(1)
الخمرة خطيئة الخيول، والجياد على خطى النبيذ.
(2)
وجهك ضياء، والشِّعر شعاع أخير مثل خوف أو قشعريرة في أول الليل، أو كما ابتسامة غير مقصودة عند المنحنى الأخير.
(3)
الناس هنا مرضى، وسُقْمٌ هم القوم هناك، والرِّيح تُراوح.
(4)
الكذب مأمول الحقيقة وخذلانها، كما في قولنا منذ أقدم الأزمان: الإنسان أرقى الكائنات.
(5)
كم أنا خائف من لمعة السعادة على حافة الكأس
وكم أنا أخاف من النسيان.
(6)
ليس الحزن البالغ على الأموات، وإنما الإقامة معهم، وفيهم.
(7)
أستطيع أن أكتبك الليلة، لكني لن أفعل. أنتظر ليلة قادمة تكونين فيها خلف نطاق كل حرف.
(8)
أتذكركِ كمن يتآمر، ولا يهنأ.
(9)
بين كل مسجد ومسجد مكتبة عامة.
(10)
يدي الريح، وقدمي المقبرة، وضلوعي التفاسير.
(11)
يتناسل التافهون بمجرد فتح باب الشقَّة من الداخل.
(12)
هذا إلى حسَّان بن ثابت (أوَّل مؤدلِجٍ للشِّعر العربي، تقريباً بالإجماع) من غاستون باشلار: "الشِّعر انحراف".
(13)
في المكان الذي لا ذاكرة له
يولد الشعراء
ثم يأخذهم الخرير إلى الغياب.
(14)
الآن، مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، صار يمكن القول بقدر ممتاز من الثقة إن الإبداع العُماني المعاصر (في الشِّعر خاصة، وفي مقصد الحديث ولُبِّهِ) قد تخلص من سطوة "مونوليث" ثمانينيَّات القرن العشرين التليد (والذي، في الحقيقة، فُرض عليه من ناحية، وساهم هو نفسه في صنعه من ناحية أخرى).
الآن، وقد قُضيَت الأوطار، وأُنجزت الأجندات، وتحققت المآرب قصيرة وبعيدة المدى، صار في وسع الغابة أن تفصح عن نفسها، وأن تتنفس، ولا يضير أن الشجرة لا تزال تطيل النظر إلى الجدول متمعنة بخيلاء وزهو في صورة السيد دوريَن غريْ، بطل رواية أوسكَر وايلد المعروفة.
(15)
أخاف من الحنان، ولا أتورع عن الفقد.
(16)
هل نسيتك؟
لكن متى سيجيء السؤال؟
(17)
الذين قتلوني قتلوني، ثم ماتوا.
(18)
يقود الاقتناع بالعبقرية الجرذان إلى نسيان طريق العودة إلى جحورها (أما قِطَعُ الجبن فهي مسألة ثانويَّة).
(19)
في غابر الأيام، كنت كلما بدأت في قراءة كتاب يبوح تواضع صفحاته الأولى ببؤس صفحاته الأخيرة أصرُّ على إكمال قراءته، مع ذلك، حتى النهاية (فمن يدري)؟ وكنت كلما طفقت أشاهد فيلماً ينمُّ فقر مشهده التأسيسي عن خاتمته البائسة كنت، على الرغم من ذلك، أحرص على رؤيته حتى آخر لقطة (فمن يدري)؟
الآن، حيث لم يبقَ في العمر المزيد من الوقت للهدر والانتظار والإراقة، صرت أدري، فأكفُّ حين ينبغي الكف، في اللحظة الدقيقة والحازمة تماماً.
(20)
لا تَعِش من أجل المتعة، بل دع المتعة تستقصيك وتتوسلك (وعليك صدَّها بكل الحزم والأَنَفَة في بعض الحالات الضروريَّة).
(21)
يعيش الشاعر دوماً في باقي بقيةٍ من عمره الافتراضي؛ بل أكثر: يعيش الشاعر دوماً في حالةٍ فعليَّةٍ من انتهاء الصلاحيَّة.
