يحب الإنسان بطبعه المال، فقد وصفه رب العزة بزينة الحياة الدنيا، لهذا يقضي جل عمره في العمل من أجل كسب المال، لكن هناك فئة من البشر تخاف المال، فيما بات يسمى برهاب (الكرماتوفوبيا) الذي يجعل الإنسان غير قادر على الاستمتاع بماله، ويعيش حالة رعب دائمة من التعامل مع المال كسبا وإنفاقا، يصل الأمر بالبعض إلى الإحجام عن صرفه على الاحتياجات الضرورية، مثل تسديد الديون حتى لو كان قادرا على ذلك، تفزعه رسالة نصية عبر هاتفه قد تفيد بخصم مبلغ من حسابه، ولا يستطيع هذا النوع من الناس النظر في كشف حسابه المصرفي خوفا مما سيجده، وقد يحدث العكس عند البعض فتجده يحسب أمواله بشكل متكرر.

قد يبدو الأمر مضحكا للبعض، لكن هذا الرهاب كمثيلاته من أنواع الرهاب المختلفة مؤلم للغاية لمن يعاني منه، تجعله غير قادر على الاستمتاع بالحياة، ويفسد بذلك كثير من علاقاته، ويسبب المعاناة لأسرته والمحيطين به.

يرى علماء النفس السلوكي أن هذا النوع من الرهاب قد ينشأ نتيجة صدمة انفعالية لها صلة بالمال عانى منها الفرد، كإفلاس عائلته الثرية على سبيل المثال، أو طلاق والديه بسبب مشاكل مالية كانا يتشاجران عليها أمامه وهو طفل، وقد تنشأ أيضا من الثراء المفاجئ لمن عانى ذل الفقر، فهو كمن يعيش حلما غير مصدق بأنه حقيقي، فيعيش حالة من الذعر من فقدان ماله.

المعتقدات السائدة أيضا في مجتمعاتنا حول الأثرياء ووصفهم بالهوامير، وبأنهم لصوص وسارقون، يعزز للأسف الشديد الشعور السلبي تجاه المال.

وفي أحيان أخرى تولد هذه الصدمات والمعتقدات شعور عارم بالذنب تجاه كسب المال أو إنفاقه، فيعيش الفرد حالة من الزهد المبالغ فيه والتقشف، هذه الفئة التي تتغنى بأن المال وسخ دنيا، هي في الحقيقة تعاني شعوره بالذنب يجعلها تعتقد أنه بكسبها للمال فهي تمنع وصوله للمحتاجين الذي هم أحق به، يصل الحال عند التفكير في إنفاق المال لهذه الفئة إلى الشعور بالدوار والغثيان، وارتفاع ضغط الدم، والتعرق الشديد.

وقد صنفت (الكرماتوفوبيا) من ضمن الأمراض النفسية التي تعالج اليوم في العيادات النفسية، يخضع صاحبها إلى جلسات علاج سلوكي للتخلص منها، فإذا كان يوجد من حولك من يفضل الموت على مفارقة ماله، أو شخص زاهد في الحياة يرفض العمل، وكل ما من شأنه أن يكسبه مال، فلا تسخر منه؛ لأنه يعاني من الداخل ويحتاج إلى دعم وتعاطف منك.