ألقينا الضوء في الجزء الأول من هذا المقال على لمحات من تأثير المعري، وأثره الذي امتد منذ حياته حتى اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات، وفي مقال اليوم سنلقي الضوء على أول كتب المعري وهو سِقطُ الزَّند، والمقارنة بين بعض طبعات هذا الديوان، رغم أننا توسعنا قليلا ليشمل حديثنا كتاب المعري الآخر "ضوء السِّقط"، والذي صدر في كتاب واحد مع السِّقط كما سنقرأ.
سقط الزند وضوءه لأبي العلاء المعري تحقيق الدكتور السعيد السيد عبادة والصادر عن معهد المخطوطات العربية بالقاهرة عام 2003م. وهي آخر روايتهما عنه، برواية صاحب الموسوعة الأدبية الشهيرة "الأغاني". وهي "برواية الأصفهاني الذي ورد على أبي العلاء بعد التبريزي، وبقي عنده إلى أن مات، وقرأ عليه "السقط" مرتين، مرة قبل إملاء (الضوء)، ومرة عند إملائه، فروايته للسقط إذا هي آخر رواياته عن أبي العلاء، وأولاها بالثقة والقبول، لذا رجعت إليها، واعتمدت عليها، وأثبتُّ المتن منها، كما أثبت ما بينها وبين نسخ المتن التي عندي.".ص6
وهما كتابان في كتاب، "سقط الزند" و "ضوء السقط" وكلاهما لأبي العلاء المعري. ويذهب المحقق إلى أن ليس كل ما قاله المعري في سقط الزند كان في شبابه فحسب، بل المراد إلى أن الميل إلى النظم كان منذ أول الحداثة ليشمل ما كان بعد أول الحداثة حتى الرفض في أوائل الكهولة. ص15. وقد قارنت بين أربع طبعات لسقط الزند، طبعة المكتبة العصرية بتقديم وشرح الدكتور صلاح الدين الهواري، وطبعة وجدتها في النادي الثقافي وقد صدرت عن منشورات دار مكتبة الحياة شرحها وعلَّق عليها الدكتور ن.رضا، وطبعة مشتركة بين دار صادر ودار بيروت وقد اطلعت عليها بنسختها الرقمية هي وكتاب سقط الزند وضوءه الصادر عن معهد المخطوطات العربية كما أسلفت. وقد اشتركت طبعتا معهد المخطوطات ومنشورات دار مكتبة الحياة في ترتيب القصائد، واشتركت طبعتا داري صادر وبيروت وطبعة المكتبة العصرية في ترتيب القصائد كذلك، بل إن طبعة المكتبة العصرية تكاد تكون نسخة مصورة من طبعة داري صادر وبيروت؛ حتى أن أسماء القصائد التي وضعها الناشران متطابقة تمام التطابق، ورغم هذا كله فلا تشير طبعة هذه الدار إلى الطبعة التي نسخت منها الكتاب، بل وأبقت على الأخطاء النحوية كما هي. ففي الطبعتين الأوليين نجد القصيدة الأولى من الديوان تبدأ بمدح الأمير الذي أخطأ محقق الديوان الصادر عن منشورات دار مكتبة الحياة بالتعريف به بأنه سيف الدولة الحمداني، أما في طبعة معهد المخطوطات فقد تدارك المحقق الفذ هذا الخطأ وذكر بأنها مدح لسعيد الدولة أبي الفضائل بن سعد الدولة بن سيف الدولة، أي أنها قيلت في حفيد سيف الدولة وليس فيه هو، على أن المعري ولد بعد وفاة سيف الدولة بسبع سنوات. ومطلع هذه القصيدة:
أعَن وَخْدِ القِلاصِ كشَفْتِ حالا ومن عِند الظّلام طَلَبتِ مالا
أما في طبعتي صادر والعصرية، فتبدآن بقصيدته الشهيرة "ضجعة الموت"، التي مطلعها:
غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ
وبمقارنة سريعة بين الطبعات الأربع، نجد أن طبعة معهد المخطوطات العربية هي أفضل طبعات السِّقط؛ كيف لا ومحققها هو الدكتور السعيد السيد عِبَادة، وهو الذي نال شهادة الدكتوراة من كلية اللغة العربية بمرتبة الشرف الأولى عام 1973م عن أبي العلاء المعري والمعنونة بـ"أبو العلاء الناقد الأدبي"، كما أنه حقق كتبا أخرى لأبي العلاء كـ"رسالة الإغريض" و"ضوء السقط" و"ملقى السبيل"، فضلا عن كتب وبحوث عن المعري وكتبه. بعبارة موجزة، فإن السعيد السيد عبادة متخصص في المعري وكتبه وسيرته، وليس أدل على ذلك من مقدمته للكتاب التي بلغت مائة وإحدى وأربعين صفحة، وهي مقدمة تصلح لأن تكون كتابا مستقلا عن أبي العلاء، فضلا عن أن القارئ لكتب التراث سيتذكر عمالقة التحقيق لدى قراءته لتحقيق السيد عبادة، أمثال أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون ومحمود محمد شاكر وبشار عواد وغيرهم.
