سمعت حوارًا تلفزيونيًا منذ فترة للمطرب المصري علي الحجار قال فيه جملة استوقفتني «المرأة إذا فقدت وظيفتها لا تفقد أنوثتها، إلا أن الرجل إذا فقد عمله فقد معه رجولته» استذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ رسالة وصلتني عن طريق صفحتي على الانستجرام، ذكّرتني بتلك المقولة، حالة القلق التي عشناها في فترة الجائحة التي أدت إلى خسارة أعداد كبيرة لوظائفهم، لم تكن لها ردة الفعل ذاتها بالنسبة للرجال والنساء، فقد أصيب الرجال بنوبة ذعر شديدة، وقلق وحالات اكتئاب لعله بسبب شعورهم بفقدان السيطرة، فالرجل مهما اختلفت الثقافة وأيا كان موقعه من هذا الكوكب لطالما شكل مصدر أمان للعائلة، ولا شيء يخيف الرجل كخوفه من أن لا يتمكن ذات يوم من توفير الحياة الكريمة لأسرته، لهذا سيتحمل التعب وظروف العمل الضاغطة، وربما حتى المعاملة السيئة في بيئة العمل من أجل ضمان عدم خسارة وظيفته.

أستذكر قبل مدة أن زارنا رجل من معارفنا برفقة صغيرته ذات الثماني سنوات، سألها أحد الحضور السؤال الذي عادة ما يتم طرحه على الأطفال من باب الدعابة رغم خطورته: من تحبين أكثر والدتك أم والدك، فكانت إجابة الصغيرة سريعا، شعرت بأنها كانت قد حفظت الإجابة حفظا: طبعًا أمي، أمك ثم أمك، ثم أمك، فهي التي ولدتني وهي التي تنظف البيت وتطهو الطعام....الخ، لا أعرف وقع ذلك على الأب الذي ظل صامتا، لكن شخصيًا وجدتها عبارة مؤلمة على براءة قائلتها، فالبيت الذي تنظفه الأم، وفره الأب، والطعام الذي تطهو جاء به الأب، ووحده الله يعلم ما يمر به كل يوم من أجل تأمين ذلك الطعام، وهو السبب الذي يجعله يتحمل الضيم من أجل أن لا تنقطع تلك اللقمة من بيته.

تمر بي كثير من المشاهد التي رأيت في بيئة العمل، يتحمل فيها الموظف الكثير من الإساءة من مسؤول سيكوباتي، وتنمر زملائه، وإساءة يتحملها بكل صبر، وأتذكر بأنني طالما حدّثت نفسي بأنني لو كنت مكانه لما بقيت.

لا يفكر الابن كثيرا في الثمن الذي يدفعه والده كل يوم من كرامته، وكبريائه وصحته، وإنسانيته مقابل اللقمة التي يأكل، والثوب الذي يلبس، والبيت الذي يقطن.. فرفقًا بآبائكم.