لأسماء الأماكن رمزيتها ودلالاتها اللغوية والتاريخية. وكلما كان عجزنا عن تفسير معنى اسم مكان في لغتنا الحاضرة كبيرا، كلما زاد غموض ذلك الاسم وعمق دلالاته التاريخية. ومنذ سنوات أصدر مكتب جلالة السلطان للتخطيط الاقتصادي موسوعة بعنوان «موسوعة أرض عمان»، التي تضمنت مجموعة كبيرة من أسماء المدن والقرى والمعالم الأثرية والتاريخية في عمان. لا شك أن تلك الموسوعة كانت إضافة مهمة إلى الثقافة العمانية، إلا إنها كغيرها من الأعمال لم تخل من أخطاء، كما أنها لم تكن بالسعة التي كان من الممكن أن تكون عليها. وفي السنوات الأخيرة، وبفعل التغير الاجتماعي والثقافي، الذي نتج في جانب منه عن تزايد التواصل بين سلطنةعمان وبلدان أخرى في المنطقة وخارجها، بدأت تظهر أخطاء لغوية في كتابة ونطق بعض أسماء الأشخاص والأماكن، الأمر الذي يستدعي التصحيح، سواء بتدخل الجهات المعنية بالثقافة والتراث الوطني ومفرداتهما، أو من قبل العارفين والمثقفين وذوي الخبرة في المجتمع. وهناك أمثلة كثيرة على الأخطاء في كتابة ونطق أسماء الأشخاص والأماكن. ومن ذلك على سبيل المثال أن بعض الأشخاص يكتبون أسماءهم أو أسماء غيرهم بطريقة خاطئة، كأن يكتبون التاء المربوطة أو تاء التأنيث (ة) هاء (ه)، مثل «رحمه» و«حمزه» و«خديجه»، والصحيح هو «رحمة» و«حمزة» و«خديجة»، وكذلك يكتبون أسماء بعض الأماكن خطأً مثل «البدعه» و«الوهره» و«الميحه»، الصحيح أنها «البدعة» و«الوهرة» و«الميحة». وبالإضافة إلى تلك الأخطاء الإملائية التي للأسف أصبحت شائعة، هناك أيضاً خلاف بين بعض الباحثين حول نطق وكتابة بعض الأماكن مثل مدينة «بهلا»، وهل هي بضم الباء أم فتحها، وهل تكتب «بهلا» أم «بهلى»، وكذلك «نزوى» هل هي بفتح النون أم بكسرها، إلى غير ذلك من أسماء مشابهة. وإضافة إلى الأخطاء في كتابة أسماء الأشخاص والأماكن، تم أيضا تغيير أسماء بعض الأماكن إلى أسماء أخرى على أساس أن الاسم الجديد هو أنسب من القديم. وفي الحقيقة أن السبب في إعادة تسمية بعض المناطق والقرى بأسماء جديدة هو عدم إدراك أو معرفة معنى ومغزى الاسم الأصلي للمكان. لكنه وإن كان الاسم الجديد لتلك الأماكن يبدو جميلا وأكثر لياقة ومعاصرة، إلا أن الاسماء القديمة لأكثر القرى والمناطق لها معانيها اللغوية ومدلولاتها الجغرافية أو التاريخية التي توثق أحداثا عظاما وقعت فيها.
في الأسبوع الماضي كنت في مدينة صور، وهي إحدى المدن العمانية العريقة الموغلة في القِدم. وعلى أطراف صور تقع القرية المعروفة حاليا باسم «العيجة»، بمنارتها الشامخة التي كان يهتدي بها الملاحون والبحارة وهم يقتربون من مينائها العريق للرسو فيه، أو يبتعدون مبحرين منه إلى موانئ عمانية أو إلى موانئ أخرى في منطقة الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي وغيرها من موانئ بلاد العالم. وفي السنوات الأخيرة ازدادت قرية «العيجة» جمالا، وذلك بفضل الجسر الأنيق الذي يربطها بمدينة صورة وجعلها حياً من أحيائها، بعد أن كانت مفصولة عنها بخليج ضحل أو خور يسمى «خور البطح» وهو لسان من البحر، يزيد مستوى الماء فيه بحسب حالات المد والجزر في البحر. حين كنت هناك سألني أحد الأصدقاء عن معنى كلمة «العيجة»، وما إذا كان اسمها الصحيح «العيقة» كما كان يكتب قديماً، أم «العيجة» كما يُنطق ويُكتب حالياً. ليس في طريقة النطق بالكلمة مراء أو جدال اذا كان المعنى أو المقصود بالكلمة معروفا وواضحاً، إذ أن بعض العرب قديما وحديثا يقلبون في نطقهم بعض الحروف إلى حروف أخرى، مثل قلب القاف (ق) إلى جيم عمانية أو مصرية (ج). وبسبب كثرة وتكرار ذلك في كل البلاد العربية اخترع بعض اللغويين العرب المعاصرين حرفا جديدا أطلقوا عليه حرف القيف (يكتبونه «ق» وتحته ثلاث نقط بدل النقطتين اللتين فوقه). كما أن بعض العرب يقلبون حرف القاف (ق) إلى غين (غ) وحرف الجيم (ج) إلى ياء (ي)، و هكذا في حروف وكلمات عربية أخرى.
