يقالُ بأنّ إدارة القرارات الناجحة، أشبه بدورة دموية نشطة، حيث يتدفقُ الدم من القلب ليسري بانتظام في الشرايين، دون أن تعوقه التجلطات والتخثرات، ولكن هذا ما لا يحدثُ أبدا عندما تكون القرارات مُنبتة عن أرضيتها الواقعية من جهة، وتُتخذُ بمعزل عن الشركاء الحقيقين المعنيين بتنفيذها من جهة أخرى.

لقد بات الحديثُ عن قرار مواصلة الدراسة أثناء فترة امتحانات الفصل الأول للحلقة الثانية (5-11)، حديثُ الساعة في عُمان، وكما يبدو فإنّ الثلة العظمى من المجتمع، من طلاب وأولياء أمور، قد واجهوا الأمر على مضض، شاعرين أنّه قرار لا يُحقق أي جدوى تذكر.

وعندما سألنا عن السبب الذي يجعل طلبة المدارس يضطرون للذهاب اليومي - في حالة أنّهم سيمتحنون أم لا- ويضطرون كذلك للخروج في الساعة الثانية عشرة ظهرا عوض أن يخرجوا عقب امتحاناتهم مباشرة كما هو معتاد، كانت الردود الجاهزة تُشير إلى أنّ القرار يصبُّ في مصلحة الطلاب بالدرجة الأولى، كيلا يخرجوا خارج المدارس فيحدثوا الفوضى ويجلبوا المصائب، وقد يبدو الأمر مثاليا في صورته الأولى، ولكن بقليل من التعمق والتبصر يُمكننا أن نرى أن مُتخذ القرار يمضي بسفينته دون وجهة مُحددة ولذا من الأكيد أنّه لن يجد رياحا مواتية!

فلو نزلنا قليلا إلى الأرض الواقعية سنكتشفُ بكل بساطة، بأنّ الطلبة سيخترقون كالعادة هذه القرارات بتشجيع من أساتذتهم لأنّها لا تخدم أي طرف من الطرفين. فلن تمنع إدارة أي مدرسة أولياء الأمور من تغيب أبنائهم في الأيام التي لا يختبرون فيها، كما لن تمنع اصطحابهم لأولادهم بعد الامتحانات مباشرة، وبالتالي سيتورط الطلبة الذين لا يأتي أحد لأخذهم ويعتمدون على حافلات المدرسة المتورطة هي الأخرى بهذا القرار!

إن ما يفعله قرار من هذا النوع، هو زيادة الأعباء والضغوطات النفسية على الطلبة في فترة الامتحانات، فلو افترضنا وجود فاقد تعليمي فهل يمكن ترميمه في هاتين الساعتين؟ يكابدُ العديد من الطلبة الشعور العارم بالقلق والتوتر قبل وبعد الاختبار، ولذا يحتاج الطالب فسحة من الوقت ليتجاوز الامتحان السابق بخيره وشره، لكي يبدأ مشوارا جديدا مع مادة أخرى. كما أنّ الطالب سيكون مُشتت الذهن بسبب محاولة بعض الرفقة مراجعة الامتحان الفائت وتقليب المواجع، الأمر الذي سيضاعف قلقله فيما لو أنّه لم يؤد الامتحان كما كان يأمل!

بعض الطلبة يعتمدون أسلوب السهر الليلي، ويحتاجون قيلولة قبل البدء بدراسة محتوى مادة جديدة، كما يتوجب عليهم مواجهة مواد شديدة الدسامة تتطلب صفاء الذهن.

أما الضحايا الحقيقيون لهذا القرار فهم طلبة التعليم المسائي الذين سيُهدَرُ صباحهم ومساءهم وتضيع أوقاتهم!

لو افترضنا أنّ المدارس لا تستطيع التحكم بالطلبة، فيمكن الاستعانة بدورية شرطة، وضبط إيقاع انصراف الطلبة عقب الامتحانات.. ألا تبدو هذه الحلول واقعية أكثر!

هذا فيما يتعلق بالطلبة، أمّا ما يتعلق بالمدرسة، فكأن مُتخذ القرار قد نسي أو تناسى أنّ المدارس ستكون مُهيأة لتكون لجان وكل لجنة لا تستوعب أكثر من عشرين طالبا، فهل ينبغي إنفاق الساعتين الإضافتين في هدم وبناء اللجان؟ أم على "السوبر مُعلم" أن ينشطر أو يستنسخ نفسه، باعتباره مُعلما لأكثر من صف دراسي وأكثر من شُعبة؟ هل علينا إعمال خيالنا لكي تصبح الفكرة واقعية في ظل دسامة المناهج من جهة وشُح المعلمين من جهة أخرى!

ارتأت بعض إدارات المدارس الحالمة أن يقوم "السوبر معلم" بتجهيز أنشطة للصفوف التي لن يتمكن من تدريسها في الوقت ذاته، وهكذا ظنوا بأنّ المشكلة حُلت! يحدث كل هذا دون أي محاولة واقعية للنظر إلى هذا الكائن البشري، كونه يُراقب على اللجان، وعليه أن يُصحح الامتحانات، ويُضاف إليه هذا العام مهمة التدريس وملء أوقات الطلبة بالأنشطة ريثما ينصرفون!!

وينبغي على هذا الكائن الخارق للعادة أن يُنجز التصحيح بذمة وضمير وبدون أخطاء، فمن يدري ربما يدخل اسمه كمراقب لامتحانات الثانوية العامّة أيضا!

ثمّ يسألون: لماذا يتقاعد المعلمون بكثافة، ويتدنى المستوى التعليمي؟ ولا يسألون عن القرارات التي تُنسجُ في مكاتب معزولة عن معمعة المدارس!

وليس علينا الآن سوى أن ننتظر ونرى كيف ستسير الأمور في الأسبوعين المقبلين لنقيم التجربة!