قبل عقود من الزمن كان الخطاب الرياضي السائد في دول «مجلس التعاون الخليجي» أن «كأس الخليج لكرة القدم» بالنسبة لها يعادل كأس العالم. لا يمكن أن نشرح اليوم هذه العبارة بعيدا عن سياقها التاريخي الذي انطلقت فيه مباريات كأس الخليج، وحين نعي ذلك السياق جيدا نستطيع أن نعرف حقا أن ذلك الخطاب كان صادقا جدا. لم يكن الحدث الخليجي الجماهيري مجرد حدث رياضي، ولكنه كان يتحول إلى مناسبة لتكريس التقارب بين الدول الخليجية عبر بوابة الرياضة التي تمتلك قاعدة شعبية كبيرة جدا. ونجح الأمر إلى حد كبير، ولذلك كان الجميع ينتظر الحدث، الذي يتحول إلى مناسبة «وطنية» خليجية تبرز فيه خطابات التقارب، ودواعيه، ومبرراته. وبالعودة إلى الأغاني التي رافقت البطولات السابقة يمكن أن تكشف الكثير من التفاصيل.

لكنّ السنوات مرّت مرورها الطبيعي، وبدأت أحلام المنتخبات الخليجية تتجاوز «كأس العالم» الخليجي إلى كأس العالم الحقيقي. وبالفعل فقد وصلت بعض المنتخبات إلى نهائيات كأس العالم، وتجاوز بعضها دوري المجموعات، بل إن كأس العالم جاء بقضه وقضيضه، وتاريخه، وجماهيره العالمية إلى الخليج لتعيش شعوب المنطقة عن قرب معنى كأس العالم. كان يمكن لهذا الحدث أن يقلل من نظرة الجماهير الخليجية لفكرة «كأس الخليج» الذي كانت تراه معادلا لـ «كأس العالم» بعد أن عاشت لحظته في منطقتها.. لكنّ ما يحدث هو العكس، فرغم قرب المسافة الزمنية بين الحدثين «أقل منه شهر» فإن وهج كأس الخليج ما زال يسري في عروق الجماهير الخليجية التي تحتفي به بوصفه «كأس العالم الخليجي» لأن الموضوع بالنسبة لها يخرج، بحكم التأسيس، من مجرد تنافس رياضي، إلى حالة اجتماعية لها أبعادها السياسية. وما يؤكد هذا القول إن البطولة الخليجية ما زالت خارج اعتراف الفيفا، لكن اعتراف الفيفا ليس هو من يصنع الفرحة أو الحالة الاحتفائية، إنما من يصنعها لحظة التقارب بين الشعوب الخليجية.

وبهذا المعنى يستحق «كأس الخليج» أن نبقى ننظر إليه بوصفه حالة اجتماعية وسياسية، وهي حالة تستحق استمرار الدعم من القادة في المنطقة وكذلك من الجماهير فهو قادر أن يرمم الكثير من الانكسارات التي شهدتها المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية.