مع قرب مرور عام على الحرب الروسية - الاوكرانية لا يستطيع المحللون السياسيون الآن التباهي على قارئهم والتبجح على ذكائه مدعين أنهم يفعلون شيئا خارقا للعادة عندما يتنبؤون له بمسار هذه الحرب على المدى القصير وربما المتوسط.
فعندما يقولون للقارئ الآن أولا أنها لن تنتهي قريبا وأنها قد تدوم سنينا "بعض المتشائمين يقول قد تستمر عقودا"، أو عندما يقولون له ثانية إنها ستتحول لحرب "استنزاف" طويلة ومنهكة قد تصل إلى حد الانقلاب الصريح على قواعد اللعبة الحذرة التي بدأت بتهيب كل الأطراف بها فإن هؤلاء المحللون لا يجترحون معجزة.
أولا: التآكل التدريجي في عناصر الإبهام والغموض في هذا النزاع
هذا التآكل بات واضحا في عيون الجميع، ونسميها في هذا المقال "سقوط بيوت العنكبوت الواهنة" التي زرعتها "أوهام" بثها طرفا الصراع الحقيقيين وهما الغرب بقيادة أمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى في بداية الحرب فبراير الماضي.
فالروس الذين توقعوا نصرا حاسما سريعا يحيد تماما الجيش الأوكراني الذي يحارب بالوكالة عن واشنطن والناتو ويمثل تهديدا مباشرا لأمن موسكو القومي.. خاب توقعهم جزئيا ولحقت بهم خسائر مؤلمة في الجنود والاسلحة كما أن جزءا من التقدم العسكري على الأرض الذي حققوه في "دونباس" والجنوب تراجعوا عنه وتراجع معه قدر غير قليل من الهيبة والثقة في العسكرية الروسية.
واشنطن التي حشدت أوروبا والأطلسي وتحالف الغرب الامبريالي الصناعي الواسع بحسبان مشاركة استراليا وكندا واليابان في لحظة خضوع تام لقيادة البيت الأبيض ربما لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية وسنوات "مشروع مارشال" التي تلتها والتي ثبت أنها أعدت العدة لهذه الحرب واستدراج الدب الروسي إلى التورط منذ نحو عقد من السنوات عندما فضحت تصريحات آنجيلا ميركل الشهر الماضي المستور عنها وفيها توقعت أن الجيش الأوكراني الذي استثمرت فيه تدريبا ومعونات عسكرية سيلحق بالروس هزيمة مذلة من دولة أصغر بكثير على غرار هزيمة أجدادهم المشينة أمام اليابان سنة 1905.
لكن الاستثمار السخي من 2014 والذي تضاعف عدة مرات وبلغ حد "السفه" أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوربيين خلال شهور الحرب ال11 الماضية لم يحصل علي عائد مكافئ فالجيش الأوكراني وإن كان قد حقق صمودا نسبيا أكثر من المتوقع أمام الآلة العسكرية الروسية فإن خسائره في الحرب كانت أفدح من الروس بكثير "خسرت أوكرانيا مائة وخمسين ألف قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى وخسرت عشرين في المائة أي خمس أراضيها، استولى عليه الجيش الروسي وأقام فيها جمهوريات انفصالية انضمت بعد استفتاءات شعبية إلى الاتحاد الروسي.
أما الخسائر الأخرى خارج ميادين القتال فحدث عنها ولا حرج من أول نزوح ملايين الأوكرانيين كلاجئين أو تدمير قسم وازن من البنية التحتية حتى غرق نحو ربع البلاد في الظلام والصقيع بدون كهرباء ولا تدفئة مع دخول فصل الشتاء الرهيب جراء الهجمات الجوية والصاروخية الروسية.
ثانيا: حملة الشتاء الروسي العسكري المتوقع خلال أسابيع قليلة ونتائجها المتوقعة على تغيير قواعد الصراع بما فيها احتمالات تورط الناتو وربما الجيش الأمريكي فيها:
اقتراب اكتمال عام (فبراير 2022) على اندلاع الحرب ليس السبب الوحيد التوقعات المتشائمة التي باتت في متناول الجميع ولكن، أيضا وخصوصا، ما بات شبه مؤكد وهو أن الجيش الروسي
سيشن هجوما عسكريا كبيرا على الجيش الاوكراني لتطهير دونباس تماما منه مستفيدا من الانخفاض المتوالي في درجات الحرارة وسيادة الجنرال "ثلج" مما يجعل حركة المدرعات (دبابات وعربات) سهلة بدون عوائق في التقدم والمناورة خاصة مع عملية التعويض البشري الهائلة (تم استدعاء 300 ألف جندي وتم استعواض كثير من المعدات والذخيرة التي فقدها الجيش الروسي في العام المنصرم). الهدف الروسي الاستراتيجي واضح وضوح الشمس هو إنهاء وجود القوات الاوكرانية في الشرق والتقدم حتى الاستيلاء على الضفة الشرقية لنهر DNIEPER
أي تمكين روسيا من تقسيم أوكرانيا إلى قسمين قسم شرقي يضم المنطقة الصناعية المزدهرة تحت النفوذ الروسي وقسم غربي أقل تقدما وإنتاجا للثروة تحت سيطرة حكومة زيلينسكي الموالية للغرب.
