مرّت سنة، وفارقْنا عاما من النجاح والبؤس والتعس، من الألم والبهجة، واستقبلنا عاما دون يقين أنّه سيكون الأفضل، بل العالم أصبح على يقين أنّ القادم أسوأ من المنقضي، فبأيّ عقل نفارق تجربة ونستقبل أخرى؟ وبأيّ بهجةٍ يُمكن أن نأمل في عالم خال من الأمراض ومن الحروب مليئًا بما يُمكن أن يُسعد البشريّة وأن يضمن الأمان لمقبل الإنسان؟
مرّت سنة ولا شيء يحدثُ الآن وهنا، مرّت سنة والعالم في تدهور جنونيّ نحو الموت، ولا شيء يحدثُ، لا مراجعات، لا وقفة تأمّل، لا أسئلة حقيقيّة حول الوجود والعدم والكينونة والماهيّة، فقد الإنسانُ بدائيّته، جوهره، وتحوّل إلى سلعةٍ يُحسَب له حسابٌ في عالم شرس، يتغوّل نحو المجهول، نحو عدم الفهم. هل كان بول غوغان الرسّام الفرنسي البيروفي على حقّ عندما كفر بالمدنيّة، وآثر لفظَها ورفضَها والعودة إلى حياة البدائيّة في جزر التاهيتي حتّى موته؟
من العالم الوسيع نبدأ، مرّت سنة والعالم من حولنا يزداد قتامةً، حروبٌ وأوبئة منتشرة، يخفت وباءٌ ويتولّد وباءٌ جديد، تصمت حرب لتشتعل حربٌ جديدة، يتهاوى عالم نحو عدم الاطمئنان، لنعود إلى طرح السؤال الأساسيّ، لمَ يتطوّر الإنسان، هل ليتفنّن في لقاء حتفه؟ تعود أسئلة الوجود القديمة، ولكن بأكثر حرقة، وبأكثر وعي بقصديّة الدمار، صار الإنسانُ يعلم أنّ المتصرّفين في الكون لا يعملون لصالح الإنسان وإنّما هم يعملون لصالح رؤيةٍ تضمن لهم حسن البقاء، بيع الدواء أهمّ من إيجاد الدواء، خلق الوباء أهمّ من إدراك أصل الوباء.
مرّت سنة، والإنسانُ يُعاني رهاب المرض والحرب والجوع والعطش، يبحث عن تحقيق وجودٍ صار حبيس ضمان الحياة في ظلّ أنظمة صحيّة متوحّشة، تُتاجر في أمراض النّاس وتبتزّ صحّتهم، ولم يقف حكماء العالم للتساؤل عن مصير الإنسانيّة بعد هذه الموجات والهوجات من الأوبئة التي يصطنعونها والأدوية التي يبيعونها، وفي الميزان الإنسان في مهبّ رياح الرأسمالية المتوحّشة، تائه بين كدٍّ وجهد ونهْب مؤسّسات صحّة هي أوحش من مؤسّسات الحرب.
مرّت سنة، والعالم يتجهّز للدخول في حرب عالميّة لا نعلم عددها، وإن كانت شكلا حاصلة، حربٌ تدور رحاها بين قوى اختارت أن نكون قمحَ الرحى، حربٌ نفهم أبعادها وتوجّهاتها وأسبابها، ولا حول لنا ولا قوّة، في انتظار أيّ مجنون يُمكن أن يضغط على زرّ لإنهاء قسم من البشريّة. عجبٌ هذا الإنسان القادر على اختراع آلة يُمكن أن تنهي الكون في لحظات، العاجز عن تخفيف آلام النّاس أو إيجاد حلول لسعادة الإنسان. نُدرك بعد وعي من الزمن أنّ دولتين في العالم تُعيلان نصف الكرة الأرضيّة، فإن تخاصمتا جاعت البشريّة، وثلجت أوروبا، وارتفعت أسعار المعيشة في العالم، والحجّة الحرب بين أوكرانيا وروسيا. كيف يُمكن أن أقنع هذا الطفل في السودان أنّ الحرب بين أوكرانيا وروسيا جعلت القمح يقلّ وجوده في السودان؟
عربيّا، مرّت سنة والعالم العربيّ لا يُفكّر في مستقبل الفرد فيه، هذا الفرد الذي قُصِم أمله بآلتين، آلة تعليم الأبناء وعالم الصحّة. أمّا تعليم الأبناء فقد صار في أيد متوحّشة، بعد أن تخلّت الدول عن رعاية التعليم وسلّمته لأيد ليست عالمة بل جابية للأموال، تبتزّ الأولياء في ظلّ ضعف المنظومة التعليميّة الحكوميّة، صار التعليم رهين من يدفع أكثر، تعليم جنونيّ بأموالٍ خياليّة، تُفقر الإنسان الحائر الذي يرغب في تعليمٍ أفضل لأبنائه لن يجده حتما في مؤسّسات الدولة.
