابل، فالحقيقة غير ذلك تماما، فالفهم يتسع أكثر إلى ما بعد ذلك، وهي تحقق الأسباب والشروط الواجبة لإحداث التوازن، في مجالات الحياة اليومية من الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والدين، ويأتي الدين كحاضنة شاملة لكل التفاعلات التي تحدث، لأنه يظل المحور الذي يمكن القياس عليه لإحداث التوازن في شؤون الحياة المختلفة، أو في اجتماع كل هذه المجالات تحت عنوانها العريض أسس الحياة الرئيسية.
يخلق الصراع المحتدم بين الحق والباطل حالة من عدم التوازن، وقد يؤجل تحقق التوازن في المجتمعات لسنوات عديدة، تذهب فيها أجيال؛ وتستجد أخرى دون أن تعي معنى التوازن، ولذلك تعيش مبتورة المفاهيم في جوانب حياتها المختلفة، ومتى أدمنت الأجيال هذه المعايشة عاشت غريبة أو مغتربة في حقيقتها الإنسانية، فتفقد الكثير من أسس الحياة السوية، وهي الأسس التي تلبي الكثير من إشباعاتها البيولوجية قبل المادية، ومتى وصل الإنسان إلى هذه الحالة، ينتقل عندها في مختلف أفعاله وسلوكياته من سلوكيات الفطرة السليمة، إلى سلوكيات هي أقرب إلى التصنيع منها إلى الفطرة، ولنرى واقع اليوم في كثير من الممارسات التي يقوم بها بنو البشرية في كثير من مواقع العالم، وما وجود منظمات مستأجرة للقتل والترهيب إلا نموذجا صارخا لانتقال الإنسان من حالته الفطرية السوية "التوازن" إلى حالته المصنعة، التي يتعالى من خلالها على كل القيم الإنسانية، حيث تتوارى صور الرحمة، والتعاون، والتكامل بين بني البشرية، وتنبرئ صور التعري الصارخ؛ الذي يتجرد فيه الإنسان من كل قيمه الإنسانية، ويصبح مارد لا يمكن أن يقف أمامه إلا مارد يفوقه عدة وتسليحا وتدريبا وحنكة، وبدلا من التفكير في التوازن لتحقق مساحة الأمان اللازمة للعيش السوي للجميع، يكون التفكير في القدرة على التفوق إمعانا في الإساءة والإبادة، ولذلك يلاحظ حالة التفريط في تحقيق مستوى معين من التوازن في الدول التي تعاني شعوبها من حالات الإذلال والقهر، مقارنة بالدول التي تكون على النقيض من ذلك، حيث يعيش الفرد في كنف المجموعة معززا مكرما، مستمتعا بحياته.
يعي؛ ربما؛ الجميع أن الأطماع السياسية يقلقها كثيرا منهج التوازن، ولذلك تسعى بكل ما في مقدورها إلى وجود إخلال واضطراب، وتصادم في أي نظام يقوم على منهج التوازن أو يقترب منه، ولذلك فخلق أعداء أمر ضروري لإحداث خلل في بنية الأنظمة حتى تجد هذه الأطماع منفذا للتوغل، وبسط أجنحتها عليها، لأن وجود أي مظهر من مظاهر التوازن في أي مجتمع؛ معنى ذلك أن المجتمع، أو المجموعة البشرية التي تتميز بتكتل اجتماعي قوي "لحمة اجتماعية قوية" يظل اختراقها ليس يسيرا، ولذلك تسعى القوى المتنفذة إلى كسر هذا التوازن، وإلحاق الضرر به، خاصة إذا كان لدى هذه المجموعة البشرية من المقومات الطبيعية، والثروات، وعناصر القوة البشرية المختلفة، حيث تلجأ الأطماع السياسية إلى استغلال مجموعة من الفراغات للعزف من خلالها على وتر إرباك المنظومة الاجتماعية والسياسية على حد سواء، ولعل مدخل حقوق الإنسان الذي يروج له اليوم أكثر من أي وقت مضى – حق يراد به باطل – هي المعزوفة التي تشنف لها الآذان لتبدأ بعدها مجموعة من الممارسات الكيدية حتى الوصول إلى مستوى المواجهة "الذروة" ولعل الأحداث التي قرأنا عنها، والتي عايشناها، والتي هي في واقع اليوم لا تزال مستمرة، ما يؤكد أنه ليس من اليسير أن يحل التوازن في مكون جغرافي ما، بالسهولة التي يطمح إليها الجميع، وهذه من المعضلات الجيوسياسية التي تشكل أحد التحديات التي تعيشها البشرية على امتداد أعمارها، وتتلقى مأزقها الأنظمة السياسية على وجه الخصوص.
