shialoom@gmail.com

المسألة هنا ليست متعلقة بالجانب المادي، فالإفلاس عناوينه كثيرة، وإن كان الشائع أكثر هو الجانب المادي المتداول، فالأخلاق المعبرة عن سلوكيات الأفراد يمكن أن تقع في مستنقع الإفلاس، ويكون بديلها سوء الأدب، والوعي المصطنع يمكن أن يتماهى في وحل الإفلاس، ويكون بديله الجهل، والمعرفة المبهرجة بمساحيق المظاهر يمكن أن تقع في مأزق الإفلاس، ويكون بديلها الأمية، والجانب المادي؛ بعناوينه وبممارساته الكثيرة؛ يمكن أن يضمحل تحت هيلمان الإفلاس، ويكون بديله الفقر، وقس على ذلك عناوين كثيرة، من المباهاة، ومن التفلسف، ومن العنترية، ومن النرجسية، ومن المحاكاة، ومن التعنت في الرأي، ومن المجادلة السفسطائية، يحدث كل ذلك ليس خارجا عن إرادة الإنسان، أو أنه حالة مفاجأة غير محسوبة الخطى وأن صاحبها أخذ على حين غرة؛ أبدا؛ ولكن يحدث ذلك مع سبق الإصرار والترصد، وبكامل الإرادة الذاتية التي تفاضل في لحظة انزلاقها نحو الإفلاس بين أن تكون على الحافة المقابلة للإفلاس، وهي المنطقة الآمنة، وإن فقد صاحبها شيئا من بريقها اللامع الذي تتوهمه، وإما أن تكون على حافة الإفلاس فتحقق شيئا من هذا البريق المصطنع في لحظته الآنية، دون أن تستحضر؛ وهي في لحظة الإنفعال هذه؛ أن عواقب ذلك قاسية، ومكشوفة لدى الآخر، وأن بريق الصورة الاحتفالية المتوهمة غير دائمة، وسرعان ما تتلاشى في أقل فترة زمنية.

وفي كل هذه المناخات السالفة الذكر وغيرها عندما ينحاز الإنسان إلى الجانب المقاوم للإفلاس، فإنه في تقديره المتواضع؛ يرى في الناس ما لا يراه في نفسه، وقد يتساءل: فلما لا يبدو أنه على قدر كبير من المعرفة، ولما لا يبدو أنه واع بدرجة تتيح له أن يُنَظِّرْ في مختلف الأمور، ولما لا يبدو أنه متحضر ويمتلك وسائل ذلك، ولما لا يبدو أنه يمثل شيئا ما مما يتميز به الآخرون ويحظون بهذا القبول من الآخرين، ولكي يبدو كذلك عليه فقط أن يجازف ليصبح أحد هؤلاء، وهذه المجازفة تتم عبر المغالاة في إبداء الشيء، وإوهام المتلقي أنه على قدر كبير من الغنى، ومن الوعي، ومن العلم، ومن المعرفة، من غير أن تكون هناك مؤهلات حقيقية تضعه في المكان الذي يستحق، هي نوع من المكابرة الممقوتة، أو المنافسة غير المتكافئة، يقع فيها صغار العقول، وقليلوا التجربة في كل الأحوال، فمثل: "مد رجولك على قد لحافك" لم يأت من فراغ، فتجاوز اللحاف الساتر للجسم، يكون مظنة للوقوع في منظر غير مألوف، وقد يكون معابا، والإنحياز نحو تجنب الوقوع في مأزق أحد مشاريع الإفلاس السالفة الذكر يحتاج إلى كثير من الحكمة، وإلى كثير من التروي، و"رحم الله امرءا عرف قدر نفسه" لأن تداعيات ذلك ثقيلة وتكلفتها المادية والمعنوية ليست يسيرة.

"أن تكون مفلسا.. وتبدو غنيا"... تبدو أنها صورة احتفالية تدغدغ المخيلة، وترسم لصاحبها مستوى وجاهيا؛ كما يتخيله ويتمناه، وهذه ممارسة ليست حديثة، وإنما مرتبطة بهذا الإنسان الذي يسعى لأن يكون له مكان بين الآخرين، ويكون له صوت، ويكون لرأيه مستمع، ويكون لموقفه سند، وهذه في مجملها غير معابة، شرط أن تنطلق من أسس واقعية وحقيقية، وليست متخيلة، أو فيها خداع للآخرين، لأن المخادع سريعا ما سوف ينكشف أمره، وتعرى صورته المفتعلة، ويكون محل حديث معاب لدى الآخرين، فما الضرورة إلى ذلك إن لم تستند الصورة على معززاتها الأساسية؟