وكما لم تسمح أمريكا والناتو للروس بالاحتفاظ مكاسبهم العسكرية الكبيرة التي حققوها في شهور الحرب الأولي ودعموا الجيش والاقتصاد الأوكراني بأكبر مساعدات عسكرية ومالية في التاريخ المعاصر في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة ومكنوا الجيش الأوكراني من شن هجمات مضادة أعادت خيرسون الاستراتيجية ومواقع أخرى للجيش الأوكراني فهي أيضا بالقطع لن تسمح بمثل هذا النصر الحاسم للهجوم الروسي الشتائي الوشيك وإنهاء الحرب وموسكو منتصرة وقادرة على الحصول على مطالبها الاستراتيجية الثلاث من شنها الحرب على أوكرانيا. التغير النوعي الحاصل في تخلي أمريكا ودول الناتو الأسبوعين الأخيرين عن امتناعها عن تزويد أوكرانيا بمدرعات غربية متقدمة مثل دبابات برادلي الأمريكية هو مجرد مؤشر ليس فقط على أن هزيمة أوكرانية صريحة أمام الجيش الروسي هو خط أحمر أمريكي وأطلسي ولكن أيضا هو أن حلم أمريكا في تجنب الخبرة المريرة في التورط المباشر بجنودها في حروب جديدة وهي المرارة التي تجرعتها في فيتنام والتي تكررت حديثا وجزئيًا في أفغانستان هو حلم قد يتبخر لأن تصميم معسكر الحرب في واشنطن المسيطر على صنع القرار في عهد بايدن على سحق نظام بوتين وإخضاع روسيا كمقدمة لاحتواء أو الهيمنة على التنين الصيني في المستقبل قد لا يجعلها قادرة - في مرحلة ما من التقدم الروسية نحو انتصار حاسم - على السيطرة على رد الفعل وعلى "كوابح" تدخلها غير المباشر في النزاع وقد ينتهي الأمر ببايدن الديمقراطي بنهاية تراجيدية كنهاية ديمقراطي آخر هو ليندون جونسون الذي ورط بلاده في حرب فيتنام وصنع هذه العقدة النفسية الكبيرة في التاريخ الأمريكي.
نحن أمام حرب استنزاف طويلة مرهقة فالروس اقتصادا وأمة يستطيعون تحمل حرب طويلة خاصة أنها لا تدور على أراضيهم والولايات المتحدة الأمريكية تستطيع تحمل استمرار حربها بالوكالة في أوكرانيا عشرات المرات أكثر من روسيا خاصة وقد ثبت أنها أكثر المستفيدين من الحرب اقتصاديا (أعظم صعود للدولار منذ سنوات، عقود قد تصل إلى تريليونات الدولارات لصناعة السلاح الأمريكية، تراجع نوعي للتنافسية الصناعية والمالية الأوروبية أمام الاقتصاد الأمريكي) واستراتيجيا إذ قضت تماما على كل انجاز الاستقلال الأوروبي عنها الذي صنعه التحالف الاستراتيجي بين ألمانيا وفرنسا لمفهوم الوحدة الأوروبية وقاده زعماء من وزن شارل ديجول وأصبح نصف الكرة الغربي كله صلصالا طيعا تشكله حيث وكيف تشاء على الأقل حتى إشعار آخر.
أما الخراب الرهيب الذي سيلحق بالعالم خاصة شعوبه الفقيرة في الجنوب من ركود اقتصادي وربما مجاعات جزئية مع اضطراب سلاسل الإمداد خاصة الغذائية فهذا ثمن تراه موسكو هينا لما تراه تهديدا وجوديا لها كأمة وكنظام سياسي اختار أن يتحدى القيم والهيمنة الغربية، وهو أيضًا ثمن بخس طالما حملته أمريكا للعالم بشكل شبه يومي خاصة الجنوب الفقير منه في ال75 عاما الأخيرة مقابل استمرار هيمنتها وتفردها بالقرار الاقتصادي والسياسي العالمي وطريقة التوزيع غير العادل اللا متكافئ لموارده وثرواته حتي التي توجد لدي الشعوب الأخرى.
