يطرح سؤال جوهري في الأدبيات الاقتصادية بشكل متكرر حول أسباب نهوض بعض الاقتصادات في العالم بسرعة كبيرة رغم قلة الموارد والتحديات الجيوسياسية فيما تتوافر في دول أخرى موارد كثيرة وظروف جيوسياسية مواتية لكن الاقتصاد إن سار للأمام يسير ببطء كبير وبعوائد بسيطة جدا، فما الذي سرّع تلك الاقتصادات وأبطأ هذه؟!

هذا سؤال ليس من اليسير الإجابة عليه بشكل متكامل في مساحة محدودة مثل هذه المساحة، لكن البحث فيه مهم جدا من أجل الوصول إلى سر الاقتصادات المنطلقة بقوة نحو المستقبل. وإذا ما تجاوزنا الأسباب السياسية الدولية التي توفر دعما ظاهرا وخفيا لبعض الاقتصادات من أجل الانطلاق السريع، فإن أحد أهم مسارات الإجابة على هذا السؤال تكمن في جانب غاية من الأهمية قد يكون غائبا عن بعض دول العالم الثالث وهو «المفكر الاقتصادي» الذي كان وراء نجاح الاقتصادات العالمية الكبرى وخاصة في فترات التأسيس الأولى وخلال الأزمات والتحديات التي يمر بها أي اقتصاد في العالم. لا يمكن أن نتصور تشكل اقتصاد حقيقي ينشد أن يكون بين الكبار في معزل عن وجود مفكرين اقتصاديين يخططون لركائز الاقتصاد. قد تملك دولة من الدول مستثمرين يملكون رؤوس أموال كبرى يقيمون استثمارات لها عوائد كبرى ولكن في اللحظة التي تمر هذه الاستثمارات بتحديات وأزمات لا يستطيع المستثمر دون وجود «مفكر اقتصادي» يملك نظريات اقتصادية نابعة من المكان ومن المجتمع أن يتجاوز بتلك الاستثمارات وبذلك الاقتصاد التحديات والأزمات إلى بر الأمان.

وإذا كان وجود «المفكر الاقتصادي» يحتاج إلى استعداد ذاتي وقدرات شخصية إلا أنه يصنع صناعة عبر الدراسة والإعداد في كبريات المؤسسات الجامعية والبحثية، ونحن بحاجة اليوم في عُمان إلى وجود مفكرين اقتصاديين حقيقيين لديهم نظريات اقتصادية ولديهم حلول لكل التحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد العماني تكون منطلقة من فهم دقيق للاقتصاد العماني والركائز التي يقوم عليها، وهذا يحتاج أيضا إلى أن يكون الفكر الذي يقوم عليه الاقتصاد العماني واضحا جدا وتنطلق منه جميع التوجهات الاقتصادية وتبنى عليه التشريعات والقوانين. وكل هذا من شأنه أن يسهم في حماية الاقتصاد العماني من التحديات المستقبلية وكذلك يمهد له الطريق للانطلاق بعقبات وتحديات أقل.