وعودة إلى اسم العيجة أو العيقة، فإنه بالرجوع إلى قواميس اللغة العربية، نجد أن الأقرب هو أن يكون اسمها الصحيح، أو لنقل الفصيح، هو «العيقة». جاء في لسان العرب: «العيقة الفناء من الأرض، وقيل: الساحة. والعيقة ساحل البحر وناحيته، ويُجمع عيقات». قال ساعدة بن جُويّة:
سادٍ تجرّمَ في البَضِيعِ ثمانيا
يُلوِي بعيقات البحارِ ويُجنبُ».
وعلى هذا فإن التسمية الفصيحة لتلك القرية أو ذلك الحي الواقع على خور البطح بمدينة صور هي «العيقة»، وهكذا يجب أن تُكتب، لأن الكتابة هي التي تؤصل الثقافة وترسخها وتعطي للمكان معناه ومدلوله اللغوي والتاريخي الصحيح. أما النطق بالكلمة فأمر يمكن التساهل فيه لغويا، وهو متروك للناس أن ينطقوها كما يحبون أو كما تعودوا، إذ إنه كما قلنا أعلاه أن قلب بعض الحروف إلى حروف أخرى أمر وارد في اللغة العربية. أما كلمة «العيجة» فلم نجد في معاجم اللغة العربية وقواميسها معنى واضحا لها يدل على المكان الذي تقع فيه القرية المعروفة.
وفي نفس السياق لا بد من التنبيه أنه كثيرا من أسماء الأماكن العربية التي تكتب بالحروف اللاتينية، التي تسمى «النقحرة Transliteration» وهي كلمة مركبة من كلمتين، أي النقل الحرفي للكلمة، قد كتبت بطريقة غير دقيقة. ويظهر ذلك على اللوحات الإرشادية على الطرق والشوارع، حيث كُتِبت أسماء تلك الأماكن بطريقة لم يراعَ فيها سلامة نطق الكلمة. قد يُعذر القائمون على ذلك لصعوبة «نقحرة» بعض الكلمات، لكن الأشد ضررا من ذلك هو كتابة أسماء بعض الأشخاص على وثائق رسمية، مثل جوازات السفر والشهادات العلمية بطريقة خاطئة تترتب عليها تعقيدات أكبر. ومن أمثلة ذلك كتابة الأسماء المركبة «عبدالملك» بالحروف اللاتينية، حيث يكتبونها ABDUL MALIK و ABDUL RAHIM و ABDUL RAZZAQ وهذه الطريقة في الكتابة تظهر أن الاسم الأول لهذا الشخص هو ABDUL وهو غير صحيح، وكثيرا ما تترتب عليه أمور محرجة وتعقيدات لأصحاب هذه الأسماء. ولذلك يجب أن تكتب من مقطع واحد.
نخلص مما سبق إلى أمرين، الأول يتعلق بطريقة كتابة أسماء الأماكن باللغة العربية، وأهمية تأصيلها بالبحث والدراسة لمعرفة اسمها الصحيح ومعانيه اللغوية ودلالته التاريخية، وهذا يستدعي بحثا موسعا في اللغة والتاريخ. وأقترح للوصول إلى ذلك تكليف مجموعة من الباحثين بتطوير «موسوعة أرض عمان»، التي أشرنا إلينا في مقدمة هذا المقال، لتشمل معاني أسماء الأماكن ومدلولاتها التاريخية كلما أمكن ذلك. أما الأمر الآخر فهو تصحيح كتابة الأسماء بالحروف اللاتينية في الوثائق الرسمية، خصوصا الأسماء المركبة للأشخاص، بحيث يكتب الاسم من مقطع واحد كما هو في اللغة العربية. ويستحسن اتباع الأدلة العلمية المتوفرة والطرق المتعارف عليها علميا، أو تكليف أحد أقسام الترجمة في الجامعات بإصدار دليل يحدد ضوابط (النقحرة) transliteration لاستخدامه على مستوى البلاد، ولنشره بالتنسيق مع مجامع اللغة العربية للاستفادة منه في الوطن العربي و خارجه.