مرّت سنة، والصحّة تتهاوى، وتتخلّى الدول العربيّة أيضا عن دعم المنظومات الصحيّة الحكوميّة وتسلّمها إلى الخواصّ، الذين يرون المرض مصدر رزق، فلا إنسانيّة ولا ثقة، وإنّما الداخل إلى هذه المؤسّسات هو شيكٌ ورصيد فقط.
مرّت سنةٌ، وحال المؤسّسات التعليميّة العربيّة يدعو إلى الرثاء والبكاء، هي مؤسّسات لا تنتج سوى الجهل بعد أن فقدت كلّ روح إبداعيّة، وبعد أن تحوّل الأستاذ الجامعيّ إلى مؤدّب صبية، يُلقّنهم وينتظر إرجاعهم يوم الاختبار، لا روح، لا إبداع، لا سؤال، يوم تتحوّل الجامعة إلى تقديم المعرفة اليقينيّة ويتحوّل الأستاذ الجامعي إلى موظّف يمضي استمارة دخول وخروج، فقل على البحث العلمي السلام.
مرّت سنة، والثقافة العربيّة في رعاية الرحمان، لا تصوّر ولا رؤية ولا خطّة، وإنّما أشخاصٌ يجتهدون في تمثيل هذه الثقافة، في المسرح، في السينما، في الرواية، في الشعر.
مرّت سنة، والعالم يسير نحو خراب مُحتمل يبعث البؤس والشؤم في أنفس الشباب الذين يأملون في حياة أفضل، تتغيّر مرحليّا وسائط الفعل سياسيّا وثقافيّا واقتصاديّا، ويبقى جزء من هذا العالم جامدا، فُرقة حاصلةٌ بين مواكبة الشباب لهذه التحوّلات وبين جمود تقليديّ للحركيّة الحياتيّة. شبابٌ يحسب أجر ميسي أو أي لاعب شهير بالدقيقة، وتريد أن تؤمّله بحياة أفضل أن يصير معلّم لغة عربيّة بعد سنوات دراسة شاقّة أو طبيبا يقوم الليل في سبيل أجرٍ شهريّ تُحصّله عارضة أكْل في مطعم أو باسمةٌ على الانستجرام في دقيقة، كيف يُمكن أن نقنع هؤلاء الشباب أن المعرفة هامّة، وأنّ العلم هو سبيل تحقيق الذات، وأنّ المفعول به ضروريّ الإدراك وأنّ الإنسان يجب أن يعلم الفارق بين الصفة المشبّهة وصيغة المبالغة، وأنّه من الكبائر أن لا يُدرك أنّ الفاعل مرفوع، وأنّ معرفة أعلى قمة في العالم هي كسب جليل، وأنّ الحساب هو قوام الحياة؟
مرّت سنة، وستمرّ أخرى وبونٌ شاسعٌ بين أفكار الشباب وما يأملونه ومسار العالم من حولهم. والعالم العربيّ مع الأسف يعيش في سبات دغمائيّ، معلّمون يُقضّون شطر النهار على مواقع الفايس بوك والتويتر وغيرها، ويقفون من بعد ذلك أمام الطلبة ينهونهم عن هذا الفعل ويُظهرون لهم أنّهم في غيّ وضلال، وعالم يسير نحو خراب وجهل وقَوَمتَه في ظلال ينعمون.
