تعد السياحة الثقافية من مقومات الترويج والجذب واستقطاب السياح، فالمدن الموغلة في التاريخ والحاضنة للمعالم الحضارية تصبح مقصدًا للباحثين عن الاستمتاع بالجمال والروح الإنسانية في الأعمال المادية كالقلاع والحصون والأسواق، أو الكامنة في الثقافة الشفوية كالموسيقى والفنون والحكايات الشعبية، التي يمكن تطويرها وتسويقها كثقافة إنسانية عالمية.

لذا فإن ترشيح المدن العُمانية لتكون عواصم للثقافة العربية أو الإسلامية، وإعلانها مدنا ثقافية يسهم في التعريف بمكونات الثقافة العمانية والترويج لها، ناهيك عن المردود الاقتصادي للأنشطة السياحية المرتبطة بتنظيم الفعاليات والمعارض المصاحبة، علمًا أن فكرة إعلان العواصم الثقافية كان مشروعا طرحته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) عام 1989، للتنمية الثقافية في المدن.

سبق وأن أُعلنت مسقط عاصمة للثقافة العربية 2006، من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، وأعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو) نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية 2015، ونأمل أن تترشح مدينة مرباط لتكون عاصمة ثقافية عربية أو إسلامية، كونها أول حاضرة في جنوب عُمان قبل انتقال المركز السياسي إلى مدينة ظفار (صلالة الحالية)، ناهيك عن المعالم الثقافية والأثرية التي تُبرز القيمة الحضارية والجمالية لأي مدينة، ففي مرباط يوجد ضريح الصحابي زهير بن قرضم المهري الذي وفد إلى رسول الله وأكرمه، كما يوجد العديد من أضرحة العلماء الذين أقاموا بمرباط ونشروا العلم والدعوة أمثال الشيخ محمد بن علي باعلوي المعروف (بصاحب مرباط) والمتوفى سنة (556هـ/ 1161م)، وضريح العلامة محمد بن علي القلعي المتوفى سنة (77هـ/1182م)، وقد حل القلعي بمرباط في زمن محمد بن أحمد المنجوي، وكان في طريقه إلى بغداد.

وتعد مرباط من أهم الموانئ التي يُصدّر منها اللبان، وأيضا محطة يمر بها الرحالة والمستكشفون، فقد ذكرها الضابط البريطاني ج.ج.لوريمر (ت 1914م) في كتابه (دليل الخليج) حين مر بها «تتكون مرباط من 150 منزلا وكوخا، و38 من المنازل المبنية من الحجارة، وهي الوحيدة جيدة التجهيز، ومن بينها منزل الشيخ ومقر سكن العقيد قائد الحامية، ويأخذ الناس احتياجاتهم من المياه من آبار في قاع وادي مرباط وهي تصب في البحر»، لوريمر نفسه ذكر في كتابه دليل الخليج القسم الجغرافي أن محمد بن عقيل السقاف هو من أمر بتشييد قلعة مرباط سنة 1806م.

تضم مدينة مرباط العديد من الأبنية الأثرية والساحات المهيأة للمناشط الثقافية والسياحية مثل: المتحف الموجود في حصن مرباط، وبيت بن سيدوف، وبيت الحبشي، وحصن أذيجر، ومسجد النور، ومسجد الجامع، وسوق مرباط الذي يحتاج إلى اهتمام عاجل، وآثار تحصينات المنجوي، بالإضافة إلى الآثار المكتشفة في خور روري وألواح خط المسند التي لا توجد في مكان آخر إلا في ولاية مرباط، كما توجد آثار أخرى عبارة عن نقوش ورسومات في كهوف الجدران، تحكي تصورات الإنسان وتعكس جانبا من أفكاره ومشاعره المعبّرة عنها بالرسم والنقوش.

طرحنا في ورقة العمل المقدمة في ندوة مرباط عبر التاريخ، المنتدى الأدبي مرباط 2012، العديد من التوصيات التي نراها جديرة بالدراسة والاهتمام بمدينة مرباط القديمة ومنها «إعداد سجل وطني يعنى بتسجيل المعالم التاريخية والمستكشفات الأثرية من أدوات حجرية أو معدنية وغيرها، قصد توثيقها أولًا والحفاظ عليها وثانيا تجنيبها عمليات السرقة والسطو، وتدرج في هذا السجل المعالم الأثرية والتاريخية وكذلك المناطق المُصنفة كمواقع أثرية ليس في ولاية مرباط وحدها بل في كل ولايات سلطنة عمان، كذلك المطالبة بإدراج مدينة مرباط القديمة ضمن قائمة التراث العالمي التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بغية الحصول على المساعدة الفنية في صون وحماية آثار مدينة مرباط المهددة بالاندثار.

إنّ ترشيح ملف مرباط لتكون عاصمة للثقافة العربية أو الإسلامية، يتطلب تضافر عدة جهود حكومية ومدنية للحصول على الموافقة وإعلان المدينة عاصمة ثقافية، علمًا أن المدن العربية المعلنة كعواصم ثقافية في الفترة القادمة (بورتسودان 2023، طرابلس لبنان 2024، بنغازي 2025، الدرعية في المملكة العربية السعودية 2030).