بدأ السباق العالمي على ارتياد الفضاء في عقد الخمسينيات من القرن الماضي بين الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان ذلك قد بدأ في إطار تنافسي أوسع بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا إلا أنه قدم خدمة كبرى للعلم وللإنسانية. ولا ينكر أحد حتى في المعسكر الغربي أن لحظة إطلاق أول قمر صناعي سوفييتي في أكتوبر من عام 1957 كانت لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية حينما استطاع الإنسان أن يصنع مركبة تصل سرعتها إلى 17 ألف ميل في الساعة استطاعت أن تضع أو قمر صناعي هو «سبوتنك1» على مدار حول الأرض. كما أن لحظة هبوط المركبة الفضائية «أبوللو» في عام 1969 على سطح القمر لحظة تاريخية خالدة لا تتكرر حيث وضع الإنسان قدمه على تراب القمر. ومنذ ذلك الوقت تحول موضوع ارتياد الفضاء من سباق موازٍ لسباق التسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى سباق علمي واستثماري. وأثمر هذا السباق عن فوائد جمة للبشرية تمثلت في فتح آفاق معرفية كبرى أفادت في الكثير من الأبحاث العلمية وفي تطوير الصناعات وتقديم اختراعات تخدم البشرية في مختلف المجالات.

ولم يقتصر هذا الاستثمار على الحكومات بل تحول إلى استثمار أفراد وشركات عامة كما هو الحال مع جيف بيزوس وإيلون ماسك وريتشارد براستون وهم من بين أكبر ثلاثة مليارديرات في العالم.

وموضوع غزو الفضاء خرج من سباق التنافس السياسي والعسكري إلى التنافس العلمي والاستثماري أو حتى السياحي كما في بعض الشركات التي بدأت تفكر في تنظيم رحلات سياحية قصيرة للفضاء.

ويشغل الجانب الاستثماري في مشاريع الفضاء سلطنة عمان، وكان واضحا عندما أعيد هيكلة وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أن يكون فيها «المركز الوطني للفضاء والتقنية المتقدمة والذكاء الاصطناعي» وتعمل الوزارة التي نظمت أمس ندوة حول قطاع الفضاء العماني على أن يكون القمر الصناعي العماني جاهزا للإطلاق في عام 2025، لكن الوزارة إلى جانب ذلك مهتمة أيضا بطرح فرص استثمارية جادة في مجال تطبيقات الفضاء التي باتت اليوم أساسية في الحياة اليومية ومن بينها الشراكة السحابية الفضائية، ومركز المحطات الأرضية، ومحطة الاستقبال المباشرة، ومنصة البيانات الفضائية الوطنية، ودعم تطبيقات البيئة التجريبية، ومركز الامتياز لتطبيقات الفضاء، والأقمار الاصطناعية المكعبية، ومسرعة شركات تطبيقات الفضاء، ومرصد الفضاء الوطني. وكلها مشاريع علمية مرتبطة بشكل مباشر بقطاع الفضاء.

ووقعت أمس وزارة «النقل والاتصالات» مع وزارة الإسكان والشركة الوطنية للخدمات الفضائية (NASCOM) على عقد حق انتفاع مشروع منصة إطلاق الصواريخ العلمية الفضائية والذي يهدف إلى بناء منصة إطلاق صواريخ فضائية علمية للهواة والباحثين «أحجام صغيرة». وكل هذه المشاريع إضافة إلى أهميتها الاستثمارية فإنها تؤسس لأرضية علمية مهمة. وإذا كان الرئيس الأمريكي جون كنيدي قد قال في عام 1961 في خطاب شهير وسط التنافس على غزو الفضاء «لقد اخترنا أن نذهب للقمر» وهو ما تحقق لبلاده في عام 1969 فإن هذه المشاريع العمانية تؤكد أننا «اخترنا أن نذهب للفضاء» بالمعنى الواسع للفضاء وما يفتحه من آفاق استثمارية.