لا أحد ينكر أن قضية الباحثين عن عمل أحد أكثر القضايا التي تشغل الرأي العام، وتشغل الدولة في سلطنة عمان، بل وتشغل العالم أجمع ليس فقط منذ بدء جائحة فيروس كورونا التي ساهمت في تسريح ملايين الموظفين، وتركتهم دون عمل، ولكنها قضية قديمة تختلف أسبابها من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر حسب ثقافة العمل في ذلك المجتمع.

لكن لا أحد ينكر أيضا أن ثقافة العمل في العالم تتغير كل يوم في ظل ما يشهده العالم من تغيرات بنيوية ساهمت في ظهور أعمال جديدة واختفاء أعمال أخرى كانت في قائمة الصدارة. فلم يعد بإمكان أي نظام حكومي أن يستوعب جميع الشباب الباحثين عن عمل في مؤسساته التي بدأت بفعل التحولات البنيوية في الحكومات وبفعل دخول التكنولوجيا تتقلص إلى الحد الأدنى. وأمام هذه التحولات وتلك الأزمات لا بد أن يفكر ملايين الشباب الباحثين عن عمل في العالم، وعشرات الآلاف منهم في سلطنة عمان في آلية التكيف مع هذه التحولات والتفكير بشكل جدي في كيفية أن يكون لكل واحد منهم عمله الخاص. وفي الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، على «أهمية توعية الشباب بفلسفة العمل وثقافته السائدة عالميا وضرورة تشجيعهم على خوض مجالات الأعمال الحرة». ورغم أن المجتمع العماني يعتبر في مقدمة المجتمعات الخليجية التي لا تترفع عن أي عمل شريف يؤمن حياة كريمة للإنسان إلا أن البعض ممن يعتقدون بأن العمل الأفضل دائما هو «وظيفة حكومية» اعتقاد غير دقيق، ليس في سلطنة عمان فقط وإنما في العالم أجمع. العمل/الوظيفة الأفضل دائما هي الوظيفة التي تكون ملك صاحبها، وهذا يتحقق عندما يكون لكل منا عمله الخاص، أو لكل مجموعة متوافقة من الشباب عملها الخاص الذي تؤسسه وفق قراءتها لمتطلبات المرحلة. وخلال السنوات الخمس الأخيرة ظهرت في المجتمع أعمال لها مردود كبير جدا يفوق عائده أفضل وظيفة حكومية. بل إن هناك نماذج في المجتمع خرجت من وظائف في شركات كبرى لتتفرغ لمشاريعها الصغيرة التي «يزهدها» البعض نظرا لأن عائدها أكبر بكثير من العمل في الشركات الكبرى رغم رواتبها المرتفعة. وأمام دعوة عاهل البلاد لتثقيف الشباب نحو فلسفة وثقافة الأعمال في العالم لا بد أن تكون هناك حملة وطنية مدروسة، يصاحبها أفكار عملية قابلة للتنفيذ في المجتمع العماني، ويمكن أن تنظم وزارة العمل ورشا متخصصة أو مختبرات يخرج كل مشارك فيها أو مجموعة من المشاركين بمشروع عمل قابل للتطبيق، شرط أن يصاحب ذلك تسهيلات إدارية وقروض ميسرة، ومستوى حماية من منافسة الشركات الكبرى.

قبل سنوات كان أكبر مخاوف الشباب من دخول «مغامرة» الأعمال الحرة أنها لا تتمتع بتغطية تأمينية تحمي من يخوض غمارها عندما يصبح غير قادر على العمل، بمعنى آخر ليس فيها «نظام تقاعد»، لكن هذا الأمر تم تجاوزه في سلطنة عمان ويستطيع كل صاحب عمل خاص أن يسجل في صندوق التأمينات الاجتماعية ويؤمن مستقبله.. ويمكن أن يكون هذا الأمر وغيره من التسهيلات ضمن ما يجب أن يعلمه جميع المقبلين على بناء مشاريعهم الخاصة.

لكن في مقابل هذا لا بد أن يتجاوز المجتمع التقليل من شأن بعض الأعمال التي يعمل فيها البعض اليوم لتأمين حياته أو لتأمين دخل إضافي، فتلك الأعمال لو بحثنا في تفاصيلها لظهر أن لها دخلا جيدا لا يعلم عنها من يقلل من شأنها.