(22)
أأدركتَ اليوم انك وحيد، ومغدور، ومخذول؟
والهفي عليك مما ستدركه غداً.
(23)
لا أدري لماذا يقدِّم العشَّاق لبعضهم البعض (خاصة في اللقاءات الأولى) باقات من الورود والزهور، أو قناني من العطر. لماذا لا يتبادلون، على سبيل المثال، صواني نحاسيَّة ملأى بالشموع المعقوفة، والوعود الجازمة، والعهود الحاسمة، والقطط الميِّتة؟
(24)
شيء ما -- غامض وغريب -- في خلاياه وروحه يجعله يرفض السعادة التي يعتقد أنها أسوأ ضروب الغباء والبلادة.
دعوه يرقص وحيداً مثل صخرة نسِيَتْها عوامل التعرية.
(25)
تعوي قمة الجبل في الليل
يهرب الراعي إلى السفح
ووحيداً وئيداً يصعد الذئب الجريح.
(26)
جاء مبتهجاً، منتصراً، جذلاً، وهتف بنبرةٍ "ما- بعدَ- باستيليَّة": لقد هدموا السجن! لقد هدموا السجن!
آه، لقد فاته أنهم بنوا سجناً أكبر منه.
(27)
الحُب، والكتابة، والموت: دوماً للمرة الأولى. أما بقية الحياة فإن تناسخها الكربوني الركيك يخنق المرة الأولى أحياناً أو دوماً.
(28)
لا أدري لماذا لا يزال هذا يصر على رأيه. يقول إنه يتعين على المرء أن يفهم في النقد الأدبي بعض الشيء كي يتذوق قراءة راوية، وأنه لن يضير أن يكون ملمَّاً ولو من بعيد بنظرية السينما كي يتقاطع مع فيلم، وحبذا لو قرأ شيئاً عن "العلبة الإيطاليَّة" -- لكن ذلك ليس شرطاً -- قبل الذهاب لحضور مسرحيَّة كلاسيكيَّة.
بيد أنه ليس على المرء -- وفقاً لرأي صاحبنا -- أن يفهم كل شيء، وأي شيء، وَرَدَ في نظرية "البؤر الثوريَّة" لتشي غيفارا كي يحمل بندقية حين يجوع، تماماً وبالضبط كما لا يتعين عليه أن يعرف الفرق بين مقامي “A major” و”G flat” كي يتمايل جسده موسيقى طوال اليوم بسبب همسة ناي جاءت من "الفصول الأربعة" لفيفالدي.
واستطراداً: "ستكون الحياة خطأ من غير موسيقى" (نيتشه، "غروب الأوثان").
(29)
ضرورة استعادة الجسد من مُسْتَلَبات الماضي الآثم الأثيم، والحفاظ على الحد الأدنى مما تبقى منه: طاقته الفظيعة، استعداداته الهرقليَّة، ترنحاته في البكاء، تدخينه المفرط، شبابه المهدور، عنفوانه الضائع، إقداماته الانتحاريَّة في القضايا الخاسرة، شرابه الشَّره، غذاؤه السحري الذي لا تعلم من أين أتى أو تأتَّى، حيويته الباهرة، حسيَّته التدميريَّة، قدرته على البقاء بلا نوم لعدة أيام وليال، شجارات وعراكات الحانات الشرسة، استهتاره بكل شيء، وعناده أمام كل شيء.
أما اليوم فقد صار المرء يطلب من جسده أن يسامحه ولو قليلاً، وبالحد الأدنى من الصفح والغفران (تقريباً) في انتظار لرحيلٍ سَلِسٍ، غيبوبيٍّ (بالاتفاق الهادئ والماكر بين جميع الأطراف).
وللجسد، دوماً، ستكون الكلمة الفصل والأخيرة.
(30)
كثيرة جداً هذه اليابسة على القواقع وسُكَّان المياه.