في الأسبوع الماضي كنت في مدينة صور، وهي إحدى المدن العمانية العريقة الموغلة في القِدم. وعلى أطراف صور تقع القرية المعروفة حاليا باسم «العيجة»، بمنارتها الشامخة التي كان يهتدي بها الملاحون والبحارة وهم يقتربون من مينائها العريق للرسو فيه، أو يبتعدون مبحرين منه إلى موانئ عمانية أو إلى موانئ أخرى في منطقة الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي وغيرها من موانئ بلاد العالم. وفي السنوات الأخيرة ازدادت قرية «العيجة» جمالا، وذلك بفضل الجسر الأنيق الذي يربطها بمدينة صورة وجعلها حياً من أحيائها، بعد أن كانت مفصولة عنها بخليج ضحل أو خور يسمى «خور البطح» وهو لسان من البحر، يزيد مستوى الماء فيه بحسب حالات المد والجزر في البحر. حين كنت هناك سألني أحد الأصدقاء عن معنى كلمة «العيجة»، وما إذا كان اسمها الصحيح «العيقة» كما كان يكتب قديماً، أم «العيجة» كما يُنطق ويُكتب حالياً. ليس في طريقة النطق بالكلمة مراء أو جدال اذا كان المعنى أو المقصود بالكلمة معروفا وواضحاً، إذ أن بعض العرب قديما وحديثا يقلبون في نطقهم بعض الحروف إلى حروف أخرى، مثل قلب القاف (ق) إلى جيم عمانية أو مصرية (ج). وبسبب كثرة وتكرار ذلك في كل البلاد العربية اخترع بعض اللغويين العرب المعاصرين حرفا جديدا أطلقوا عليه حرف القيف (يكتبونه «ق» وتحته ثلاث نقط بدل النقطتين اللتين فوقه). كما أن بعض العرب يقلبون حرف القاف (ق) إلى غين (غ) وحرف الجيم (ج) إلى ياء (ي)، و هكذا في حروف وكلمات عربية أخرى.
وعودة إلى اسم العيجة أو العيقة، فإنه بالرجوع إلى قواميس اللغة العربية، نجد أن الأقرب هو أن يكون اسمها الصحيح، أو لنقل الفصيح، هو «العيقة». جاء في لسان العرب: «العيقة الفناء من الأرض، وقيل: الساحة. والعيقة ساحل البحر وناحيته، ويُجمع عيقات». قال ساعدة بن جُويّة:
سادٍ تجرّمَ في البَضِيعِ ثمانيا
يُلوِي بعيقات البحارِ ويُجنبُ».
وعلى هذا فإن التسمية الفصيحة لتلك القرية أو ذلك الحي الواقع على خور البطح بمدينة صور هي «العيقة»، وهكذا يجب أن تُكتب، لأن الكتابة هي التي تؤصل الثقافة وترسخها وتعطي للمكان معناه ومدلوله اللغوي والتاريخي الصحيح. أما النطق بالكلمة فأمر يمكن التساهل فيه لغويا، وهو متروك للناس أن ينطقوها كما يحبون أو كما تعودوا، إذ إنه كما قلنا أعلاه أن قلب بعض الحروف إلى حروف أخرى أمر وارد في اللغة العربية. أما كلمة «العيجة» فلم نجد في معاجم اللغة العربية وقواميسها معنى واضحا لها يدل على المكان الذي تقع فيه القرية المعروفة.
وفي نفس السياق لا بد من التنبيه أنه كثيرا من أسماء الأماكن العربية التي تكتب بالحروف اللاتينية، التي تسمى «النقحرة Transliteration» وهي كلمة مركبة من كلمتين، أي النقل الحرفي للكلمة، قد كتبت بطريقة غير دقيقة. ويظهر ذلك على اللوحات الإرشادية على الطرق والشوارع، حيث كُتِبت أسماء تلك الأماكن بطريقة لم يراعَ فيها سلامة نطق الكلمة. قد يُعذر القائمون على ذلك لصعوبة «نقحرة» بعض الكلمات، لكن الأشد ضررا من ذلك هو كتابة أسماء بعض الأشخاص على وثائق رسمية، مثل جوازات السفر والشهادات العلمية بطريقة خاطئة تترتب عليها تعقيدات أكبر. ومن أمثلة ذلك كتابة الأسماء المركبة «عبدالملك» بالحروف اللاتينية، حيث يكتبونها ABDUL MALIK و ABDUL RAHIM و ABDUL RAZZAQ وهذه الطريقة في الكتابة تظهر أن الاسم الأول لهذا الشخص هو ABDUL وهو غير صحيح، وكثيرا ما تترتب عليه أمور محرجة وتعقيدات لأصحاب هذه الأسماء. ولذلك يجب أن تكتب من مقطع واحد.
نخلص مما سبق إلى أمرين، الأول يتعلق بطريقة كتابة أسماء الأماكن باللغة العربية، وأهمية تأصيلها بالبحث والدراسة لمعرفة اسمها الصحيح ومعانيه اللغوية ودلالته التاريخية، وهذا يستدعي بحثا موسعا في اللغة والتاريخ. وأقترح للوصول إلى ذلك تكليف مجموعة من الباحثين بتطوير «موسوعة أرض عمان»، التي أشرنا إلينا في مقدمة هذا المقال، لتشمل معاني أسماء الأماكن ومدلولاتها التاريخية كلما أمكن ذلك. أما الأمر الآخر فهو تصحيح كتابة الأسماء بالحروف اللاتينية في الوثائق الرسمية، خصوصا الأسماء المركبة للأشخاص، بحيث يكتب الاسم من مقطع واحد كما هو في اللغة العربية. ويستحسن اتباع الأدلة العلمية المتوفرة والطرق المتعارف عليها علميا، أو تكليف أحد أقسام الترجمة في الجامعات بإصدار دليل يحدد ضوابط (النقحرة) transliteration لاستخدامه على مستوى البلاد، ولنشره بالتنسيق مع مجامع اللغة العربية للاستفادة منه في الوطن العربي و خارجه.