مرّت سنة، وككلّ سنة نقول: عيد بأيّة حال عدت.
مرّت سنة ولا شيء يحدثُ الآن وهنا، مرّت سنة والعالم في تدهور جنونيّ نحو الموت، ولا شيء يحدثُ، لا مراجعات، لا وقفة تأمّل، لا أسئلة حقيقيّة حول الوجود والعدم والكينونة والماهيّة، فقد الإنسانُ بدائيّته، جوهره، وتحوّل إلى سلعةٍ يُحسَب له حسابٌ في عالم شرس، يتغوّل نحو المجهول، نحو عدم الفهم. هل كان بول غوغان الرسّام الفرنسي البيروفي على حقّ عندما كفر بالمدنيّة، وآثر لفظَها ورفضَها والعودة إلى حياة البدائيّة في جزر التاهيتي حتّى موته؟
من العالم الوسيع نبدأ، مرّت سنة والعالم من حولنا يزداد قتامةً، حروبٌ وأوبئة منتشرة، يخفت وباءٌ ويتولّد وباءٌ جديد، تصمت حرب لتشتعل حربٌ جديدة، يتهاوى عالم نحو عدم الاطمئنان، لنعود إلى طرح السؤال الأساسيّ، لمَ يتطوّر الإنسان، هل ليتفنّن في لقاء حتفه؟ تعود أسئلة الوجود القديمة، ولكن بأكثر حرقة، وبأكثر وعي بقصديّة الدمار، صار الإنسانُ يعلم أنّ المتصرّفين في الكون لا يعملون لصالح الإنسان وإنّما هم يعملون لصالح رؤيةٍ تضمن لهم حسن البقاء، بيع الدواء أهمّ من إيجاد الدواء، خلق الوباء أهمّ من إدراك أصل الوباء.
مرّت سنة، والإنسانُ يُعاني رهاب المرض والحرب والجوع والعطش، يبحث عن تحقيق وجودٍ صار حبيس ضمان الحياة في ظلّ أنظمة صحيّة متوحّشة، تُتاجر في أمراض النّاس وتبتزّ صحّتهم، ولم يقف حكماء العالم للتساؤل عن مصير الإنسانيّة بعد هذه الموجات والهوجات من الأوبئة التي يصطنعونها والأدوية التي يبيعونها، وفي الميزان الإنسان في مهبّ رياح الرأسمالية المتوحّشة، تائه بين كدٍّ وجهد ونهْب مؤسّسات صحّة هي أوحش من مؤسّسات الحرب.
مرّت سنة، والعالم يتجهّز للدخول في حرب عالميّة لا نعلم عددها، وإن كانت شكلا حاصلة، حربٌ تدور رحاها بين قوى اختارت أن نكون قمحَ الرحى، حربٌ نفهم أبعادها وتوجّهاتها وأسبابها، ولا حول لنا ولا قوّة، في انتظار أيّ مجنون يُمكن أن يضغط على زرّ لإنهاء قسم من البشريّة. عجبٌ هذا الإنسان القادر على اختراع آلة يُمكن أن تنهي الكون في لحظات، العاجز عن تخفيف آلام النّاس أو إيجاد حلول لسعادة الإنسان. نُدرك بعد وعي من الزمن أنّ دولتين في العالم تُعيلان نصف الكرة الأرضيّة، فإن تخاصمتا جاعت البشريّة، وثلجت أوروبا، وارتفعت أسعار المعيشة في العالم، والحجّة الحرب بين أوكرانيا وروسيا. كيف يُمكن أن أقنع هذا الطفل في السودان أنّ الحرب بين أوكرانيا وروسيا جعلت القمح يقلّ وجوده في السودان؟
عربيّا، مرّت سنة والعالم العربيّ لا يُفكّر في مستقبل الفرد فيه، هذا الفرد الذي قُصِم أمله بآلتين، آلة تعليم الأبناء وعالم الصحّة. أمّا تعليم الأبناء فقد صار في أيد متوحّشة، بعد أن تخلّت الدول عن رعاية التعليم وسلّمته لأيد ليست عالمة بل جابية للأموال، تبتزّ الأولياء في ظلّ ضعف المنظومة التعليميّة الحكوميّة، صار التعليم رهين من يدفع أكثر، تعليم جنونيّ بأموالٍ خياليّة، تُفقر الإنسان الحائر الذي يرغب في تعليمٍ أفضل لأبنائه لن يجده حتما في مؤسّسات الدولة.