الخمرة خطيئة الخيول، والجياد على خطى النبيذ.
(2)
وجهك ضياء، والشِّعر شعاع أخير مثل خوف أو قشعريرة في أول الليل، أو كما ابتسامة غير مقصودة عند المنحنى الأخير.
(3)
الناس هنا مرضى، وسُقْمٌ هم القوم هناك، والرِّيح تُراوح.
(4)
الكذب مأمول الحقيقة وخذلانها، كما في قولنا منذ أقدم الأزمان: الإنسان أرقى الكائنات.
(5)
كم أنا خائف من لمعة السعادة على حافة الكأس
وكم أنا أخاف من النسيان.
(6)
ليس الحزن البالغ على الأموات، وإنما الإقامة معهم، وفيهم.
(7)
أستطيع أن أكتبك الليلة، لكني لن أفعل. أنتظر ليلة قادمة تكونين فيها خلف نطاق كل حرف.
(8)
أتذكركِ كمن يتآمر، ولا يهنأ.
(9)
بين كل مسجد ومسجد مكتبة عامة.
(10)
يدي الريح، وقدمي المقبرة، وضلوعي التفاسير.
(11)
يتناسل التافهون بمجرد فتح باب الشقَّة من الداخل.
(12)
هذا إلى حسَّان بن ثابت (أوَّل مؤدلِجٍ للشِّعر العربي، تقريباً بالإجماع) من غاستون باشلار: "الشِّعر انحراف".
(13)
في المكان الذي لا ذاكرة له
يولد الشعراء
ثم يأخذهم الخرير إلى الغياب.
(14)
الآن، مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، صار يمكن القول بقدر ممتاز من الثقة إن الإبداع العُماني المعاصر (في الشِّعر خاصة، وفي مقصد الحديث ولُبِّهِ) قد تخلص من سطوة "مونوليث" ثمانينيَّات القرن العشرين التليد (والذي، في الحقيقة، فُرض عليه من ناحية، وساهم هو نفسه في صنعه من ناحية أخرى).
الآن، وقد قُضيَت الأوطار، وأُنجزت الأجندات، وتحققت المآرب قصيرة وبعيدة المدى، صار في وسع الغابة أن تفصح عن نفسها، وأن تتنفس، ولا يضير أن الشجرة لا تزال تطيل النظر إلى الجدول متمعنة بخيلاء وزهو في صورة السيد دوريَن غريْ، بطل رواية أوسكَر وايلد المعروفة.
(15)
أخاف من الحنان، ولا أتورع عن الفقد.
(16)
هل نسيتك؟
لكن متى سيجيء السؤال؟
(17)
الذين قتلوني قتلوني، ثم ماتوا.
(18)
يقود الاقتناع بالعبقرية الجرذان إلى نسيان طريق العودة إلى جحورها (أما قِطَعُ الجبن فهي مسألة ثانويَّة).
(19)
في غابر الأيام، كنت كلما بدأت في قراءة كتاب يبوح تواضع صفحاته الأولى ببؤس صفحاته الأخيرة أصرُّ على إكمال قراءته، مع ذلك، حتى النهاية (فمن يدري)؟ وكنت كلما طفقت أشاهد فيلماً ينمُّ فقر مشهده التأسيسي عن خاتمته البائسة كنت، على الرغم من ذلك، أحرص على رؤيته حتى آخر لقطة (فمن يدري)؟
الآن، حيث لم يبقَ في العمر المزيد من الوقت للهدر والانتظار والإراقة، صرت أدري، فأكفُّ حين ينبغي الكف، في اللحظة الدقيقة والحازمة تماماً.
(20)
لا تَعِش من أجل المتعة، بل دع المتعة تستقصيك وتتوسلك (وعليك صدَّها بكل الحزم والأَنَفَة في بعض الحالات الضروريَّة).
(21)
يعيش الشاعر دوماً في باقي بقيةٍ من عمره الافتراضي؛ بل أكثر: يعيش الشاعر دوماً في حالةٍ فعليَّةٍ من انتهاء الصلاحيَّة.
