ثوران السجال حيال التنازع على هوية المغرب ونسبة فوزه المستحق في المونديال إلى هوية معينة مخصوصة ومقصورة كالهوية العربية أو الهوية الأمازيغية - الذي يدور اليوم في سجالات وسائل التواصل الاجتماعي- في سياق حدث كوني مثل فرحا نادرا وعالميا من طراز مثل كأس العالم لجماهير المنطقة؛ ذلك التنازع، ربما هو تعبير يندرج في سياقات أزمة تخلف قبل كل شيء، وينعكس أساسا في مثل تلك السجالات كدالة عليها؛ فالسجال الذي يُجيَّر الفوز على أنه فوز عربي، غالباً، إذا ما تصورنا إدراجه ضمن معنى للهوية اللغوية العربية الثقافية للمغرب، ربما كان مفهوما لدى كثيرين من حيث إن اللغة العربية لغة هوية جامعة لشعب المغرب - وليست هوية أحادية بالضرورة - لكن سياقات ذهنية التخلف التي لا تسمح بوعي واستيعاب بُنى مفهومية مركبة للمفاهيم كمفهوم الهوية في واقع مجتمعات الناطقين بالعربية ستظل باستمرار موجهةً للتنازع نحو تعبيرات حدَّية بمعنى واحد فقير من شأنه أن يضخ ذلك السجال الذي لا ينتهي.

لا شك أن وصف الفرح الكروي المغربي على أنه فرح عربي لجماهير هذه المنطقة هو أمر طبيعي مقبول من حيث إنه يندرج في معنى العروبة الثقافية (التي عادة ما لا يستطيع عامة الناس التفريق فيها بين العروبة العرقية والثقافية بسبب ذلك التخلف).

لكن ماذا لو تأملنا في موجة الإغراق الذي اكتنف «عربية» الفرح العربي للمنتخب المغربي وتعديتها أحيانا إلى إسلامية ( كما وصف وزير دولة من دول هذه المنطقة انتصار المغرب في مباريات المونديال بأنه نصر للإسلام دون أن يدور بخلد هذا الوزير؛ ماذا كان سيسمي هذا النصر حال تحول لهزيمة، فهل ستكون الهزيمة في هذه الحال؛ هزيمة للإسلام!).

ثم من ناحية ثانية، ألا يمكننا، بمعنى ما من المعاني، أن نتساءل حول: كيف يمكن أن تنعكس موجة الإغراق في نعت الفوز بوصفه فوزا عربيا- وإن على ذلك النحو العفوي - وما يمكن أن تضخ من حرج وتشويش لمشاعر المواطنين المغاربة (الأمازيغ والزنوج) ؟ لذلك، اعتقد - كما أسلفنا - أن تمثيلات التخلف هي التي تصور نزاع التحيزات الحدية للهوية في نسبة الفوز إلى إحدى عناصرها المركبة في المغرب بطبيعة الحال.

من جهة أخرى، سنجد أن الذي يصف الإنجاز المغربي بأنه إنجاز أمازيغي هو كذلك مقلب آخر من وجه صراع الهوية الحدية ذاته القائم على التخلف.

ثم كيف يمكننا تكييف فرح الأفارقة المشروع (حال فوز المغرب بالكأس) بحسبان أن أفريقيا - في هذه الحال - هي القارة التي ستكون موطنا جديدا لكأس العالم التي تحل بأفريقيا لأول مرة في التاريخ، بعد أمريكا الجنوبية وأوروبا، وإذا فرح الأفارقة (وحق لهم أن يفرحوا بكأس تطأ أرض قارتهم لأول مرة) فكيف يمكننا تصور هذا التعاطف عربيا، وكيف سيكون صدى هذا الفرح الأفريقي في تغطيات الصحافة الرياضية العربية؟

لا شك أن الصحافة العالمية حين تغطي حدثا تاريخيا استثنائيا نتمناه من صميم قلوبنا - كفوز المغرب بكأس العالم - لا بد أن تتحدث عن وصف الكأس بأنها مغربية أولا، وأنها أفريقية ثانيا، من حيث القطاعات القارية التي تعتمد في تصنيفات الفيفا.

ربما كان هذا السجال أكثر إشكالية لو طرحنا هذا السؤال: ماذا لو كان السودان هو الفائز بكأس العالم في هذا المونديال؟ كيف سيكون تعاطف العرب والأفارقة معه؟ وما هي تمثيلات ومستويات التعاطف العربي والأفريقي على نحوٍ محدد؟.

هنا، ربما سنقع على الأمر الذي سيبيّن لنا بوضوح: الفرقَ في وعي عامة الناس لمعنى العروبة الثقافية، (وهي عروبة تجمع بين الشعب السوداني مع الشعوب الناطقة بالعربية من حيث استحقاق اللغة العربية كهوية ثقافية جامعة للشعب- وبين تعاطف محتمل للبعض يماهي في وعيه الباطن بين العروبة بوصفها لونا ولغة لا ينفصلان؟

وهنا - تحديداً - سيتبين لنا كيف تشتغل آليات التخلف ونظم إدراكه في التأليف بين ما ليس بينهما ائتلاف بالضرورة إذا فكرنا في العروبة بأنها عروبة ثقافية وليست لونية، ناهيك أن تكون عروبة عرقية!

ما سنخلص إليه هنا هو؛ أن التخلف كنظام إدراك للوعي العام للناطقين بالعربية (بمن فيهم السودانيون) لابد أن ينعكس في عناوين السجالات العامة في اتصالها بالمفاهيم المركبة - كمفهوم الهوية - وهو أمر لا يختفي إلا حينما يختفي التخلف ذاته!