ثمة جدلية كبرى تدور في العالم أجمع حول الدور المعروف لوسائل الإعلام في ظل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتقد البعض أنها أخذت جانبا كبيرا من دور وسائل الإعلام المتخصصة بنقل الأخبار وصناعة الوعي كما هو دورها الأصيل عبر الزمن.

ورغم الانبهار بوسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الماضي من الزمن ورغم قدرتها في إيصال المعلومة أسرع من غيرها، بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من سكان العالم يسهمون في تغذيتها بالأخبار والمعلومات، فإن العالم بدأ يعي الآن أن التغذية التي تحصل لوسائل التواصل الاجتماعي لا تقتصر فقط على الحقيقة، وإنما وجد أنها مليئة بالأوهام والتضليل والخداع والضجيج المصطنع الذي يصدق عليه الوصف العربي المعروف «زوبعة في فنجان»، ناهيك عن غياب أي قواعد مهنية أو أخلاقية في الكثير مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي. والانشغال بهذه الزوابع هو إهدار للوقت وتشتيت لمسار البناء الحقيقي القائم على الحقائق الواضحة، بل وفقدان الكثير من الثقة بالنفس وبالمسار الصحيح.

وإن كان من فائدة تعود على الصحف ووسائل الإعلام تمتحها من تجربة وسائل التواصل الاجتماعي فهي تطوير أدواتها لتتناسب مع متطلبات المرحلة، وكيفية الوصول للجميع في سياق بناء الوعي وإيصال المعرفة، مع الحفاظ على المهنية التي يفترض أن تكون أحد أهم مبادئ ووسائل الإعلام.

لقد قامت وسائل الإعلام خلال السنوات الطويلة الماضية بأدوار تنويرية وتوثيقية ولا بدّ أن تستمر هذه الأدوار، بل إن الحاجة إليها في ظل وجود الكم الكبير من التضليل والأوهام في وسائل التواصل الاجتماعي أكبر من أي وقت مضى.

وإن كان هذا الدور مطلبا في العالم أجمع فإن له في العالم العربي طلبا أكبر. لا بد أن تستمر رسالة الإعلام الحقيقي في صناعة الوعي وفي الحفاظ على استقرار الأوطان والدفاع عن الدولة الوطنية في ظل كل المهددات والخطابات التي تحاول تسطيح العقول وتغييب المجتمعات عن ثوابتها وتاريخها وهُوياتها. أما الطرق فهي متاحة الآن أمام وسائل الإعلام التي ما زالت ثقة الغالبية فيها كبيرة وما فقد من تلك الثقة فيمكن إعادته بالعمل الجاد والمخلص.ولقد كان حاضرا هذا الأمر بكل تجلياته أمام أصحاب المعالي وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة حيث أكدوا على دور الإعلام العربي في صناعة الوعي الجمعي، وتأكيد سلطنة عمان على أهمية دعم المحتوى الرقمي العربي وتبني مبادرات وطنية قادرة على تغذية المجتمع العربي بمحتوى عربي منافس وفق ما جاء في توصيات الاجتماع.

وهذا المحتوى الذي تدعو له سلطنة عمان هو المحتوى القادر على صناعة الوعي في العالم العربي وصناعة التنوير والاستقرار مستفيدا من معطيات النهضة الرقمية التي تشهدها وسائل الاتصالات في العالم.