(22)
أأدركتَ اليوم انك وحيد، ومغدور، ومخذول؟
والهفي عليك مما ستدركه غداً.
(23)
لا أدري لماذا يقدِّم العشَّاق لبعضهم البعض (خاصة في اللقاءات الأولى) باقات من الورود والزهور، أو قناني من العطر. لماذا لا يتبادلون، على سبيل المثال، صواني نحاسيَّة ملأى بالشموع المعقوفة، والوعود الجازمة، والعهود الحاسمة، والقطط الميِّتة؟
(24)
شيء ما -- غامض وغريب -- في خلاياه وروحه يجعله يرفض السعادة التي يعتقد أنها أسوأ ضروب الغباء والبلادة.
دعوه يرقص وحيداً مثل صخرة نسِيَتْها عوامل التعرية.
(25)
تعوي قمة الجبل في الليل
يهرب الراعي إلى السفح
ووحيداً وئيداً يصعد الذئب الجريح.
(26)
جاء مبتهجاً، منتصراً، جذلاً، وهتف بنبرةٍ "ما- بعدَ- باستيليَّة": لقد هدموا السجن! لقد هدموا السجن!
آه، لقد فاته أنهم بنوا سجناً أكبر منه.
(27)
الحُب، والكتابة، والموت: دوماً للمرة الأولى. أما بقية الحياة فإن تناسخها الكربوني الركيك يخنق المرة الأولى أحياناً أو دوماً.
(28)
لا أدري لماذا لا يزال هذا يصر على رأيه. يقول إنه يتعين على المرء أن يفهم في النقد الأدبي بعض الشيء كي يتذوق قراءة راوية، وأنه لن يضير أن يكون ملمَّاً ولو من بعيد بنظرية السينما كي يتقاطع مع فيلم، وحبذا لو قرأ شيئاً عن "العلبة الإيطاليَّة" -- لكن ذلك ليس شرطاً -- قبل الذهاب لحضور مسرحيَّة كلاسيكيَّة.
بيد أنه ليس على المرء -- وفقاً لرأي صاحبنا -- أن يفهم كل شيء، وأي شيء، وَرَدَ في نظرية "البؤر الثوريَّة" لتشي غيفارا كي يحمل بندقية حين يجوع، تماماً وبالضبط كما لا يتعين عليه أن يعرف الفرق بين مقامي “A major” و”G flat” كي يتمايل جسده موسيقى طوال اليوم بسبب همسة ناي جاءت من "الفصول الأربعة" لفيفالدي.
واستطراداً: "ستكون الحياة خطأ من غير موسيقى" (نيتشه، "غروب الأوثان").
(29)
ضرورة استعادة الجسد من مُسْتَلَبات الماضي الآثم الأثيم، والحفاظ على الحد الأدنى مما تبقى منه: طاقته الفظيعة، استعداداته الهرقليَّة، ترنحاته في البكاء، تدخينه المفرط، شبابه المهدور، عنفوانه الضائع، إقداماته الانتحاريَّة في القضايا الخاسرة، شرابه الشَّره، غذاؤه السحري الذي لا تعلم من أين أتى أو تأتَّى، حيويته الباهرة، حسيَّته التدميريَّة، قدرته على البقاء بلا نوم لعدة أيام وليال، شجارات وعراكات الحانات الشرسة، استهتاره بكل شيء، وعناده أمام كل شيء.
أما اليوم فقد صار المرء يطلب من جسده أن يسامحه ولو قليلاً، وبالحد الأدنى من الصفح والغفران (تقريباً) في انتظار لرحيلٍ سَلِسٍ، غيبوبيٍّ (بالاتفاق الهادئ والماكر بين جميع الأطراف).
وللجسد، دوماً، ستكون الكلمة الفصل والأخيرة.
(30)
كثيرة جداً هذه اليابسة على القواقع وسُكَّان المياه.