ماذا حدث في سلطنة عمان خلال العام الجاري الذي توشك أيامه على الأُفول، لتسلمنا إلى عام جديد على صفحة أيامه آمال وتطلعات كثيرة؟

لقد كان عاما استثنائيا، شهد الكثير من التحولات البنيوية في سلطنة عمان. في هذا العام استطاعت عمان تجاوز محنة وباء فيروس كورونا وعادت الحياة إلى طبيعتها بعد عامين عصيبين جدا. كان الأمر أشبه بمعجزة، ليس في عُمان فقط ولكن بالنسبة للبشرية التي استطاعت أن تبعد عن تفكيرها هاجس الفناء البشري. ورغم أن تأثيرات هذين العامين لا يمكن أن تنتهي بهذه السهولة نظرا لفداحة ما حدث، فإن مرحلة التعافي الاقتصادي بدا أنها تتحقق بصورة واضحة. لكنّ التأثيرات الصحية ليست وحدها التي جعلت المشهد حينها كارثيا؛ فالجانب الاقتصادي كان أحد أبرز المتضررين من الجائحة، وعندما يتأثر الاقتصاد فإن كل شيء يتأثر سلبا، إلا أن الاقتصاد هو الآخر بدأ في التعافي وتجاوز خسائره الكبيرة. الوضع المالي هو الآخر شهد تحولات كبيرة في سلطنة عمان خلال العام الجاري، إذ كانت تقديرات المتخصصين في الجوانب المالية تشير إلى أن هذا العام سيكون «عام عنق الزجاجة»، لكنّ ما حدث أن الدولة استطاعت أن تخرج بعيدا عن «عنق الزجاجة» وتصبح في منطقة آمنة إلى حد كبير، وقادرة على بناء استدامة مالية مستقبلية.

يمكن أن نطلق على عام 2022 في سلطنة عمان عام «التوازن»، فقد استطاعت البلاد خلاله أن تستعيد توازنها المالي بعد أعوام عاصفة بالتحديات المالية أوصلت الدَّين العام إلى حوالي 22 مليار ريال عماني لأول مرة في تاريخ البلاد.

وعندما بدأت أيام العام الجاري كان متوقعا أن يصل العجر في الميزانية العامة للدولة إلى 1.5 مليار ريال عماني رغم تبنّي خطة توازن مالي لم تخلُ من تأثيرات رغم ما صاحبها من برامج الحماية الاجتماعية، إلا أننا نختتم هذا العام وهناك فائض في الميزانية يزيد على 1.2 مليار ريال عماني، علما أن حجم الإنفاق قد زاد عما كان مخططا له في الميزانية، ورغم أن الدولة استطاعت تسديد جزء لا بأس به من الدَّين. وعندما نتحدّث عن تحويل عجز مالي قدره 1.5 مليار ريال عماني إلى فائض قدره 1.2 مليار ريال فإننا دون أن نحسب حجم الإنفاق الذي زاد عما كان مقدّرا في الميزانية فهذا يعني أننا استطعنا تسجيل فائض يعادل العجز المتوقع مضافا إليه الفائض المسجل.

كيف حدث كل ذلك؟ يعتقد البعض أن الفضل وحده لطفرة أسعار النفط، ولا شك أن لها دورا كبيرا، لكن الحقيقة أن هناك أمرا آخر لا يمكن أن نتجاوزه إن كنا نريد قراءة ما حدث بصورة حقيقية.

الأمر المهم في المشهد كله يتمثل في فكرة «القيادة»، القيادة وحدها التي تستطيع صنع ذلك. لقد استطاع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أن يقود عُمان خلال الأعوام الثلاثة الماضية في مرحلة صعبة جدا. كان المشهد الصحي في العالم ينذر بخطر كبير، وكانت الحياة شبه متوقفة في كل مكان.. هذا الأمر عطّل الاقتصاد في العالم وضرب خطوط الإمداد في مقتل. وكان كل شيء ينهار أمام عيوننا. في المقابل كان الوضع المالي أخطر بكثير مما يمكن أن نتصوّر، وكان التصنيف السيادي للبلاد يتراجع.

كان الأمر يحتاج إلى قائد يستطيع العبور بالبلاد إلى لحظة آمنة.. وهذا ما فعله صاحب الجلالة -أعزه الله- لقد استطاع أن يدير دفة قيادة دولة مترامية الأطراف، لها قيمها السياسية التي لا يمكن أن تحيد عنها، ولها مبادئها الراسخة، كل ذلك حدث في ظروف صعبة جدا. لكننا ونحن نخطو لدخول عتبة العام الجديد فإن ذلك المشهد قد تغيّر، واستعادت عمان توازنها المالي والصحي، واستعادت تصنيفها السيادي، وهي اليوم تدخل العام الجديد بطموحات كبيرة وبرؤية واضحة المعالم بعيدة إلى حد كبير عن التحديات التي صاحبت بداية العام الجاري.