فعندما يقولون للقارئ الآن أولا أنها لن تنتهي قريبا وأنها قد تدوم سنينا "بعض المتشائمين يقول قد تستمر عقودا"، أو عندما يقولون له ثانية إنها ستتحول لحرب "استنزاف" طويلة ومنهكة قد تصل إلى حد الانقلاب الصريح على قواعد اللعبة الحذرة التي بدأت بتهيب كل الأطراف بها فإن هؤلاء المحللون لا يجترحون معجزة.
أولا: التآكل التدريجي في عناصر الإبهام والغموض في هذا النزاع
هذا التآكل بات واضحا في عيون الجميع، ونسميها في هذا المقال "سقوط بيوت العنكبوت الواهنة" التي زرعتها "أوهام" بثها طرفا الصراع الحقيقيين وهما الغرب بقيادة أمريكا من جهة وروسيا من جهة أخرى في بداية الحرب فبراير الماضي.
فالروس الذين توقعوا نصرا حاسما سريعا يحيد تماما الجيش الأوكراني الذي يحارب بالوكالة عن واشنطن والناتو ويمثل تهديدا مباشرا لأمن موسكو القومي.. خاب توقعهم جزئيا ولحقت بهم خسائر مؤلمة في الجنود والاسلحة كما أن جزءا من التقدم العسكري على الأرض الذي حققوه في "دونباس" والجنوب تراجعوا عنه وتراجع معه قدر غير قليل من الهيبة والثقة في العسكرية الروسية.
واشنطن التي حشدت أوروبا والأطلسي وتحالف الغرب الامبريالي الصناعي الواسع بحسبان مشاركة استراليا وكندا واليابان في لحظة خضوع تام لقيادة البيت الأبيض ربما لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية وسنوات "مشروع مارشال" التي تلتها والتي ثبت أنها أعدت العدة لهذه الحرب واستدراج الدب الروسي إلى التورط منذ نحو عقد من السنوات عندما فضحت تصريحات آنجيلا ميركل الشهر الماضي المستور عنها وفيها توقعت أن الجيش الأوكراني الذي استثمرت فيه تدريبا ومعونات عسكرية سيلحق بالروس هزيمة مذلة من دولة أصغر بكثير على غرار هزيمة أجدادهم المشينة أمام اليابان سنة 1905.
لكن الاستثمار السخي من 2014 والذي تضاعف عدة مرات وبلغ حد "السفه" أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوربيين خلال شهور الحرب ال11 الماضية لم يحصل علي عائد مكافئ فالجيش الأوكراني وإن كان قد حقق صمودا نسبيا أكثر من المتوقع أمام الآلة العسكرية الروسية فإن خسائره في الحرب كانت أفدح من الروس بكثير "خسرت أوكرانيا مائة وخمسين ألف قتيل، ومئات الآلاف من الجرحى وخسرت عشرين في المائة أي خمس أراضيها، استولى عليه الجيش الروسي وأقام فيها جمهوريات انفصالية انضمت بعد استفتاءات شعبية إلى الاتحاد الروسي.
أما الخسائر الأخرى خارج ميادين القتال فحدث عنها ولا حرج من أول نزوح ملايين الأوكرانيين كلاجئين أو تدمير قسم وازن من البنية التحتية حتى غرق نحو ربع البلاد في الظلام والصقيع بدون كهرباء ولا تدفئة مع دخول فصل الشتاء الرهيب جراء الهجمات الجوية والصاروخية الروسية.
ثانيا: حملة الشتاء الروسي العسكري المتوقع خلال أسابيع قليلة ونتائجها المتوقعة على تغيير قواعد الصراع بما فيها احتمالات تورط الناتو وربما الجيش الأمريكي فيها:
اقتراب اكتمال عام (فبراير 2022) على اندلاع الحرب ليس السبب الوحيد التوقعات المتشائمة التي باتت في متناول الجميع ولكن، أيضا وخصوصا، ما بات شبه مؤكد وهو أن الجيش الروسي
سيشن هجوما عسكريا كبيرا على الجيش الاوكراني لتطهير دونباس تماما منه مستفيدا من الانخفاض المتوالي في درجات الحرارة وسيادة الجنرال "ثلج" مما يجعل حركة المدرعات (دبابات وعربات) سهلة بدون عوائق في التقدم والمناورة خاصة مع عملية التعويض البشري الهائلة (تم استدعاء 300 ألف جندي وتم استعواض كثير من المعدات والذخيرة التي فقدها الجيش الروسي في العام المنصرم). الهدف الروسي الاستراتيجي واضح وضوح الشمس هو إنهاء وجود القوات الاوكرانية في الشرق والتقدم حتى الاستيلاء على الضفة الشرقية لنهر DNIEPER
أي تمكين روسيا من تقسيم أوكرانيا إلى قسمين قسم شرقي يضم المنطقة الصناعية المزدهرة تحت النفوذ الروسي وقسم غربي أقل تقدما وإنتاجا للثروة تحت سيطرة حكومة زيلينسكي الموالية للغرب.
