يسود اعتقاد لدى البعض بأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بطريقة أو بأخرى في توسيع مساحة حرية الرأي لدى الكثيرين ممن كانوا يشتكون من ضيقها في وسائل الإعلام «الصحف والمجلات والإذاعات والتلفزيونات»، إلا أن هذا الاعتقاد ليس صحيحًا بشكل مطلق، أو يمكن القول إنه اعتقاد مبني على النظر إلى الأمر من زاوية ضيقة جدًا وبعيدًا عن النظرة الشاملة، فهناك رأي آخر يحمل الكثير من الوجاهة فيما يطرح يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت من حيث تدري أو لا تدري في تقليص حرية الرأي، وفي صناعة صوت واحد فقط، أو قولبة الناس على قوالب واحدة، وفي ممارسة الكثير من التنمر اللفظي أو حتى النفي الاجتماعي في بعض الأحيان على الصوت الآخر الذي يقدم رأيًا مختلفًا عن الصوت الذي تتبناه وسائل التواصل الاجتماعي حتى لو كان يحمل رأيًا منطقيًا وحتى لو كان يجادل بشكل علمي وبالتي هي أحسن! وفي الغالب يعتمد ذلك الصوت المتنمر على رؤية شعبوية تشتغل على دغدغة مشاعر الجماهير من منطلقات دينية أو اجتماعية أو قبلية أو عرقية.

ومع الوقت ومع الكثير من التجارب المريرة التي حدثت لمن حاول التصدي للأطروحات الشعبوية أو غير المنطقية وما أصابهم من تنمر لفظي أو مواجهة اجتماعية فضّل الكثيرون تجنب خوض مثل هذه المواجهات طلبًا للسلامة وتركوا الساحة لصوت واحد فقط، بل إن البعض، مع الأسف الشديد، تخلى عن مواقفه وتبنى مواقف خصمه الفكرية.

ورغم أن هذا موضوع آخر إلا أنه يكشف أيضًا عن حجم الهدم الذي تحدثه هذه الوسائل لحرية الرأي في وقت يعتقد البعض أنها هي الحرية المطلقة.

وإذا كان هذا الأثر الكبير على أشخاص وصلوا إلى سن التوازن الفكري فما بالك بتأثيرها على الأطفال والمراهقين ممن يخطون خطواتهم الأولى نحو تشكيل شخصياتهم ومعارفهم.

إننا في أمس الحاجة إلى أن نعي حجم الوهم الذي نعتقده في قدرة تلك الوسائل على منحنا مساحة لحرية الرأي.. فيما الحقيقة، في الكثير من الأحيان، أنها تسلبنا قدرتنا على قول ما نريد وتجعلنا ندور في فلك صوت القطيع وفق نظريات علم الجماهير.