وفي الجزء القادم من المقال سنتعمق أكثر في ديوان سقط الزند مع تعريف بكتابه الآخر "ضوء السقط"، وسيأخذنا المعري في جولة ساحرة في عالمه اللامتناهي وأفقه الفسيح.
سقط الزند وضوءه لأبي العلاء المعري تحقيق الدكتور السعيد السيد عبادة والصادر عن معهد المخطوطات العربية بالقاهرة عام 2003م. وهي آخر روايتهما عنه، برواية صاحب الموسوعة الأدبية الشهيرة "الأغاني". وهي "برواية الأصفهاني الذي ورد على أبي العلاء بعد التبريزي، وبقي عنده إلى أن مات، وقرأ عليه "السقط" مرتين، مرة قبل إملاء (الضوء)، ومرة عند إملائه، فروايته للسقط إذا هي آخر رواياته عن أبي العلاء، وأولاها بالثقة والقبول، لذا رجعت إليها، واعتمدت عليها، وأثبتُّ المتن منها، كما أثبت ما بينها وبين نسخ المتن التي عندي.".ص6
وهما كتابان في كتاب، "سقط الزند" و "ضوء السقط" وكلاهما لأبي العلاء المعري. ويذهب المحقق إلى أن ليس كل ما قاله المعري في سقط الزند كان في شبابه فحسب، بل المراد إلى أن الميل إلى النظم كان منذ أول الحداثة ليشمل ما كان بعد أول الحداثة حتى الرفض في أوائل الكهولة. ص15. وقد قارنت بين أربع طبعات لسقط الزند، طبعة المكتبة العصرية بتقديم وشرح الدكتور صلاح الدين الهواري، وطبعة وجدتها في النادي الثقافي وقد صدرت عن منشورات دار مكتبة الحياة شرحها وعلَّق عليها الدكتور ن.رضا، وطبعة مشتركة بين دار صادر ودار بيروت وقد اطلعت عليها بنسختها الرقمية هي وكتاب سقط الزند وضوءه الصادر عن معهد المخطوطات العربية كما أسلفت. وقد اشتركت طبعتا معهد المخطوطات ومنشورات دار مكتبة الحياة في ترتيب القصائد، واشتركت طبعتا داري صادر وبيروت وطبعة المكتبة العصرية في ترتيب القصائد كذلك، بل إن طبعة المكتبة العصرية تكاد تكون نسخة مصورة من طبعة داري صادر وبيروت؛ حتى أن أسماء القصائد التي وضعها الناشران متطابقة تمام التطابق، ورغم هذا كله فلا تشير طبعة هذه الدار إلى الطبعة التي نسخت منها الكتاب، بل وأبقت على الأخطاء النحوية كما هي. ففي الطبعتين الأوليين نجد القصيدة الأولى من الديوان تبدأ بمدح الأمير الذي أخطأ محقق الديوان الصادر عن منشورات دار مكتبة الحياة بالتعريف به بأنه سيف الدولة الحمداني، أما في طبعة معهد المخطوطات فقد تدارك المحقق الفذ هذا الخطأ وذكر بأنها مدح لسعيد الدولة أبي الفضائل بن سعد الدولة بن سيف الدولة، أي أنها قيلت في حفيد سيف الدولة وليس فيه هو، على أن المعري ولد بعد وفاة سيف الدولة بسبع سنوات. ومطلع هذه القصيدة:
أعَن وَخْدِ القِلاصِ كشَفْتِ حالا ومن عِند الظّلام طَلَبتِ مالا
أما في طبعتي صادر والعصرية، فتبدآن بقصيدته الشهيرة "ضجعة الموت"، التي مطلعها:
غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ
وبمقارنة سريعة بين الطبعات الأربع، نجد أن طبعة معهد المخطوطات العربية هي أفضل طبعات السِّقط؛ كيف لا ومحققها هو الدكتور السعيد السيد عِبَادة، وهو الذي نال شهادة الدكتوراة من كلية اللغة العربية بمرتبة الشرف الأولى عام 1973م عن أبي العلاء المعري والمعنونة بـ"أبو العلاء الناقد الأدبي"، كما أنه حقق كتبا أخرى لأبي العلاء كـ"رسالة الإغريض" و"ضوء السقط" و"ملقى السبيل"، فضلا عن كتب وبحوث عن المعري وكتبه. بعبارة موجزة، فإن السعيد السيد عبادة متخصص في المعري وكتبه وسيرته، وليس أدل على ذلك من مقدمته للكتاب التي بلغت مائة وإحدى وأربعين صفحة، وهي مقدمة تصلح لأن تكون كتابا مستقلا عن أبي العلاء، فضلا عن أن القارئ لكتب التراث سيتذكر عمالقة التحقيق لدى قراءته لتحقيق السيد عبادة، أمثال أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون ومحمود محمد شاكر وبشار عواد وغيرهم.
وفي الجزء القادم من المقال سنتعمق أكثر في ديوان سقط الزند مع تعريف بكتابه الآخر "ضوء السقط"، وسيأخذنا المعري في جولة ساحرة في عالمه اللامتناهي وأفقه الفسيح.