وكما لم تسمح أمريكا والناتو للروس بالاحتفاظ مكاسبهم العسكرية الكبيرة التي حققوها في شهور الحرب الأولي ودعموا الجيش والاقتصاد الأوكراني بأكبر مساعدات عسكرية ومالية في التاريخ المعاصر في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة ومكنوا الجيش الأوكراني من شن هجمات مضادة أعادت خيرسون الاستراتيجية ومواقع أخرى للجيش الأوكراني فهي أيضا بالقطع لن تسمح بمثل هذا النصر الحاسم للهجوم الروسي الشتائي الوشيك وإنهاء الحرب وموسكو منتصرة وقادرة على الحصول على مطالبها الاستراتيجية الثلاث من شنها الحرب على أوكرانيا. التغير النوعي الحاصل في تخلي أمريكا ودول الناتو الأسبوعين الأخيرين عن امتناعها عن تزويد أوكرانيا بمدرعات غربية متقدمة مثل دبابات برادلي الأمريكية هو مجرد مؤشر ليس فقط على أن هزيمة أوكرانية صريحة أمام الجيش الروسي هو خط أحمر أمريكي وأطلسي ولكن أيضا هو أن حلم أمريكا في تجنب الخبرة المريرة في التورط المباشر بجنودها في حروب جديدة وهي المرارة التي تجرعتها في فيتنام والتي تكررت حديثا وجزئيًا في أفغانستان هو حلم قد يتبخر لأن تصميم معسكر الحرب في واشنطن المسيطر على صنع القرار في عهد بايدن على سحق نظام بوتين وإخضاع روسيا كمقدمة لاحتواء أو الهيمنة على التنين الصيني في المستقبل قد لا يجعلها قادرة - في مرحلة ما من التقدم الروسية نحو انتصار حاسم - على السيطرة على رد الفعل وعلى "كوابح" تدخلها غير المباشر في النزاع وقد ينتهي الأمر ببايدن الديمقراطي بنهاية تراجيدية كنهاية ديمقراطي آخر هو ليندون جونسون الذي ورط بلاده في حرب فيتنام وصنع هذه العقدة النفسية الكبيرة في التاريخ الأمريكي.
نحن أمام حرب استنزاف طويلة مرهقة فالروس اقتصادا وأمة يستطيعون تحمل حرب طويلة خاصة أنها لا تدور على أراضيهم والولايات المتحدة الأمريكية تستطيع تحمل استمرار حربها بالوكالة في أوكرانيا عشرات المرات أكثر من روسيا خاصة وقد ثبت أنها أكثر المستفيدين من الحرب اقتصاديا (أعظم صعود للدولار منذ سنوات، عقود قد تصل إلى تريليونات الدولارات لصناعة السلاح الأمريكية، تراجع نوعي للتنافسية الصناعية والمالية الأوروبية أمام الاقتصاد الأمريكي) واستراتيجيا إذ قضت تماما على كل انجاز الاستقلال الأوروبي عنها الذي صنعه التحالف الاستراتيجي بين ألمانيا وفرنسا لمفهوم الوحدة الأوروبية وقاده زعماء من وزن شارل ديجول وأصبح نصف الكرة الغربي كله صلصالا طيعا تشكله حيث وكيف تشاء على الأقل حتى إشعار آخر.
أما الخراب الرهيب الذي سيلحق بالعالم خاصة شعوبه الفقيرة في الجنوب من ركود اقتصادي وربما مجاعات جزئية مع اضطراب سلاسل الإمداد خاصة الغذائية فهذا ثمن تراه موسكو هينا لما تراه تهديدا وجوديا لها كأمة وكنظام سياسي اختار أن يتحدى القيم والهيمنة الغربية، وهو أيضًا ثمن بخس طالما حملته أمريكا للعالم بشكل شبه يومي خاصة الجنوب الفقير منه في ال75 عاما الأخيرة مقابل استمرار هيمنتها وتفردها بالقرار الاقتصادي والسياسي العالمي وطريقة التوزيع غير العادل اللا متكافئ لموارده وثرواته حتي التي توجد لدي الشعوب الأخرى.