تذهب معادلة فعل الشرط وجواب الشرط إلى ضرورة التحقق من وجود هاتين الكفتين، الكفة الأولى حيث فعل الشرط – على سبيل المثال – "إن تذاكر" والثانية جواب الشرط – على سبيل المثال – "تنجح" وبغير ذلك لا يمكن أن يستقيم المنهج، فهذا المنهج تقوم عليه كل فعاليات الحياة اليومية على المستويين الفردي والجماعي "مع تغليب الجماعة" لأن الشروط الواجبة لتحقيق التوازن لا تتموضع حول الفرد كفرد فقط، وإنما تذهب إلى المجموع؛ كجماعات من شأنها أن تحدث التوازن على مستوى الوطن أو الدولة، فالمجموعات هنا هي التي يمكن أن يعول عليها الدور الأكبر في إحداث هذا التوازن، فانتشار مظلة التعليم وشيوعها، هي التي تتيح الفرص الكثير لتقليل الفوارق الطبقية، وتنقل الأسر من حالة الفقر المدقع، إلى حالة الاكتفاء الذاتي؛ وكما يحدث في التوازن المالي عندما لا تكون هناك فروقات كثيرة بين المصروفات والإيرادات لتعود عوائد ذلك على المجموع، وكما يكون التوازن الاجتماعي في شبكة العلاقات القائمة بين بني البشر، وتبادل المصالح في توازن لا تكون فيه حسابات ترجح فيه فئة على أخرى، ولا يخدش حياءها سلوكيات التباغض والتنافر، والتفرقة العنصرية، والعقائدية، والطائفية، واللون، والنوع الإنساني، وكما يترقى التوازن السياسي من التموضع للخاص فقط (المصالح الخاصة) إلى العام، حيث النظرة الشمولية بأبعادها الإنسانية والاجتماعية. ووفق هذه الصور أعلاه؛ لا أتوقع أن يفسر البعض – وفق العنوان – على أن التوازن يحتمل مفهوم الضدية، أو الشرطية، أو المقابل، فالحقيقة غير ذلك تماما، فالفهم يتسع أكثر إلى ما بعد ذلك، وهي تحقق الأسباب والشروط الواجبة لإحداث التوازن، في مجالات الحياة اليومية من الاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والدين، ويأتي الدين كحاضنة شاملة لكل التفاعلات التي تحدث، لأنه يظل المحور الذي يمكن القياس عليه لإحداث التوازن في شؤون الحياة المختلفة، أو في اجتماع كل هذه المجالات تحت عنوانها العريض أسس الحياة الرئيسية.
يخلق الصراع المحتدم بين الحق والباطل حالة من عدم التوازن، وقد يؤجل تحقق التوازن في المجتمعات لسنوات عديدة، تذهب فيها أجيال؛ وتستجد أخرى دون أن تعي معنى التوازن، ولذلك تعيش مبتورة المفاهيم في جوانب حياتها المختلفة، ومتى أدمنت الأجيال هذه المعايشة عاشت غريبة أو مغتربة في حقيقتها الإنسانية، فتفقد الكثير من أسس الحياة السوية، وهي الأسس التي تلبي الكثير من إشباعاتها البيولوجية قبل المادية، ومتى وصل الإنسان إلى هذه الحالة، ينتقل عندها في مختلف أفعاله وسلوكياته من سلوكيات الفطرة السليمة، إلى سلوكيات هي أقرب إلى التصنيع منها إلى الفطرة، ولنرى واقع اليوم في كثير من الممارسات التي يقوم بها بنو البشرية في كثير من مواقع العالم، وما وجود منظمات مستأجرة للقتل والترهيب إلا نموذجا صارخا لانتقال الإنسان من حالته الفطرية السوية "التوازن" إلى حالته المصنعة، التي يتعالى من خلالها على كل القيم الإنسانية، حيث تتوارى صور الرحمة، والتعاون، والتكامل بين بني البشرية، وتنبرئ صور التعري الصارخ؛ الذي يتجرد فيه الإنسان من كل قيمه الإنسانية، ويصبح مارد لا يمكن أن يقف أمامه إلا مارد يفوقه عدة وتسليحا وتدريبا وحنكة، وبدلا من التفكير في التوازن لتحقق مساحة الأمان اللازمة للعيش السوي للجميع، يكون التفكير في القدرة على التفوق إمعانا في الإساءة والإبادة، ولذلك يلاحظ حالة التفريط في تحقيق مستوى معين من التوازن في الدول التي تعاني شعوبها من حالات الإذلال والقهر، مقارنة بالدول التي تكون على النقيض من ذلك، حيث يعيش الفرد في كنف المجموعة معززا مكرما، مستمتعا بحياته.
يعي؛ ربما؛ الجميع أن الأطماع السياسية يقلقها كثيرا منهج التوازن، ولذلك تسعى بكل ما في مقدورها إلى وجود إخلال واضطراب، وتصادم في أي نظام يقوم على منهج التوازن أو يقترب منه، ولذلك فخلق أعداء أمر ضروري لإحداث خلل في بنية الأنظمة حتى تجد هذه الأطماع منفذا للتوغل، وبسط أجنحتها عليها، لأن وجود أي مظهر من مظاهر التوازن في أي مجتمع؛ معنى ذلك أن المجتمع، أو المجموعة البشرية التي تتميز بتكتل اجتماعي قوي "لحمة اجتماعية قوية" يظل اختراقها ليس يسيرا، ولذلك تسعى القوى المتنفذة إلى كسر هذا التوازن، وإلحاق الضرر به، خاصة إذا كان لدى هذه المجموعة البشرية من المقومات الطبيعية، والثروات، وعناصر القوة البشرية المختلفة، حيث تلجأ الأطماع السياسية إلى استغلال مجموعة من الفراغات للعزف من خلالها على وتر إرباك المنظومة الاجتماعية والسياسية على حد سواء، ولعل مدخل حقوق الإنسان الذي يروج له اليوم أكثر من أي وقت مضى – حق يراد به باطل – هي المعزوفة التي تشنف لها الآذان لتبدأ بعدها مجموعة من الممارسات الكيدية حتى الوصول إلى مستوى المواجهة "الذروة" ولعل الأحداث التي قرأنا عنها، والتي عايشناها، والتي هي في واقع اليوم لا تزال مستمرة، ما يؤكد أنه ليس من اليسير أن يحل التوازن في مكون جغرافي ما، بالسهولة التي يطمح إليها الجميع، وهذه من المعضلات الجيوسياسية التي تشكل أحد التحديات التي تعيشها البشرية على امتداد أعمارها، وتتلقى مأزقها الأنظمة السياسية على وجه الخصوص.