مرّت سنة، والصحّة تتهاوى، وتتخلّى الدول العربيّة أيضا عن دعم المنظومات الصحيّة الحكوميّة وتسلّمها إلى الخواصّ، الذين يرون المرض مصدر رزق، فلا إنسانيّة ولا ثقة، وإنّما الداخل إلى هذه المؤسّسات هو شيكٌ ورصيد فقط.
مرّت سنةٌ، وحال المؤسّسات التعليميّة العربيّة يدعو إلى الرثاء والبكاء، هي مؤسّسات لا تنتج سوى الجهل بعد أن فقدت كلّ روح إبداعيّة، وبعد أن تحوّل الأستاذ الجامعيّ إلى مؤدّب صبية، يُلقّنهم وينتظر إرجاعهم يوم الاختبار، لا روح، لا إبداع، لا سؤال، يوم تتحوّل الجامعة إلى تقديم المعرفة اليقينيّة ويتحوّل الأستاذ الجامعي إلى موظّف يمضي استمارة دخول وخروج، فقل على البحث العلمي السلام.
مرّت سنة، والثقافة العربيّة في رعاية الرحمان، لا تصوّر ولا رؤية ولا خطّة، وإنّما أشخاصٌ يجتهدون في تمثيل هذه الثقافة، في المسرح، في السينما، في الرواية، في الشعر.
مرّت سنة، والعالم يسير نحو خراب مُحتمل يبعث البؤس والشؤم في أنفس الشباب الذين يأملون في حياة أفضل، تتغيّر مرحليّا وسائط الفعل سياسيّا وثقافيّا واقتصاديّا، ويبقى جزء من هذا العالم جامدا، فُرقة حاصلةٌ بين مواكبة الشباب لهذه التحوّلات وبين جمود تقليديّ للحركيّة الحياتيّة. شبابٌ يحسب أجر ميسي أو أي لاعب شهير بالدقيقة، وتريد أن تؤمّله بحياة أفضل أن يصير معلّم لغة عربيّة بعد سنوات دراسة شاقّة أو طبيبا يقوم الليل في سبيل أجرٍ شهريّ تُحصّله عارضة أكْل في مطعم أو باسمةٌ على الانستجرام في دقيقة، كيف يُمكن أن نقنع هؤلاء الشباب أن المعرفة هامّة، وأنّ العلم هو سبيل تحقيق الذات، وأنّ المفعول به ضروريّ الإدراك وأنّ الإنسان يجب أن يعلم الفارق بين الصفة المشبّهة وصيغة المبالغة، وأنّه من الكبائر أن لا يُدرك أنّ الفاعل مرفوع، وأنّ معرفة أعلى قمة في العالم هي كسب جليل، وأنّ الحساب هو قوام الحياة؟
مرّت سنة، وستمرّ أخرى وبونٌ شاسعٌ بين أفكار الشباب وما يأملونه ومسار العالم من حولهم. والعالم العربيّ مع الأسف يعيش في سبات دغمائيّ، معلّمون يُقضّون شطر النهار على مواقع الفايس بوك والتويتر وغيرها، ويقفون من بعد ذلك أمام الطلبة ينهونهم عن هذا الفعل ويُظهرون لهم أنّهم في غيّ وضلال، وعالم يسير نحو خراب وجهل وقَوَمتَه في ظلال ينعمون.
مرّت سنة، وككلّ سنة نقول: عيد بأيّة حال عدت.