هل يدرك الجميع التغيرات التي تحدث في سلطنة عمان؟

هذا سؤال مهم جدًا في هذا التوقيت المهم والحساس من عمر العالم ولا نقول من عمر عُمان والمنطقة.

يمر العالم بمنعطف خطير جدًا سواء على المستوى السياسي حيث يعاد تشكيل نظام عالمي جديد يحل محل النظام العالمي الحالي القائم على أحادية القطب والذي يحلو للبعض أن يطلق عليه «الديمقراطية الليبرالية»، ويصاحب هذا التشكل الجديد واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم منذ مرحلة الكساد العظيم مطلع القرن الماضي وأثرت على كل مناحي الحياة وهي تعيد الآن البناءات الطبقية في العالم إضافة إلى قواعد الاستهلاك ليس فقط عند الطبقة الوسطى ولكن حتى عند الطبقات البرجوازية في العالم.

ولا شك أن الحرب الأوكرانية والصراع الأمريكي-الصيني وأزمة الطاقة والأزمات القادمة التي قد تظهر في خريف العام الجاري هي تمظهرات لما يمر به العالم من مرحلة تحول سياسي وأيديولوجي.

وسط هذا المشهد الذي تتأثر به كافة دول العالم دون استثناء تبدو سلطنة عمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - قارئة بشكل جيد لحقيقة التغيرات التي تحدث في العالم ولذلك تعمل عُمان على إعادة تموضعها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية على اعتبار أن الجوانب السياسية العالمية لا تزال تتشكل وفق تطور الأحداث وصراعات القوى العظمى في العالم، إضافة إلى أن الجانب الثابت في السياسة العمانية يحافظ على ثباته لأنه منطلق من إيمان عُمان التاريخي بقضايا الأمة والمنطقة والثابت من القضايا الإنسانية، ويستطيع أي قارئ منصف ملاحظة التغيرات الجذرية التي حدثت في عُمان خلال العامين الماضيين وخلال المرحلة الحالية وبوتيرة أكبر، وأعمق.

وأمس كشف المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن تعيين 23.2 ألف باحث عن عمل في القطاعين الحكومي والخاص وذلك حتى نهاية شهر يوليو الماضي، ورغم أن عدد الباحثين عن عمل أكبر من هذا الرقم إلا أن هذا الرقم ليس بسيطًا في ظل التحولات التي يشهدها العالم وفي ظل عدم تجاوز كل التأثيرات الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كورونا على العالم.

لكن هذا الرقم لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والمالية التي تشهدها سلطنة عمان على اعتبار أنها حزمة إصلاحية مرتبطة بعضها ببعض، وهنا جوهر الموضوع، فيمكن أن يعلن عن عدد كبير من التعيينات ولكنها تأتي في سياق مفرد بعيدًا عن كونها حركة إصلاحية في القطاعين الحكومي والخاص وسرعان ما تتبدد وتكشف عن ما يمكن أن يسمى في عالم الاقتصاد بـ«البطالة المقنعة».

هذا الأمر يجعل الجميع يشعر بالكثير من التفاؤل بالمرحلة القادمة وأن قضية الباحثين عن عمل رغم جذورها المتراكمة ورغم علائقها العالمية وتشعباتها إلا أنها يمكن أن يتم معالجتها بشكل جذري في القريب العاجل خاصة إذا ما عرفنا أن عدد القوى العاملة الوافدة في القطاع الحكومي قد تراجع بشكل كبير خلال الأشهر الأولى من العام الجاري ليصبح عددها 29.8 ألف بعد أن كان 37.9 ألف نهاية العام الماضي، وهذا الرقم في طريقه ليتقلص بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة.

إذا ما يحدث في عُمان كبير جدًا وعميق ويحتاج أن نكون جميعًا يدًا واحدة من أجل أن نتجاوز مرحلة التحولات الكبرى في العالم ونحن وطن أكثر قوة وأكثر رسوخًا في منطقة تتجاذبها تحولات عالمية وتغيرات جذرية.