ضاعف وباء "كوفيد 19"، اختراعا رديئا اسمه "جروبات" المدرسة، ربما كان له مبرره ومسوغه وقت الجائحة، لكنه استمر وتفاقم كالفطر السام رغم عودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، فقد صار كالبعبع الذي لا يمكن تجاهله!

ولذا عليك ألا تتفاجأ عندما يرفع ابنك كتفيه أو يمط شفتيه، مُعربا عن كونه لا يعرف عما تتكلم، عندما تُخبره بأنّ الأساتذة أرسلوا في "الجروب" أشياء من قبيل: "كلمات الإملاء أو جداول الامتحانات القصيرة أو الواجبات أو المشاريع". ببساطة لم يعد الأساتذة يعتمدون على ذاكرة الطلاب، بل يُشغلون ذاكرة الآباء والأمهات فيما لا يخصهم ولا يعنيهم! صانعين بذلك جيلا اتكاليا، فما يفوتُ الطالب في الحصّة، يصل إلى "جروب" الوالدين مساء!

نحن لم نتخلص بعد من شرور "المشاريع" التي يُنجزها الوالدان بعناء أو تُشترى جاهزة من المكتبة! لتأتي شرور "الجروبات" مُحدثة ثقبا في نسيج الأسرة التي ليس من مهامها معرفة كل هذه التفاصيل، فمهمة الأمّ أن تكون أمّا ومهمة الأب أن يكون أبا لا أن يكونا مُدرسين إضافيين!

فلماذا لا يتحمل الطلبة مسؤولية المطلوب منهم؟ نحن لا نتحدث الآن عن طلبة الحلقة الأولى، فهذا يحدث أيضا في الحلقة الثانية! حيث يتوجب على الأمهات -على وجه التحديد- أن يُدربن حواسهن بتفانٍ شديد كيلا تفوتهن صغيرة ولا كبيرة، فالتقييم لم يعد مُنصبا على الطالب وقدراته، وإنّما على الوالدين الذين ينبغي أن يُعطلا حياتيهما اليومية في انتظار ما تجود به "الجروبات" من مشاقٍ عبثية!

ولنا أن نتصور أمّا لديها ستة أبناء، تقضي سحابة نهارها عاكفة على ستة "جروبات" يوميا! وبالمقابل لنتخيل معا المُعلمة التي تُدرس صفا مُكونا من ٣٥ طالبا وطالبة في الظروف الطبيعية، لنتخيل أنّها مضطرة لأن تتعامل مع ٣٥ أمّا بالضرورة وبشكل يومي، وعلينا أن نُضاعف هذا الرقم كلما تضاعفت الصفوف. وقد يحقد المجتمع على المُعلمة التي لا ترد ولا تستجيب ولا ترسل الدروس المُصورة والواجبات، لأنّ الطبيعي الآن هو أن يُفني المُعلم المتبقي من يومه في المراسلات مع الأهالي ليبدو لنا مثاليا، بينما نحن في حقيقة الأمر في أمس الحاجة لأن يدخر طاقته وحيويته لأجل التعليم وحسب!

قد تبدو "الجروبات" مفيدة في بعض الأحيان، لا سيما عندما تستخدم بطريقة مُقننة، ليس هدفها نقل كل ما حدث في المدرسة إلى البيت، وإنما لتدارك الأمور الفادحة.. ولكن عندما تنزلق "الجروبات" لتصبح جرس إنذار يومي لا يهدأ، فإنّ النتيجة المترتبة هي: طالب بذاكرة سمكة، ومُعلم مُنتهك الخصوصية، وأولياء أمور بيوم ضائع!

من رحمة الله أنّ بعض "الجروبات" غير تفاعلية، فلا أظن بوجود كابوسٍ أسوأ من "جروبات" المدرسة التفاعلية التي تضطرك لأن تقرأ أخبارها وشكاويها.. مشاداتها وهذرها اللانهائي!

والسؤال: لماذا ينحو المعلم هذا المنحى؟ لماذا لا يقول كل ما يريده من الطلبة في أثناء الحصّة؟ لماذا عليه أن يكون هو ورقم هاتفه الشخصي مُتاحا على مدى 24 ساعة للآخرين؟

قد تبدو "الجروبات" في ظاهرها غاية في المثالية، تخدم الطالب والأسرة معا لكنها في حقيقة الأمر تُحدثُ خلطا فادحا بين أدوار البيت والمدرسة، ولذا على المُعلم أن يمنح طلبته الثقة، وإن أخطأوا أو تراخوا أو تعرضوا للنسيان فالأمر طبيعي جدا، يقول الفيلسوف كونفوشيوس: "قل لي وسوف أنسى، أشركني وسوف أتذكر"، وعلى أولياء الأمور أن يُدركوا أن مهمتهم رقابية، لا استكمال الناقص في العملية التعليمية! صرنا في الأعوام الأخيرة أمام نسبٍ دراسية خيالية، ولكن ما المحصلة العقلية الحقيقية في رحلة تفضيل "الحشو" على "النوع"! في رحلة اللهاث وراء تطبيق استراتيجيات قد تُودي بالعملية التعليمية إلى مستنقعات راكدة!